عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
تسلم قائد الجيش اللبناني، العماد جوزاف عون، سلطاته الدستورية في القصر الجمهوري في بعبدا رئيساً للجمهورية اللبنانية، بعد أن أقسم اليمين الدستورية أمام مجلس النواب وألقى خطاب القسم، الذي أكد فيه أن عهده سيكون لإعادة ما دمره العدو "الإسرائيلي" في الجنوب والضاحية والبقاع وفي كل أنحاء لبنان، متعهداً بالاستثمار في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوبا وترسيمها شرقا وشمالا ومحاربة الإرهاب وتطبيق القرارات الدولية ومنع الاعتداءات "الإسرائيلية" على لبنان.
بعد شغور في سدة الرئاسة استمر لأكثر من عامين، منذ نهاية ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون، في أكتوبر 2022، وصل جوزاف عون الى قصر الرئاسة عبر البرلمان، بأغلبية 99 صوتاً في الدورة الثانية، بعد خسارته في الدورة الأولى التي حصل فيها فقط على 71 صوتاً من مجموع أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 128، وعلى الرغم من أن الجنرال عون، هو الرئيس الخامس للبنان الذي ينتقل من منصب قائد الجيش مباشرة إلى رئاسة الجمهورية، إلا أن جلسة انتخابه شهدت خلافاً حاداً، بين أعضاء البرلمان حيث اعترض بعضهم على ما سموه عدم احترام المادة 49 من الدستور اللبناني، التي تنص على أنه "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليا عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد".
في هذا الإطار أشار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلى أن "مقدمة الدستور واضحة في أن السيادة يمارسها الشعب، ومجلس النواب هو المؤسسة الأم الأكثر التصاقا بالشعب اللبناني والشعب هو من يمارس سيادته وليس الخارج"، لافتا الى أن "ما شهدته جلسة انتخاب الرئيس هو عودة القناصل، وأن تعليمات أتت من الخارج لمرشح من الخارج" (في إشارة الى أن قرار انتخاب عون كان أمريكياً)، وهذا يدل على أن لبنان أمام عملية تعيين لمرشح من الخارج، مضيفاً: "هذا يضعنا أمام سؤال واضح، هل المجلس النيابي يتنازل عن السيادة وتستكمل لاحقاً بممارسات أخرى تشريعية؟!"، واصفاً المشهد بـ"الفاضح والمعيب بحق البرلمان والقوى السياسية اللبنانية".
برلمانيون آخرون اعتبروا أن جلسة الانتخاب تحولت إلى جلسة تصديق على تعيين رئيس، وأن الدستور تعرض للتعرية أمام توافقات اللحظة وفيها من التكاذب والمداهنة والصفقات الكثير، ولم تخل الجلسة من مشادات كلامية بين أعضاء البرلمان وصلت الى مستوى "الشتائم والألفاظ غير اللائقة" بمن يقع على عاتقهم تمثيل الشعب في هذا الاستحقاق الذي جرى تعطيله على مدى العامين السابقين، نتيجة لعدم التوافق حول اسم رئيس الجمهورية.
من يتابع المشهد الرئاسي اللبناني عن قرب يدرك أن التوافقات الداخلية والخارجية، هي من أوصلت 14 رئيساً تعاقبوا على سدة الرئاسة منذ استقلال لبنان عام 1943، ونظراً لحساسية المرحلة التي وصل فيها الجنرال جوزاف عون الى قصر بعبدا، في ظل العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، واستمرار العدوان والحصار على غزة، والتحرك الأمريكي -"الإسرائيلي" في سوريا، والتهديدات الصهيونية في المنطقة، يتابع اللبنانيون لاسيما مجتمع المقاومة وعلى رأسهم "حزب الله"، المرحلة بقلق وحذر شديدين، وتحدثت أوساط إعلامية وصحفية، أن وفداً من حزب الله وحركة أمل، ضم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والنائب علي حسن خليل التقيا بقائد الجيش جوزاف عون في مقر البرلمان، قبل استئناف الدورة الثانية من جلسة انتخابه رئيساً، الأمر الذي يشير إلى عدم تصويت حزب الله وحركة أمل خلال الجلسة الأولى من الانتخاب للجنرال عون، وقال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، في تصريح من داخل البرلمان علق فيه على مجريات جلسة انتخاب رئيس الجمهورية: "أردنا من خلال تأخير تصويتنا لفخامة الرئيس، أن نرسل الرسالة بأننا كما كنا حماة السيادة الوطنية فإننا حماة الوفاق الوطني في البلد".
بهذه الرسالة المقتضبة التي عبرت عن موقف المقاومة من التوافق السياسي الداخلي لمصلحة لبنان، تنتهي كل الادعاءات والاتهامات المغرضة التي كان يروج لها أعداء المقاومة في الداخل والخارج على مدى العامين الماضيين، والتي مفادها أن حزب الله هو من يقف وراء استمرار الشغور الرئاسي وتعطيل الانتخابات، وبما أن الرئيس عون تعهد في كلمته التي ألقاها عقب القسم الرئاسي بالعمل "على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح"، تبقى العيون شاخصة الى سلوك الرئيس في التعامل مع "سلاح المقاومة" ودورها وتضحياتها في سبيل تحرير لبنان ودفاعها عنه في وجه العدو "الإسرائيلي".
أما بالنسبة للموقف الخارجي فقد سارع الرئيس الأمريكي جو بايدن الى تهنئة الرئيس عون، واصفا إياه بأنه "الزعيم المناسب لهذا الوقت"، وقال بايدن إن الرئيس عون سيوفر قيادة حاسمة بينما ينفذ لبنان و"إسرائيل" وقف الأعمال العدائية بشكل كامل، مع عودة مئات الآلاف من الأشخاص إلى منازلهم وتعافي لبنان وإعادة بنائه، وأضاف بايدن: "الرئيس عون يحظى بثقتي، أعتقد جازما أنه الزعيم المناسب".
وفي الموقف الفرنسي وعقب اتصال هاتفي، هنأ فيه الرئيس إيمانويل ماكرون العماد عون بانتخابه رئيسًا للجمهورية، نشرت سفارة فرنسا في بيروت، بيانًا لوزارة الخارجية الفرنسية أشادت فيه بانتخاب الرئيس الجديد، معتبرةً أن هذا الإنجاز يمثل بارقة أمل للبنانيين، ودعت باريس إلى تشكيل حكومة قوية لتنفيذ الإصلاحات الضرورية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي، كما أكدت التزامها بمساندة لبنان عبر التنسيق مع شركائها الدوليين.
ومن الرياض بعث الملك سلمان برقية تهنئة إلى الرئيس جوزاف عون بفوزه في الانتخابات الرئاسية وأدائه اليمين الدستورية، وأعقب ذلك بيان لولي العهد السعودي محمد بن سلمان اعرب فيه عن التهاني والتمنيات بالتوفيق والسداد لفخامته.
صحيح أن برقيات التهاني والتبريكات العربية والأجنبية البروتوكولية كثيرة، لكن الشعب اللبناني يولي اهتمامه المباشر وتركيزه المكثف، للمواقف والتعليقات الأمريكية والفرنسية والسعودية، كجزء من محاولة قراءة ملامح المرحلة المقبلة في بلادهم التي عانت كثيراً جراء التدخلات الأمريكية والفرنسية والسعودية، التي تختلف في أشكالها، ولكن مضمونها يصب في مصلحة "الكيان الإسرائيلي" العدو التاريخي لدولة ومقاومة وشعب لبنان.

أترك تعليقاً

التعليقات