تصعيد المقاومة وسيناريوهات العدو لوقف الحرب في لبنان
- عبد الحافظ معجب الجمعة , 1 نـوفـمـبـر , 2024 الساعة 6:53:13 PM
- 0 تعليقات
عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
مرحلة جديدة من المواجهة مع العدو «الإسرائيلي» في لبنان، ابتدأت تتضح ملامحها منذ أن وجهت المقاومة الاسلامية دعوتها لإخلاء 25 مستوطنة شمال الداخل الفلسطيني المحتل، وتحذير المستوطنين من التواجد في مستوطنات يستخدمها جيش العدو «الإسرائيلي» لانطلاق أنشطته العدائية تجاه لبنان، وبالتزامن مع دعوات الإخلاء والتحذير سجلت المقاومة أرقاماً قياسية في العمليات الهجومية وتوسعها إلى مستوطنات جديدة تستهدف للمرة الأولى.
وهو ما يجعل الميدان الحاكم الأول والرئيسي في تطوّر الأحداث، لاسيما في ظل توسيع العمليات لتشمل المناطق الصناعية في الشمال ومقرات الجيش على غرار ما حدث في عملية بنيامينا، والفشل الذريع لجيش العدو في إحراز أي تقدم على الجبهة البرية، التي تكبد فيها أيضاً خسائر فادحة وكبيرة جداً، ويواجه صعوبة في السيطرة على أي نقطة في الجنوب اللبناني نتيجة التعزيزات العسكرية للمقاومة وقدراتها، وعليه فإنّ أي خطوة نحو وقف إطلاق النار في الجبهة اللبنانية ستكون مرتبطة بما سيتوصل إليه الميدان والمواجهات العسكرية.
بحسب معطيات الميدان، حزب الله إلى جانب استعادته لزمام المبادرة والمبادأة حافظ على القدرة القتالية والقدرات الصاروخية وبداية التأقلم مع الواقع الجديد، وبالتالي تأكد الكيان وشريكه الرئيسي الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤه في الخليج «السعودية والإمارات» من صعوبة المراهنة على القضاء عليه، وفشلت سياسة الاغتيالات في تحقيق أهدافها، بالإضافة إلى الأثمان العالية لأي إطالة لأمد الحرب سواء على الصعيد العسكري أو حتى الاقتصادي والاجتماعي كما والدولي.
في إطار الإجراءت المتوقعة من الاحتلال لمواجهة معطيات الميدان التي فشل فيها عسكرياً قدم «مركز الاتحاد للأبحاث» (يوفيد) دراسة للسيناريوهات المتوقعة لوقف إطلاق النار والخطوات التي سيتجه إليها الكيان للخروج من الوحل الذي وقع فيه مع لبنان، ومن أبرز السيناريوهات التي سلطت الدراسة الضوء عليها، أن الكيان سيتجه للطلب من الولايات المتحدة ممارسة الضغط على لبنان سياسيًا لتحصيل تنازلات، والترويج لتحقيق أهداف الحرب من خلال القضاء على قادة المقاومة واستهداف أسلحة المقاومة الاستراتيجية وادعاء تحقيق أهداف عملية برية محدودة والقضاء على قادة «قوة الرضوان» وعناصرها، وتعزيز آلية الفتنة والخلافات الداخلية لإغراق حزب الله في دوامة الصراعات الداخلية يصعب السيطرة عليها في ظل الوضع الاقتصادي وحجم الدمار والخسائر الذي تعرض له لبنان، وبالتالي استغلال الخلافات السياسية في الداخل اللبناني كبديل لاستمرار الحرب وزرع الشقاق بين صفوف اللبنانيين والتأليب في ما بينهم، وربط وقف إطلاق النار في لبنان بإتمام صفقة التبادل في غزة، وبالتالي، الإيعاز لطاقم المفاوضات بإحضار اتفاق، ومنحه تفويضا وقوة ودعماً لتنفيذه لإعادة المختطفين.
في حال تم التوصل إلى وقف إطلاق النار سيسعى الكيان إلى التمهيد لاتفاق قائم على نشر قوات دولية أو قوات من دول صديقة له وللبنان، بدلاً من «اليونيفيل»، يكون لديها «صلاحية القتل»، وفي حال فشل ذلك سيسعى الكيان لأخذ صلاحية مشابهة من الأمم المتحدة أو من الولايات المتحدة لكي يقوم جيش الاحتلال بتطبيق القرار (1701)، ويبقى على خط الهضاب الأول، مع استخبارات جيدة، ومع مضاعفة عديد قواته على الحدود، مقارنةً بما كان عليه الوضع في 6 أكتوبر، لتمكين مستوطني الشمال من العودة إلى منازلهم.
السيناريو المتوقع قبل وقف إطلاق النار أن تتصاعد حدة المعارك البرية وسيحاول العدو إيجاد ثغرات يحاول الدخول منها إلا أنه سيجد نفسه في كل مرة أمام مواجهات عنيفة توقع خسائر فادحة في صفوفه، وذلك مع تصاعد حدة الهجمات الصاروخية وتوجيه ضربات نحو أهداف جديدة، الأمر الذي سيدفع العدو لإعادة بناء سياساته وفق التطورات التي ستضطره للبحث عن حلول دبلوماسية تخرجه من «مستنقع الشمال»، وسيحاول العدو استخدام آخر ما يملك من أوراق واستهداف ما استطاع من مناطق وأهداف يخرج بها من الحرب بماء وجهه حاصداً أرواح عدد كبير من المدنيين من خلال تنفيذه مجازر عدة كورقة ضغط على حزب الله لدفعه نحو تقديم التنازلات خلال عملية التفاوض.
أما بعد وقف إطلاق النار فسيحاول جيش الاحتلال فتح تحقيق بالفشل الذريع الذي تلقاه بعد حوالي عام ونيّف من الحرب والتي على إثرها سيحاول إعادرة بلورة استراتيجية دفاعية وهجومية جديدة تمكّنه بحسب زعمه من استمرار سياساته لاجتثاث المقاومة في مختلف دول المحور، دون الدخول في حرب مباشرة، وسيعيد جيش الاحتلال توزيع انتشاره في المنطقة الشمالية التي ستتحول أغلب مستوطناتها لمناطق عسكرية خالية من السكان.
السيناريو الأبرز أننا سنشهد موجة واسعة من الإقالات والاستقالات داخل المؤسسة العسكرية بصورة تعيد إنتاج وتعيين نخبة عسكرية جديدة تؤسس لاستراتيجيتها الجديدة للمرحلة المقبلة.
وعلى الصعيد الأمني سيسعى الكيان لاستغلال إنجازاته الاستخباراتية التي حقّقها في الآونة الأخيرة والترويج لها لإخضاع الدول المطبعة وبناء شراكات أمنية مع دول أخرى، مع الاستمرار في تنفيذ الاغتيالات، وإن كانت في بعض الحالات من دون بصمة كمحاولة لتأكيد استمرارية القدرة والفعالية.
وعلى الصعيد السياسي سترتفع أصوات المعارضة التي تطالب بإسقاط الحكومة في ظل أن الظروف التي وصل لها الكيان دون تحقيق أي من إنجازات الحرب في القضاء على المقاومة سواء في لبنان أو حتى في غزة والتي ستكون دافعًا لاستقطاب الشارع الصهيوني تحت عنوان «إعادة ضبط الاستراتيجية الأمنية والعسكرية لإعادة الأمن وسكان الشمال» والتي فشلت في تحقيقها حكومة نتنياهو.
وستفتح أوراق المساءلة والمحاسبة في وجه نتنياهو الذي سيواجه التحقيق تحت عناوين جديدة أخرى تتعلق بالفشل الذي وصل له الكيان، مع ترجيحات لتحرك اليمين المتطرف إلى تكثيف جهوده في تأمين حدوده الاستيطانية والتوسعية ضمن المشروع الذي رسمه سموتريتش وبن غفير، أما نتنياهو فسيسعى إلى إنتاج رواية بالإنجازات والمكاسب التي حقّقها لكسب بعض الوقت والمماطلة في سبيل ترتيب أوراقه الداخلية سعياً منه للحفاظ على وجوده السياسي.
أما على الصعيد الاقتصادي سيعمل الكيان المؤقت على اتخاذ خطوات لترميم الخسائر الاقتصادية من خلال استقطاب المساعدات الاقتصادية من الدول الحليفة لا سيما الولايات المتحدة والغرب، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال تقديم الحوافز، والاقتراض من الخارج لمعالجة الخسائر إلا أن تكلفة الاقتراض ستكون مرتفعة، ولكن الأهم هنا هو محاولة توفير قروض ميسرة للمؤسسات الاقتصادية المتضررة، ووضع خطط لخفض العجز من خلال تقليل النفقات وزيادة الإيرادات الضريبية، وتعزيز الروابط الاقتصادية مع الدول الأخرى، والعمل على تحسين إدارة الدين العام.
وعلى الصعيد الاجتماعي التحدي الأكبر هو عودة الوضع الداخلي إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر، حين كان الانقسام السياسي على أشدّه، مع عودة النداءات التي تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وزيادة حدّة الخلافات بوتيرة عالية، مع عودة الاحتجاجات إلى الشارع الصهيوني، وارتفاع معدلات الهجرة لاسيما أصحاب الاستثمارات والمهن الحرة نتيجة فقدان الأمان والتدهور الاقتصادي، كما ستسيطر حالة من الاستياء والقلق في الداخل الصهيوني نتيجة الواقع السياسي والاقتصادي والأمني الذي وصل إليه الكيان، مع فقدان الثقة بالمؤسستين الأمنية والعسكرية، وعودة أزمة تجنيد الحريديم إلى الواجهة في ظل إصرارهم على رفض التجنيد، وهو ما سيكون بداية لتبلور الانقسامات الداخلية نتيجة التمييز بين المناطق بصورة ستعلو فيها الأصوات المطالبة بالانفصال، مع ارتفاع أعداد من يعانون من أزمات نفسية لاسيما من الجنود الذين شاركوا في الحرب البرية، وتحوّل المنطقة الشمالية إلى منطقة شبه خالية من السكان حيث سينتقل عدد كبير من سكانها إلى الخارج وقسم آخر قد يستقر في الوسط برغم الرفض الكبير للتعايش معهم.
وعلى مستوى العلاقات الخارجية سيحاول الكيان بلورة علاقاته الخارجية خاصة تلك التي تضررت نتيجة الحرب والجرائم التي ارتكبها، وسيعيد إنتاج رواية تتناسب وكونه ضحية يستقطب من خلالها الدعم والمساعدات لإعادة بناء اقتصاده المنهار، وسيعمد الكيان لإعادة إحياء العلاقات مع دول المنطقة وتعزيز فرص التطبيع مع دول جديدة.
المصدر عبد الحافظ معجب
زيارة جميع مقالات: عبد الحافظ معجب