الحرب بوسائل أخرى
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب

يقول كلاوزفيتز المؤرخ والقائد العسكري الألماني (إن الحرب هي امتداد للسياسة، ولكن بوسائل أخرى). ومع ازدياد رقعة الحروب والصراعات تحولت مواقع التواصل الاجتماعي الى سلاح فتّاك يستخدم بشكل مباشر في الصراعات الدولية والإقليمية، واستخدم هذا السلاح من قبل الكثيرين، لعل أبرزهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أشعل عبر (تويتر) أزمات لازالت مشتعلة حتى اللحظة، منها ملف نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وصفقة القرن، وخفض تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ورفع الرسوم الجمركية على دول شريكة وحليفة.
كما أن الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي لعبت في الولايات المتحدة الأمريكية دوراً لا يُستهان به في توجيه التصويت لترامب، وتوج هذا الأمر بالاعتراف الرسمي من (مارك زوكربيرغ) مؤسس (فيسبوك)، الذي قال أمام لجنة الاستماع في مجلس الشيوخ الأمريكي إن شركته لم تستطع أن تفعل كل ما يجب من أجل منع سوء استخدام هذه الأدوات، ولا ما يكفي لمنع نشر الأخبار الكاذبة، والتدخل الأجنبي في الانتخابات وخطابات الكراهية. 
وبنفس الطريقة التي تم من خلالها توجيه الرأي العام بالأخبار (الكاذبة) في دعم الرئيس دونالد ترامب بالانتخابات، استُخدمت وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت في دعم التصويت لصالح البريكست، وكذا مع انفصال كتالونيا عن إسبانيا.
أما في الصين فقد كثفت الحكومة جهودها لمراقبة الإنترنت، وبالتحديد وسائل التواصل الاجتماعي، وأطلقت منصة إلكترونية تشمل تطبيقًا للهواتف المحمولة، يتيح للمواطنين الإبلاغ عن الشائعات والأخبار الكاذبة، خوفاً من زعزعة استقرارها، وأصدرت قوانين صارمة تعاقب مروجي الشائعات بالسجن لمدة تصل إلى 7 سنوات. 
وفي تركيا اتهم أردوغان، إرهابيين اقتصاديين بالتآمر للإضرار ببلاده عن طريق نشر تقارير كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي، أدت الى تراجع الليرة والتسبب بأضرار اقتصادية كبيرة.
كثيرة هي النماذج والحالات التي استُخدمت فيها المواقع الإلكترونية والإعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي كوسيلة فعالة وجديدة للتأثير على السياسة وكسب الحرب وامتلاك ميزة في الصراع المستمر بين الدول، ومنذ انطلاق عمليات ما تسمى (عاصفة الحزم) استخدمت دول العدوان هذه المنصات بشكل مدروس لشن حروب متعددة ضد اليمن، وما نراه كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي هو جزء من هذه الحرب التي توجه الجمهور كيفما شاءت، وتروج للأخبار الكاذبة التي تصب في مصلحة دول العدوان، ونحن لازلنا نتعامل معها بجهود ذاتية، وننساق في كثير من الأحيان وراءها لنحقق لها أهدافها، التي باتت مصدراً رئيسياً لتشويه الوعي المجتمعي الجمعي من خلال انتشار الأخبار الزائفة والكاذبة التي تؤثر على اختيارات الناس ودوافعهم.
ولا غرابة في انتشار الأخبار المضللة والموجهة ضد الجيش واللجان الشعبية بسرعة فائقة، فهناك من يعمل ليل نهار لترويج هذه الأخبار وبإمكانيات ضخمة وكبيرة ودراسات للمجتمع وخلفياته الاجتماعية والثقافية واهتماماته اليومية وعاداته وتقاليده، مثل إشاعات (اعتقال النساء) و(تعذيب الأطفال) و(نهب المساعدات)، وغيرها من القصص اليومية، وخلف كل خبر كاذب هدف مدروس، وعلى سبيل المثال خبر اعتقال السلطات الأمنية وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان، تم نشره عبر شريط الأخبار في قناتي (العربية) و(الحدث)، وبعد ثوانٍ معدودة كان الخبر الأول على كافة مواقع (التواصل الاجتماعي)، ساعات قليلة ونفى الرويشان أن يكون قد تعرض للاعتقال، وفي هذه اللحظة ظهر الهدف من الحملة الإعلامية التي تحولت من خبر الاعتقال الكاذب الى سؤال كبير (لماذا لايتم اعتقال الرويشان؟)، ووقع في (فخ) هذا السؤال الكثير، ليتحقق الهدف من الحملة بحالة سخط واستياء تجاه أنصار الله والأجهزة الأمنية التي لم تحرك ساكناً تجاه (الرويشان) وهو يشتم الجيش واللجان، ويؤيد العدوان من داخل العاصمة صنعاء، وذهبت الحملة لنشر الكثير من التحليلات التي تهدف في مجملها الى خلق حالة غضب مجتمعي ضد الأجهزة الأمنية بصنعاء.

أترك تعليقاً

التعليقات