أذن السارق تطن
 

عبد الحافظ معجب

كان في واحد يعيش بقرية صغيرة ومعه دجاج، وكل فترة يلاحظ أن الدجاج حقه ينقصين، راح عند شيخ المسجد وقال له يا شيخ في حد يسرق من دجاجاتي، وإحنا بالقرية معدودين بالأصابع، لكن مش قادر أتهم أحداً جزافاً، فقال له الشيخ لا تقلق عندي طريقة لكشف السارق.
ثاني يوم اجتمع الناس وقت الصلاة، وبدأ الشيخ بالحديث عن الأمانة وجزاء السارق، وقال تخيلوا من وقاحة السارق أنه يكون جالس بيننا وريش الدجاج المسروقات على رأسه، فقام الفاعل مباشرة بمسح رأسه، ومن هنا جاء المثل القائل: اللي على رأسه بطحة (ريش) يحسسها، طبعاً هذا المثل ينطبق تماماً على بني سعود اللي خائفين و(مزاوطين) من حكاية تشكيل لجنة دولية للتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.
أصل الحكاية أن هولندا تقدمت بمشروع قرار إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذلك للمطالبة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاك قوانين الحرب باليمن.
وتقود هولندا التحرك الدولي الداعي إلى تشكيل لجنة دولية، بجانب كندا والصين، في حين تعارضها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بجانب المجموعة العربية التي تتزعمها السعودية وتضم الإمارات ومصر والسودان.
وقبل هذه الخطوة أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً جديداً كشفت فيه أن (التحالف السعودي) ارتكب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي في اليمن، بينها جرائم حرب، وأن دولاً من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا تواصل إمداده بالأسلحة.
وذكر التقرير أن القنبلة التي دمرت مبنى سكنياً في صنعاء الشهر الماضي، وأدت لمقتل وإصابة عشرات المدنيين، بينهم الطفلة بثينة التي انتشرت صورتها على نطاق واسع قبل أن تختطفها السعودية، كانت قنبلة أميركية الصنع.
الأسبوع الماضي نشر نشطاء نصّ نداء للتوقيع عليه، يطالب بلجنة دولية محايدة للتحقيق في انتهاكات السعودية خلال ما يزيد عن عامين من الحرب، قائلين إن المملكة، التي تقود التحالف، تعمل لمنع تشكيل لجنة دولية للمرة الثانية.
وناشد الناشطون بحسب نصّ النداء الأمم المتحدة والمجلس الأعلى لحقوق الإنسان (الاستجابة للمنظمات الدولية، التي وصلت إلى 56 منظمة، كلها تطالب بتشكيل لجنة دولية تحقق في كل جرائم الحرب).
بالتزامن مع هذا التحرك العالمي الإنساني، طالب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد رعد الحسين، بإجراء تحقيق دولي مستقل حول الحرب في اليمن، واصفاً ما تسمى (اللجنة الوطنية) التابعة (للدنبوع) وتصدر تقاريرها من فنادق الرياض وأبوظبي، بأنها منحازة.
ولأن (أذن السارق تطن)، كشفت وثائق سرية نشرتها المجلة الأمريكية (ذا أتلانتك)، عن تقديم العدوان السعودي رشاوى كبيرة لمسؤولي الأمم المتحدة ومسؤولين أوروبيين، من أجل الحيلولة دون تشكيل لجنة دولية محايدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان باليمن.
وتتضمن الوثائق تقريراً من وزير خارجية العدوان، عادل الجبير، إلى السكرتير الخاص لسلمان، عن الجهود المبذولة للحيلولة دون تشكيل لجنة تقصي حقائق في ما يتعلق بحقوق الإنسان في اليمن، في إطار مجلس حقوق الإنسان بجنيف.
وذكر التقرير أنهم قاموا بالضغط الاقتصادي والسياسي بصفة خاصة على دولة هولندا، والضغط على دول الاتحاد الأوروبي التي تدعم الموقف الهولندي باستخدام الملفات الاقتصادية مع هذه الدول، وعقد صفقات سياسية وتجارية مع بعض الساسة الهولنديين المتنفذين، وتقديم إغراءات كبيرة للدبلوماسيين الهولنديين في نيويورك وجنيف، عبر اللوبي السعودي واللوبي الإماراتي، وإعفاء السياح الهولنديين من رسوم التأشيرة والإقامة في السعودية والإمارات، والاستعانة ببريطانيا وأمريكا لإيقاف التحركات الهولندية.
هذه الضغوط دفعت هولندا لتعديل مشروعها الذي كان تشكيل لجنة دولية، و(شغلت الريوس)، وتحول طلبها الى أن تجري مجموعة دولية من الخبراء البارزين تحقيقاً في مجازر وجرائم بني سعود وحلفائهم باليمن.
طبعاً، التحرك الدولي بهذا الخصوص (مش جديد)، مطلع العام الماضي قالت منظمتا (هيومن رايتس ووتش) و(العفو الدولية) إن تشكيل (التحالف السعودي) لجنة تحقيق في الاتهامات بجرائم الحرب في اليمن، غير كافٍ.
ودعت المنظمتان إلى تشكيل لجنة مستقلة للنظر في اتهامات بارتكاب جرائم حرب، مثل استهداف عيادات منظمة (أطباء بلا حدود) في اليمن.
موقف السعودية من تشكيل اللجنة متطابق تماماً مع موقف الكيان الإسرائيلي عندما رفض في  2009 تشكيل لجنة دولية للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان الصهيوني أثناء الحرب على غزة.
وموقف (عادل الجبير) اليوم (مش مختلف) عن موقف (أفيغدور ليبرمان) وزير خارجية الكيان الصهيوني، عندما ضغط على الأمم المتحدة العام 2010م، واستخدمت إسرائيل حينها كل الضغوط لمحاولة منع تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الاعتداء على (أسطول الحرية).
صحيح أن المال السعودي بإمكانه التلاعب والمماطلة والتأجيل والتسويف في مسألة التحقيق، ولكن كل هذه التحركات هي إدانة واضحة وكاملة للعدوان، وإقرار بارتكابه للمجازر، بدليل خوفه ورعبه من تشكيل لجنة التحقيق. ومثلما فشلت محاولات بني صهيون، ستفشل محاولات بني سعود، والعدالة قادمة لا محالة.

أترك تعليقاً

التعليقات