محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
في بادرة أمريكية، وإن جاءت متأخرة جداً، دعا الباحث الأمريكي المتخصص بالشؤون الأمنية والباحث في أعرق مراكز الدراسات السياسية الشرق أوسطية العاملة في إمبراطورية اليانكي (معهد أمريكان إنتربرايز AEI)، مايكل روبين، إلى ضرورة العمل والإسراع بتصنيف حزب الإصلاح اليمني (الذراع الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن) كمنظمة راعية وحاضنة وممولة لـ»الإرهاب الديني» في البلاد والمنطقة.
وأكد، في دراسته المنشورة بتاريخ 8 تموز/ يوليو 2025، في مجلة «الأمن القومي» (National Security Journal)، تحت عنوان: «كيف نُحقق السلام في اليمن؟»، أهمية واستراتيجية خطوة كتلك، والتي يراها من منظوره الشخصي والفلسفي والتحليلي ضرورية جداً لضمان نجاح وديمومة أي عملية سلام محتملة لإخراج اليمن من عثراته وأزماته الاحترابية الراهنة والمستفحلة. ونوه في الصدد ذاته بأن المعارضة التي تبديها بعض الأوساط السياسية والدبلوماسية الأمريكية والغربية لإعاقة مشروع تصنيف هذه الجماعة الخونجية المثقلة بإرث الإرهاب (حزب الاصلاح) في سياقها الطبيعي والصحيح كـ«منظمة إرهابية»، أمر من شأنه الإسهام في تعقيد سبل الحل الوطني الشائك والمتعثر أصلاً في اليمن بدرجة منذرة بمستقبل أكثر قتامة وكارثية مما هو حاصل الآن.
ومع أنه لا جدال هنا حول صوابية مثل تلك الدعوات التجريمية الموجهة، وإن بشكل متأخر جداً ضد حزب الإصلاح وقادته الغارقين حتى أخمص أقدامهم وعلى امتداد تاريخهم الوجودي المشؤوم في مستنقع الجريمة الدموية المعممة من قبلهم وعلى مدى عقود زمنية مضنية على المستويين الوطني والإقليمي، بالنظر إلى ماضيهم الدموي الآثم، وتاريخهم الإجرامي الطويل والمشحون بكل صنوف المكر والجريمة المرتكبة ضد شعبهم وبلادهم وضد قادتها البواسل الذين اكتووا على امتداد أغلب مراحل التاريخ الوطني الحديث بسعير الفتاوى الخونجية الدموية، بدءاً بالرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، الذي قضي عليه وعلى نظامه الوطني التقدمي غيلة في الحادي عشر من أكتوبر 1977 عبر التآمر الوضيع والمبتذل الذي استهدفه من خلال الاستخدام الرخيص والمتهور لسلاح الفتاوى اللاهوتية والتكفيرية من قبل القوى الدينية ذاتها المتربعة اليوم على عرش حزب الإصلاح والمهيمنة في الوقت ذاته على تحالف اليمين الديني والعشائري، مروراً بقادة الحزب الاشتراكي اليمني ومشروعهم الحداثي والوحدوي الوطني الذي اغتيل هو الآخر في المهد عام 1994، وبالقدر ذاته من الخسة والمكر والوضاعة المسمومة بحراب الفتاوى اللاهوتية، وبصورة لا يزال يتعين على شعبنا وبلادنا دفع ثمن تداعياتها الكارثية والباهظة حتى اللحظة من أمنهم ودمائهم وأرواحهم ولحمتهم الوطنية المعرضة للزوال الوجودي جراء الأحقاد والثارات القومية الداخلية التي ولدتها طفرة الكراهية الخونجية المسعورة والموجهة ضد كل ما هو جميل وتقدمي ومقدس في هذا البلد، وصولاً إلى دورهم الانتهازي والإجرامي المبتذل في تصيد باكورة التطلعات الشبابية الوليدة من رحم ما سُمي «ثورة فبراير الشبابية» وتفيُّدها بصورة أدت إلى توقف عجلة التاريخ والتطور الوطني عند عتبة هذا الحزب المنفلت بصورة مسعورة من عقال الوئام والانسجام والإجماع الوطني، بغية إبقاء الشعب، كل الشعب، رهينة النزعات الاستبدادية والاسترقاقية المشاعية لجلاوزته من تحالف اليمين الديني والعشائري...
ولا ينتهي الأمر بمجونهم التآمري الأكثر شراً ووضاعة ضد شعبهم وبلادهم، والمتمثل في دورهم الإجرامي بإشعال فتيل الاحتراب الأهلي الداخلي، والذي لم يكتفوا من خلاله بإشهار سلاح الفتاوى التكفيرية فحسب، لتفجير حمى الصراع المذهبي المضني والمحتدم على امتداد المشهد الوطني، بقدر ما عمدوا، في السياق ذاته، إلى استدعاء الخارج (قوى العدوان الإقليمي والدولي) بغية إنجاح مخططاتهم التآمرية، وبصورة أدت إلى شرذمة البلاد وإخضاع أجزاء واسعة منها لهيمنة القوى الغازية وتفتيت لحمة الشعب اليمني وتقويض وحدته الوطنية وإغراقه في دوامة الصراعات الدموية والثأرية بصورة لا تنذر بمستقبل وطني آمن ومستقر وموحد على المدى الزمني الطويل.
وبما أنه لا جدال هنا حول حقيقة أن (أباطرة اليانكي) الأمريكان هم على دراية في الواقع، وأكثر منا ربما، بالطبيعة الدموية وبالإرث الإجرامي الطويل لهذه الجماعة الملتحية (حزب الإصلاح بتاعنا)، كونه إحدى صنائعهم المتعددة في المنطقة، فإن السؤال الأساسي يبقى متمحوراً هنا حول مغزى وتوقيت تلك الدعوات التجريمية الموجهة أمريكياً ضد صنائعهم في حزب الإصلاح وقياداته المعروفة أصلاً بولائها التقليدي الأعمى للأمريكان وعمالته الراسخة لأذنابهم وأدواتهم التقليدية في المنطقة، ممثلة بممالك ومشيخيات الخليج الفارسي، خصوصاً إذا ما وضعنا بعين الاعتبار طبيعة التحالفات العدوانية الراهنة في بلادنا، والتي جعلت من خونج الرذيلة أهم شركاء الداخل الوطني بالنسبة لتحالف العدوان الصهيو-سعودي-إماراتي-أمريكي، بما تمثله تلك الشراكة التآمرية من حلقة مفتوحة لإبقاء البلد مجزءاً ومفككاً ورهينة التطلعات الاستحواذية والاستعمارية للقوى الغازية المختلفة.
وبالنظر من ناحية أخرى إلى منشأ وتوقيت تلك الدعوة التجريمية، الموجهة من قبل شخصية أكاديمية ذات حضور ملفت على الصعيد السياسي الأمريكي (مايكل روبين)، والذي لا يعد فحسب خبيراً موثوقاً في شؤون الأمن القومي الأمريكي، بالنظر إلى طبيعة ونوعية المناصب الاستشارية ذات الطابع الأمني والاستخباراتي البحت التي شغلها قبلاً، وخصوصاً في نطاق وزارة الدفاع الأمريكية، وإنما بالنظر أيضاً، وهذا هو الأهم، إلى قربه الواضح من مراكز صنع القرار الأمني والسياسي الأمريكي، ما يعني في الإجمال أن مشروع «اليانكي» لإدراج الجماعة ضمن قائمته المحببة والمكرسة في الغالب لتقليم أظافر المغضوب عليهم، قد يبدو مشروعاً جدياً وواعداً، يؤرخ لانتهاء صلاحية الجماعة في نظر أسيادهم في إمبراطورية اليانكي، بالنظر إلى طبيعة التحالفات المتغيرة الراهنة على أرض الواقع اليمني، والتي فرضتها صلابة المقاومة التي أبداها الشعب اليمني بثورته الفتية (21 أيلول/ سبتمبر 2014) الرافضة لشتى أشكال المشروعات الإخضاعية المتقوقعة حالياً داخل الرهانات المتجددة لإحياء العدوان وتوسيعه على قاعدة التبديل الحاصل في منظومة التحالفات المتنوعة والهشة مع قوى العمالة والرجعية في الداخل الوطني، بصورة قد تؤدي بما لا يدع مجالاً للشك إلى تقزيم المطاوعة كحزب وكجماعة مهرطقة، وتقويض هيمنتهم المشيدة بدموع وآلام ومعاناة الأمة على مدى عقود مضنية من تاريخهم الوجودي الآثم.

أترك تعليقاً

التعليقات