عبد الحافظ معجب

عبد الحافظ معجب / لا ميديا -
بعد انتصار المقاومة اللبنانية على العدو "الإسرائيلي" في العام 2000 قال الشهيد القائد الحاج عماد مغنية عبارته الخالدة: "إن الروح هي التي تقاتل فينا"، الروح التي تجعل من جسد المقاتل قنبلة تتفجر في جيش العدو دون التفات إلى عدته وعتاده وحجم إمكاناته وجهوزيته؛ لأن الروح القتالية أسمى وأعلى، وذات اتصال مباشر بخالقها، الذي يمدها بالقوة، عندما تقاتل بثبات المؤمن الواثق بنصر الله. ولم نجد في كتب التاريخ أن روحاً انهزمت في ساح المعركة، وكل الشواهد والقصص تخبرنا عن هزيمة الجبناء والمتخاذلين والخائفين الذين هزمهم العدو قبل بدء المعركة، وقصف أدمغتهم بالشائعات والحروب النفسية قبل أن تصل إليهم نيران الحرب وبارودها.
أقوى سلاح كشفه تاريخ الحروب هو الحرب النفسية التي تحطم الروح المعنوية وتزعزع الإيمان بالهدف المنشود والتشكيك في القيادات المسؤولة وبثّ الفرقة بين صفوف المجتمع وزرع اليأس وعدم الثقة وروح الاستسلام في النفس، وبالتّالي إضعاف الجبهة الداخلية لأيّ مجتمع وإحداث الثغرات فيه ليسهل القضاء عليه، فالمواجهة العسكرية تستطيع أن تُدمّر القوّات والمعدّات، والحرب الاقتصادية يمكن أن تحرم الدولة والشعب من المواد والموارد الحيوية، أمّا الحرب النفسية تُحقّق ما هو أخطر وأعمق أثراً، إنّها تُجرّد المقاتل من أثمن ما لديه: إرادته القتالية، وتستهدف في المقاتل أو المواطن عقله وتفكيره وقلبه وعواطفه لكي تُحطِّم روحه المعنوية وتقوده إلى الهزيمة بسهولة دون أن يقاتل أو حتى يقف في ميدان المعركة.
في اليمن لدينا تجربة ليست ببعيدة في محاولة قتل الروح القتالية ونتذكر جيداً أنه ومنذ الساعات الأولى لإعلان العدوان على اليمن تحت اسم "عاصفة الحزم" أغرقت وسائل إعلام العدوان شاشات التلفزيون والمواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي بأخبار عاجلة توحي بتقدم دول العدوان وانتصاراتها وإنجازاتها العسكرية التي ادعت خلالها القضاء على القدرات العسكرية لبلادنا وتدمير المطارات والقواعد العسكرية وتصفية قادة الجيش واللجان الشعبية وضرب معسكرات المجاهدين وتعزيزاتهم ونسف مقرات القيادة والسيطرة.
ومع المعرفة الكاملة لدول العدوان بأن ما تروجه وسائلها الإعلامية كاذب وغير صحيح، استمرت أياماً وأسابيع وشهورا وسنوات وهي تعيد الأكاذيب نفسها، في محاولة منها لقتل الروح القتالية لدى كل أفراد المجتمع وإقناعهم بالهزيمة والتسليم والاستسلام دون مقاومة أو مواجهة.
الوعي المجتمعي، ويقظة الإعلام الوطني تصدت لهذه الحرب ووفرت سياج حماية وتحصين لليمنيين، وأفشلت كل محاولات قتل الروح القتالية، وفضحت زيف الادعاءات الكاذبة والانتصارات المزعومة للعدو، وبقيت الروح تقاتل في مختلف الجبهات وشعارها "مع ربي جهادي"، وفي ذلك التوقيت الحساس ورغم كل المخاطر الأمنية حضرت مؤسسات الدولة بقوة، من خلال المتحدثين العسكريين والأمنيين والحكوميين، وعقدت المؤتمرات الصحفية للمتابعة والمواكبة وتقديم المعلومة والتفاصيل والأرقام والإحصاءات، وفرضت صنعاء سرديتها لحقيقة ما يجري وقضت على سردية العدو التي تلاشت وانتهت ولم يعد لها أي تأثير يذكر.
في الوقت ذاته كانت الروح القتالية تمشط الجبهات وتدحر قوات العدو، والشعب والسلطة على قلب رجل واحد في المعركة المصيرية التي انتصر فيها كل اليمنيين، حتى جاءت الهدنة، ودخلت اليمن بمرحلة اللاحرب واللاسلم، وهي المرحلة الأخطر في تاريخ اليمن وحذر كل العقلاء من مخاطر طول هذه الفترة التي يراهن العدو عليها، لإدراكه أن هذا التوقيت هو الأنسب "لخلخلة" الجبهة الداخلية وإحداث فجوة بين الشعب والدولة، بالإضافة الى احتمالية تمكنه من استقطاب وتجنيد عملاء له داخل مؤسسات الدولة دورهم إشعال النيران وقطع كل خطوط الاتصال بين المجتمع والسلطة، وصولاً إلى القطيعة الكاملة بين ثنائي الانتصار، من خلال ما كان يعرف سابقاً بـ"التصرفات الفردية". أما الآن فالفاعل مجهول ومحمي بحالة صمت رسمي كبير، و"الدعممة سيدة الموقف".
الروح التي لم يستطع العدو قتلها بالحرب النفسية والشائعات والتضليل الإعلامي منذ بدء العدوان على اليمن، وصمدت وقاتلت وانتصرت، هل ستصمد اليوم أمام سيل من الأحداث المتتالية التي أحدثت الشرخ بين الشعب والسلطة، لاسيما وأن الجانب الرسمي غائب تماماً عن توضيح أو شرح أو حتى تبرير ما يحدث؟! إلى متى ستستمر الدعممة الرسمية؟! وما هي النتائج الكارثية علينا جميعاً؟! وهل هذا ما أردناه أم ما يريده العدو وخطط له وينفذه باحترافية عالية؟!

أترك تعليقاً

التعليقات