المارينز الأمريكي وصراع الطاقة والجغرافيا في اليمن
- أنس القاضي الأحد , 28 أغـسـطـس , 2022 الساعة 8:03:07 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا -
تشهد السواحل اليمنية تحركات عدوانية محمومة من قبل البحرية الأمريكية، على طول الساحل اليمني في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، كانت محطتها الأخيرة -وغير النهائية- ظهور صور وفد عسكري أمريكي يلتقي بالسلطة المحلية في مديرية "بروم ميفع" في ساحل حضرموت المفتوحة على البحر العربي والمحيط الهندي وفي منطقة قريبة من جزر عبد الكوري وأرخبيل سقطرى.
تتزامن التحركات العسكرية الأمريكية بطابعها العدواني، مع أنشطة استعمارية أجنبية متعلقة بنهب النفط والغاز اليمنيين، ومع اقتتال فصائل المرتزقة على لعب دور حارس القطاعات النفطية، وهو ما يجري في شبوة وخط العبر باتجاه حضرموت، والتنافس أيضاً على سواحل أبين، بين "الانتقالي" و"الإخوان".
تتسق النزاعات المحلية بين المرتزقة والتحركات الإقليمية الأمريكية الخليجية الصهيونية، مع صراع أوسع بين روسيا والغرب يجري في أوكرانيا، فيما تداعياته عالمية ونتيجتها الأولى السباق على منابع النفط والغاز وطرق التجارة العالمية، ومنطقة الخليج واليمن هي إحدى هذه المناطق الاستراتيجية الهامة لمختلف أطراف الصراع، في هذا الإطار جاء بايدن إلى السعودية وجاء بوتين إلى إيران، وزار وفدنا الوطني موسكو.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استبقت الهدنة في اليمن بتشكيل تحالف بحري عدواني مهمته السيطرة على سواحل اليمن المحتلة من البحر الأحمر حتى خليج عدن، تحت شعار "حماية الطرق البحرية"، وضمن شعار "مكافحة الإرهاب"، وتتناغم مع هذه التحركات العدوانية الأمريكية تحركات طارق عفاش في الساحل الغربي، وتحركات الانتقالي في عدن وشرق اليمن.
عملياً، كل ساحل اليمن بات محتلاً إلا جزءا بسيطا من ساحل الحديدة المحاذي لمناطق الجيش واللجان الشعبية إلا أنه محاصر، وهذه السواحل هي ما تعطي اليمن الأهمية الاستراتيجية من الناحية الجغرافية، وهي في ذات الوقت (شبوة حضرموت الحديدة) تختزن ثروات نفطية، وهناك توجه لنزع هذا الموقع من اليمن، كما تم نزع إقليم إريتريا البحري من "جمهورية إثيوبيا الاشتراكية" سابقاً، وهي دولة ضخمة في القرن الإفريقي كانت مؤهلة لتكون مركزاً إقليمياً قوياً ولها موقف ضد الغرب والصهيونية إلا أنه تم استغلال الصراعات العرقية الداخلية وفصل شريطها الساحل في البحر الأحمر، وجعلها دولة محاصرة، بواسطة تحالف أمريكي إسرائيلي سعودي، مع مرتزقة محليين من إثيوبيا وإريتريا، وفي هذا النموذج نجح العدوان الأجنبي مع المرتزقة المحليين والانفصاليين في تحقيق الهدف الغربي الصهيوني وإريتريا اليوم مركز متقدم للكيان الصهيوني في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
من المهم في مواجهة هذه التحركات البحرية الاستعمارية استمرار العمل الوطني الثوري مع القوى والشخصيات الوطنية في هذه المناطق المحتلة، وتدعيم الجبهة الداخلية والاهتمام بوضع المناطق المحاذية لسيطرة العدو، وبناء نموذج اقتصادي وحكم عادل جذاب في المناطق الحرة.
في التجربة التاريخية كانت الحركة الوطنية في جنوب فيتنام هي من لعبت الدور الأبرز في تحرير الجنوب المحتل بالتحالف مع الشمال المستقل المقاوم حيث انتزعت جبهة التحرير في الجنوب مكانة سياسية وسيطرت على مناطق واسعة وكانت جزءا من مفاوضات الاستقلال إلى جانب شمال فيتنام والولايات المتحدة.
جزء من إخفاق تحرير جنوب كوريا يعود إلى مسارعة الولايات المتحدة إلى ضرب فرع حزب العمال في كوريا الجنوبية -الذي كان يخوض النضال من أجل الاستقلال- وتصفية القوى الوطنية وفرض نظام بوليسي معاد للشيوعيين مع إغراق كوريا بالاستثمارات الأجنبية وتغريب المجتمع بالثقافة الليبرالية وتشغيل الشعب الكوري في خدمة الاحتكارات الأجنبية ولايزال كذلك حتى اليوم، وإمكانية توحيد كوريا اليوم أشد صعوبة مما كانت عليه في الخمسينيات والستينيات برغم القوى العسكرية الشمالية فهي تفتقر إلى وجود حليف ثوري في المجتمع الجنوبي، كما أن واقع البؤس الاقتصادي في كوريا الشعبية (المحاصرة) يجعل المجتمع في الجنوب يحجم عن أي نشاط وطني وحدوي سلمي أو ثوري، وفي ما يلي التقرير كاملاً:
التحالف البحري الأمريكي في سواحل اليمن
في أبريل الماضي أعلنت البحرية الأمريكية تأسيس "قوة مهام جديدة"، مع دول "حليفة"، حُددت مهمتها "تعزيز الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن"، وبشكل أدق "التصدي لتهريب الأسلحة إلى اليمن"، وهي ذرائع لمطامع استعمارية وصهيونية أخطر، وقد سبق تشكيل هذا التحالف البحري العدواني تحركات ولقاءات للقيادات العسكرية الأمريكية الغربية الخليجية الصهيونية، كلقاءات رسمية مباشرة، ولقاءات على هوامش فعاليات أمنية جرت في الإمارات والرياض والدوحة.
بعدها بثلاثة أشهر -في منتصف يوليو الماضي- عقدت في مدينة جدة السعودية قمة أمريكية خليجية بالإضافة إلى العراق ومصر والأردن، كان اللافت فيها تأكيد الرئيس الأمريكي بايدن، أن بلاده ستبقى منخرطة بالكامل في "الشرق الأوسط" ولن تغادر ولن تترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران، كما شدد على استمرار ما اعتبره التزام الولايات المتحدة بحماية الملاحة الدولية وفي مقدمتها الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
في هذه القمة أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها لن تخوض حروباً جديدة (أي اجتياح عسكري كما في حالة فيتنام وأفغانستان والعراق)، كما صرح بايدن بدعمه للهدنة في اليمن وحث السعودية على التقدم في ملف السلام.
بدت التصريحات متناقضة ومتضاربة في ما بينها البين كتصريحات، ومقارنة التصريحات بواقع الانحسار الأمريكي من المنطقة الذي تجلى في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتسليم كابول في أغسطس من العام الماضي 2021، عقب سلسلة لقاءات مع طالبان في الدوحة.
مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة تنحسر من العالم العربي الإسلامي، إلا أن تواجدها العدواني الاستعماري في المحافظات اليمنية الجنوبية والبحر الأحمر، يظهر كما لو أنه يتعارض مع هذا التوجه العام الناتج عن أزمتها الهيكلية.
تنحسر الولايات المتحدة من المنطقة تدريجيا، إلا أن الأمر مختلف بالنسبة للخليج ولليمن، فمازالت الولايات المتحدة تشدد على سيطرتها على هذه المنطقة، لاعتبارات جيوسياسية واعتبارات متعلقة بالطاقة، تتضاعف هاتان الأهميتان في الوضع الراهن مع المواجهة بين روسيا والغرب في أوروبا، سواء على مستوى الطاقة الضرورية للصناعة الأوروبية والوقود اليومي، وكذلك على مستوى الأهمية الجيوسياسية للمنطقة التي تجعل من الولايات المتحدة والحلف الأطلسي من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية يتسابقون على المواقع الاستراتيجية في العالم ترقباً للمعركة المحتملة، تؤكد ذلك العقيدة الجديدة للبحرية الروسية التي اعتمدها الرئيس بوتين منتصف هذا الشهر.
إرث الوصاية الأمريكية في اليمن
لطالما كانت اليمن وخصوصاً منذ العام 2000م خاضعة للهيمنة الأمريكية عسكرياً وأمنياً تحت مظلة اتفاقيات مكافحة الإرهاب، وكان للولايات المتحدة قواعد عسكرية عدوانية ومكاتب ومراكز تجسس في صنعاء ولحج وعدن وغيرها من المحافظات، ووصولاً إلى الوقت الراهن مازالت الولايات المتحدة مهيمنة عسكرياً وأمنيا على اليمن، وإن كان مركز الهيمنة انتقل من الشمال إلى الجنوب والشرق والغرب الواقع تحت الاحتلال وسيطرة القوى العسكرية الموالية لتحالف العدوان.
مسألة السيطرة على البحر الأحمر، ومعه مضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب من ضمن المكاسب الأساسية التي كانت تريد الولايات المتحدة تحقيقها بواسطة العدوان على اليمن، فإذا كانت الولايات المتحدة قد سلمت أن مناطق حكم المجلس السياسي خرجت من هيمنتها، فهي على الأقل تريد تثبيت وجودها في سواحل اليمن الاستراتيجية والقريبة من المواقع النفطية اليمنية وموانئ تصديره.
التحركات الراهنة
من مطلع هذا الشهر بدأت تحركات عدوانية أمريكية في المحافظات اليمنية الجنوبية وساحل البحر الأحمر، وهي ضمن الاستراتيجية العامة في السيطرة على المناطق الاستراتيجية والمنابع النفطية في منطقة الخليج واليمن، وكذلك في العراق وسوريا من أجل النفط أيضاً.
في 9 أغسطس أعلنت المملكة السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، عن مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين في محافظتي ينبع والخرج بالمملكة، في إطار العدوانية الأمريكية الصهيونية في البحر الأحمر، وتنسيق جهود البلدين، وجزء من تطمينات بايدن الأخيرة، لتنطلق هذه المناورات بعد أربعة أيام.
بالانسجام مع هذا الإيقاع العسكري أعلنت القوات التابعة للخائن طارق صالح في الساحل الغربي عن "تفكيك خلية تهريب بحري ثالثة"، وكثف إعلام طارق صالح الحديث عن الإيقاع بخلايا "إرهابية" وخلايا تهريب السلاح منسجماً مع التوجه الأمريكي.
شبوة
في 20 أغسطس أظهر تقرير صادر عن الحكومة العميلة في عدن أن عائدات اليمن من صادرات النفط الخام والغاز سجلت خلال النصف الأول من العام الجاري ارتفاعا بمقدار 187.6 مليون دولار وبنسبة 34% لتصل إلى 739.3 مليون دولار مقارنة مع 551.7 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام السابق.
ورغم أن الأرقام الحقيقية أكبر من هذا إلا أن هذا الخبر متعلق بهذه التحركات العدوانية الأمريكية بما فيها وصول وفد عسكري إلى حضرموت مديرية "بروم ميفع" والصراع بين "الانتقالي" والإخوان على نفط شبوة وحضرموت، وشبوة خصوصاً في ما يتعلق بالاحتياجات الأوروبية إلى الغاز، فمحطة بلحاف الغازية الاستراتيجية ذات القدرة العالية على التصدير وقد أنشئت أصلاً بهدف التصدير لا تلبية الاحتياج المحلي، وتُعد شركة "توتال" الفرنسية وشريكتها شركة "هنت" الأمريكية الناهب الأول لغاز اليمن من بلحاف.
وبناءً على ذلك فلم يكن مستغرباً تأييد كل من فرنسا والولايات المتحدة لسيطرة "الانتقالي" على عاصمة شبوة في مواجهة الإخوان، وإن كانت صيغة التأييد مباركة قرارات العليمي في شأن أحداث شبوة، دون ذكر "الانتقالي" بصفة مباشرة.
في وقت لاحق في الـ21 من هذا الشهر، عقب سيطرة "الانتقالي" على قطاع العقلة النفطي بساعات وصل محافظ شبوة المعين من قبل الإمارات عوض الوزير إلى القطاع النفطي.
حضرموت
سبقت التحركات العسكرية العدوانية الأمريكية الراهنة، زيارات لسفراء أمريكيين ودبلوماسيين غربيين، منها زيارة السفير الأمريكي لدى اليمن المعين مؤخراً ستيفن فاجن الذي دشن عمله في اليمن بزيارة حضرموت أواخر يونيو الماضي.
تمثل حضرموت أهمية خاصة للولايات المتحدة باعتبار موقعها الجغرافي في بحر العرب المفتوح على المحيط الهندي واعتبار ما تختزنه من النفط، وعملياً تملك الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة عسكرية استعمارية في مطار الريان بمحافظة حضرموت إلى جانب قوات غازية أخرى بريطانية وإماراتية وربما صهيونية أيضاً، وكذلك قاعدة عسكرية مشتركة للغزاة في مطار الغيضة في محافظة المهرة.
تجول الأمريكيين بمعداتهم وأسلحتهم في حضرموت ليست المرة الأولى، ففي أكتوبر من العام الماضي انتشرت قوات الغزو الأمريكية المتواجدة في مطار الريان في مدينة المكلا بمدرّعات وكلاب بوليسية وسيارات لوجستية، وفي خصوص هذه الجولة الجديدة فمن المحتمل أن الأمريكيين يدرسون إمكان بناء قاعدة عسكرية استعمارية في سواحل "بروم ميفع" لتعزيز وجودهم الاستعماري في البحر العربي.
الأسطول الأمريكي
عقب هذه التحركات الاستعمارية في حضرموت، وتأكيداً على سياساتها العدوانية الاستعمارية تجاه بلادنا، كشف قائد الأسطول الأمريكي الخامس تشارلز برادفورد كوبر في حوار مطول مع صحيفة الأيام البحرينية أن بلاده ستزيد من تركيزها على ما تسميه "ضمان الأمن البحري، واستقرار الملاحة في البحر الأحمر عبر باب المندب وخليج عدن".
وقال تشارلز: نريد تركيزا إضافيا على هذه المنطقة بالتحديد. وأوضح: لقد رأينا ما حدث عندما جنحت سفينة واحدة في قناة السويس لمدة أسبوع، ولنا أن نتخيل تأثيرات حدوث أي أمر مزعزع للملاحة في البحر الأحمر، لذلك أنشأنا قوة الواجب المشتركة الجديدة للتركيز على هذا الجانب وهذه هي أول قوة واجب مشتركة يتم إنشاؤها منذ 13 عاماً وتعنى بمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن، وتقودها حالياً الولايات المتحدة.
وكشف كوبر أن قواته تستعد لنشر أحدث أسطول طائرات دون طيار لضمان الأمن البحري الإقليمي في المنطقة. وفي سياق متصل "حذرت" الولايات المتحدة الأمريكية من اضطراب حركة الشحن العالمي والأنشطة الاقتصادية في البحر الأحمر جراء بقاء الناقلة "صافر".
ومختلف هذه التصريحات والأنشطة العلنية تُظهر الاهتمام العدواني الأمريكي بسواحل اليمن وثرواتها، وهو ما يعني أن معركة مؤجلة ستخاض يوماً في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب لتستعيد الجمهورية اليمنية سيادتها على الشريط الساحلي والجزر من بريم حتى أرخبيل سقطرى.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي