اليمن وأطماع الخارج (2 - 2)
- أنس القاضي السبت , 7 ديـسـمـبـر , 2019 الساعة 6:34:54 PM
- 0 تعليقات
عرض/ أنس القاضي / لا ميديا -
صراع حاشد وبكيل
وجدير بالذكر أن القنصلية الأمريكية في 12 سبتمبر 1928 رفعت تقريراً عن الصلح الذي رعاه الإمام بين قبيلتي حاشد وبكيل، وجاءت في الوثيقة باسم "بكير"، ومؤخراً تحدث أحد الأفلام الأمريكية عن تدخل القوات الأمريكية في وقف الحرب بين حاشد وبكيل، ورعاية صلح بينهما.
لم يقم المترجم والمعد للكتاب بتقسيمه إلى أبواب، وإنما عمل على ترتيب الوثائق زمنياً، بداية بتقرير السفير البريطاني في الجزيرة العربية عن سقوط صنعاء في أيدي الثوار بقيادة الإمام، عام 1905م، وينتهي الكتاب بوثيقة القنصلية الأمريكية في عدن التي تتحدث عن انتهاء تمرد الزرانيق 1929م، وقد أبدت القنصلية الأمريكية في عدن اهتماماً خاصاً في متابعة أحداث تمرد الزرانيق بدعم بريطانيا آنذاك ضد حكومة الإمام يحيى، حيث رفعت القنصلية الأمريكية 11 تقريراً عن هذه المسألة تابعت فيها الأحداث بشكل دقيق، جامعة بين الخبر والتحليل معاً.
من أبرز الوثائق في هذا الكتاب:
وثيقة بريطانية بتاريخ 20 مايو 1905م حول استيلاء قوات الإمام على صنعاء، وإخلائها من جانب القوات التركية والسلطات المدنية التركية.
وثيقة بريطانية بتاريخ 25 مايو 1905م عن "الأوضاع في شبه الجزيرة العربية"، وهي مذكرة خاصة عن الأوضاع في المقاطعة التركية في اليمن، وفيها مرفق صادر من الأركان العامة لوزارة الحرب البريطانية يتكون من 13 فقرة عن الثورة في اليمن ضد السلطات التركية، الموصومة بالتمرد كما جاء في الوثيقة التي تؤكد في فقرتها الأولى أن التمرد (الثورة) قد وصل إلى مرحلة حادة وأنه حدث تجاوز المحلية من حيث الأهمية، وأصبح خطيراً على العثمانيين، كما أشارت الوثيقة إلى خطورة امتداد التمرد الذي وصل عسير وإلى مكة والمدينة، وإعلان الإمام نفسه خليفة للمسلمين ومعارضة السلطان العثماني، وتهديدات ذلك على المركز الديني العثماني باعتبار الإمام من سلالة النبي محمد أكثر بكثير من السلطان العثماني.
الإمام يوسط بريطانيا واشتداد المقاومة للعثمانيين
وثيقة بريطانية بتاريخ 14 سبتمبر 1905م يطلب الإمام فيها توسط السلك الدبلوماسي البريطاني في إيصال رسالته إلى السلطان العثماني، حيث شك الإمام في أن الرسائل التي بعثها إلى السلطان العثماني عن ظُلم إدارته في اليمن وعن التفاف الناس حول الإمام للثورة ضد الظلم، شك أن هذه الرسائل لا تصل.
وقد سببت هذه الرسالة حرجاً كبيراً للإدارة الاستعمارية البريطانية في عدن التابعة للهند البريطانية، حيث كانت الشائعات الدولية آنذاك تقول بأن هناك دعماً بريطانياً للثورة ضد العثمانيين في الجزيرة العربية، ومثل هذه الرسالة إذا وصلت إلى السلطنة العثمانية عن طريق بريطانيا ستؤكد مثل هذه الإشاعات، وتسبب الخلاف بين الإمبراطوريتين. والحرج الآخر هو أن الذي يبعث بالرسالة يُعتبر متمرداً من وجهة النظر البريطانية والعثمانية في آن، وفيما إذا لم يتم إرسال الرسالة ولا الرد عليها، فكان يخشى البريطانيون أن يعتبر ذلك إهانة للإمام، ويخشون من وجود شعبية له في القبائل المجاورة للسلطنات الموالية لبريطانيا، هذه الوثيقة هامة في قراءة البعد الدبلوماسي لدى الإمام الذي كان آنذاك غير معترف به، ومحاولة توسيط بريطانيا والاعتراف بها كأمر واقع، وكيف تحول خطاب الإمام من الوجود البريطاني بعد أن أصبح الإمام قيادة شرعية في البلاد، كما تكشف الرسالة الصادرة عن الإمام الأبعاد الاجتماعية التي دفعت إلى الثورة من الظلم والقهر والاستغلال التركي"وعدم مبالاتهم للشريعة الإسلامية والحقوق المدنية والإنسانية"، ثم تطورت الثورة الى تحرير وطني مع ازدياد الطغيان العثماني وقمع الثورة وطلب الإسناد العسكري من الحاميات العثمانية المجاورة، حتى ظهر الطابع الاحتلالي بشكل وقح في فرض سلطة تركية مع رفض الشعب لها، والذي كان متقبلاً لها سابقا لتسترها بالدين والأخوة الإسلامية، وأخذ السلطنة العثمانية على عاتقها مواجهة الاستعمار الغربي الصليبي.
ومن هذه الوثائق الهامة المنشورة في الكتاب والمتعلقة بالصراع مع الأتراك، وثيقة بريطانية في 8 سبتمبر 1906م عن عودة اللجنة التي أرسلها شريف مكة إلى الإمام، والتي ذهبت للقاء الإمام بدون عقد أي لقاءات مع المسؤولين العثمانيين في اليمن، بهدف تشجيع الإمام على التوصل لتسوية مع الأتراك والتخلي عن النهج الثوري وتسليم مخازن السلاح للأتراك، وهوَ ما لم يحدث في نهاية الأمر.
بريطانيا تسلم مدينة الحديدة للإدريسي
وثيقة صادرة عن القنصلية الأمريكية في عدن بتاريخ 11 أغسطس 1921، تبلغ الخارجية الأمريكية بأن ميناء الحديدة الذي كان حتى ما قبل 3 أشهر تحت سيطرة البريطانيين، تم تسليمه للإدريسي اعترافاً بالعون الذي قدمه في تأمين إطلاق سراح البعثة البريطانية التي اعتقلها الإمام عام 1918م. وجاء في الوثيقة إعطاء البريطانيين كامل الصلاحيات للإدريسي حكاكم لمدينة الحديدة، وتم إصدار إعلان رسمي بذلك لإطلاع السكان، وتحدثت الوثيقة عن حرب وشيكة يحضر لها الإمام لاستعادة المدينة من الإدريسي وعن مناطق حاميات الإمام القريبة منها.
الأطماع الأمريكية في ثروات اليمن
وتشير الوثائق إلى الأطماع الأمريكية في ثروات اليمن، وفي الحصول على موطئ قدم جنوب الجزيرة العربية، ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية حتى ذلك الحين في عهد الإمام يحيى حميد الدين، لم تكن تُعرف كدولة استعمارية كما هو عليه الحال بريطانيا أو فرنسا الدولتان الاستعماريتان العريقتان، وينطبق على ألمانيا الوضع ذاته، أما الجوهر الامبريالي للولايات المتحدة الأمريكية فقد كان خفياً إلا على أصحاب الفكر العلمي، ومنهم القائد الوطني عبدالله عبدالرزاق باذيب، الذي حذر في خمسينيات القرن الماضي من خطر الاستعمار الأمريكي وتهديده لاستقلال اليمن في عهد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين.
أولى الوثائق الأمريكية التي تتحدث عن الثروات اليمنية صدرت من القنصلية الأمريكية في عدن في 15 سبتمبر 1922م، وتتحدث عن احتمالات وجود حقول نفطية في البحر الأحمر، وكذلك في مناطق عسير واليمن، وجزر فرسان وكمران، وتحدث التقرير عما كانت تقوم به بريطانيا آنذاك في دعم القوى المحلية في هذه المناطق من أجل تأمين مستقبلها مع ظهور هذه الثروات، ويُذكر بأن مدينة الحديدة كانت آنذاك محتلة من قبل بريطانيا.
ويختتم القنصل الأمريكي القول بأنه "نظراً للأهمية غير المحدودة لإقامة السيطرة الأمريكية على حقول النفط في العالم، حيث إن الكثير منها قد تم الاستيلاء عليها من قبل الغير، فإن هذا التقرير تتم كتابته في ظل فكرة أن هذه المعلومات السطحية إلى حد ما في ما يتعلق بآفاق النفط في منطقة البحر الأحمر التجارية، قد تكون ذات أهمية كافية لبعض الشركات النفطية في الولايات المتحدة الأمريكية بحيث تبرر إرسال مهندس بهدوء للبحث في الآفاق المحتملة.
وفي المجال الاقتصادي، شمل الكتاب وثائق عن نظام أساسي لتأسيس شركة دراسة اليمن، وهي شركة فرنسية، ووثيقتين عن عرض شركة أمريكية للتنقيب عن الملح في الصليف، وفشل ذلك العرض، كما تضمن وثيقة عن صفقة الطائرات الألمانية، وخفايا قصة قطار عدن لحج، وتقريراً مفصلاً يرشح اليمن لتكون مستعمرة رائعة لفرنسا. واتفاقية خطوط ماريتيما البحرية وإمام اليمن، واستكشاف شيروا لليمن (يناير ـ مايو 1922) الاستكشاف الأول، ثم الاستكشاف عن البترول، والاستكشاف عن المعادن تحت التربة.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي