أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
يناقش هذا التقرير احتمالات تصاعد الصراع في المنطقة، وخاصة بين الكيان الصهيوني وجمهورية إيران الإسلامية، مع تداعيات على دول المنطقة، بما فيها اليمن. وتتلخص أبرز النتائج في:
من المتوقع أن يكون هناك رد "إسرائيلي" على إيران في محاولة لإضعاف النظام الإيراني. قد يشمل ذلك التصعيد الداخلي في إيران عبر عمليات داخلية تهدف إلى زعزعة استقرار النظام.
إذا نجح الكيان في إضعاف إيران، فإن الأهداف التالية المحتملة هي لبنان واليمن وسورية، التي قد تشهد تصاعداً في الأزمات الداخلية.
باعتبار اليمن طرفاً في "طوفان الأقصى" منذ البداية وجزءاً من الحرب الإقليمية الراهنة، بمشاركته البحرية واشتباكه مع تحالف "حارس الازدهار"، فإنه مرشح للتصعيد، لربما أكثر من سوريا والعراق.
رغم التردد الأمريكي في الانجرار إلى حرب شاملة، فإن الدعم العسكري والسياسي لـ"إسرائيل" سيظل مستمراً، وقد تتدخل واشنطن في حال تهديد مصالحها في المنطقة بشكل مباشر.
تعتبر دول الخليج، خاصة السعودية، حليفاً استراتيجياً لأمريكا في مواجهة إيران، وأي تصعيد كبير قد يؤدي إلى استهداف منشآت نفطية والممرات البحرية في الخليج، وكذلك القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة التي لن تكون في منأى عن الاستهداف.
ضمن التأثيرات الجيوسياسية، قد تلعب كل من الصين وروسيا دوراً في محاولة تهدئة الأمور؛ لكن إذا اندلعت حرب شاملة، قد تجد هذه القوى نفسها مضطرة لدعم إيران دفاعاً عن مصالحها في التعددية القطبية.
وفي كل الأحوال هناك احتمال ضئيل بأن القوى الدولية قد تسعى إلى حل دبلوماسي.

مستقبل الصراع في المنطقة
بناءً على المقالات والأبحاث الغربية المختلفة، حول مستقبل الصراع في منطقة "الشرق الأوسط"، يمكن استخلاص النتائج التالية:
مآلات الحرب بين "إسرائيل" وإيران تعتمد على عوامل متعددة، من ضمنها مدى التدخلات الدولية وتوازن القوى الإقليمية. إذا استمرت الأعمال العدائية في التصاعد، فقد تؤدي إلى تصعيد أكبر بين القوى الإقليمية وربما تدخل قوى كبرى. إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أن كلا الطرفين يحاولان تجنب الحرب الشاملة، مما يعني احتمال الوصول إلى تفاهمات غير رسمية لتجنب صراع مباشر.
العديد من التحليلات الغربية ترى أن النزاعات في "الشرق الأوسط" غالباً ما تنتهي بتسويات سياسية غير حاسمة. إن انتهاء الصراع بين إيران و"إسرائيل" قد يأتي بعد جولة من الضغوط الدبلوماسية، والتهديدات المتبادلة، ولكن دون تحقيق انتصار عسكري كامل لأي طرف، خاصة إذا تدخلت القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة أو روسيا للحد من التصعيد.
من المرجح أن ترد "إسرائيل" على هجوم إيراني بطريقة عسكرية، سواء عن طريق الضربات الجوية أو الهجمات السيبرانية، وكذلك دعم انقلابات داخلية ضد النظام الإيراني. قد يكون هذا التصعيد مدعوماً بعمليات "موساد" سرية لتعزيز الفوضى الداخلية في إيران، مما يؤدي إلى زعزعة النظام. هذا السيناريو -في حال نجح- قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير في النظام السياسي الإيراني، وربما صعود قوى موالية للغرب، مثل رضا بهلوي، ما سيغير طبيعة التحالفات الإقليمية. ومع ذلك، ستدرس "إسرائيل" بعناية حجم الرد لتجنب حرب شاملة. ويظل خيار استهداف النفط والمفاعلات النووية الإيرانية قائماً، إلا أنه غير مفضل بالنسبة لأمريكا، لأنه سيتيح لإيران الرد بالمثل.

امتداد الفوضى إلى اليمن
إذا نجحت خطة الصهاينة في إضعاف إيران داخلياً، فقد يتم تصدير الفوضى إلى لبنان واليمن. وقد يواجه حزب الله ضغوطاً داخلية تؤدي إلى حرب أهلية، وكذلك قد يتم تعزيز الصراعات الداخلية في اليمن وإعادة تحريك الحكومة العميلة.

ضمان أمريكا أمن الكيان
مبدئياً، الولايات المتحدة ضامنة لأمن الكيان، فالولايات المتحدة قد تدعم "إسرائيل" سياسياً ولوجستياً وعسكرياً، أياً كان من بدأ المعركة؛ لكنها قد تتجنب التدخل المباشر على الأرض، خاصة إذا كانت المواجهة محدودة وبإمكان "إسرائيل" تدبر الأمر لوحدها.
تدخل أمريكا المباشر قد يحدث إذا شعرت بأن مصالحها أو مصالح حلفائها مهددة بشكل كبير. ولكن إدارة بايدن حتى الآن تفضل استخدام القوة الدبلوماسية والعقوبات.

روسيا والصين
روسيا والصين قد تلعبان دوراً حاسماً في منع الحرب من التوسع؛ فالحرب العالمية ليست مصلحة لهما. وواقعياً لم يصل التناقض الشرقي الغربي إلى درجة رغبة كل طرف في تدمير الآخر من أجل الدفاع عن وجوده. روسيا باعتبارها حليفاً لإيران، قد تضغط لمنع تصعيد الأمور، في حين أن الصين تعتمد بشكل كبير على استقرار المنطقة لتأمين إمدادات الطاقة. أما إذا اشتعلت حرب شاملة، فقد تدعم الدولتان إيران سياسياً واقتصادياً؛ لكنهما ستحاولان تجنب التصعيد العسكري المباشر.
ولكن في حال باتت الحرب واقعاً وتدخل الولايات المتحدة والناتو، فستضطر روسيا والصين للانخراط في دعم إيران ومحور المقاومة، دفاعاً عن التعدد القطبي الناشئ، وخشية أن تكسب الولايات المتحدة المعركة وتعيد المنطقة إلى زمن الهيمنة الأمريكية.

الدور الأمريكي المتزايد في المنطقة
رغم وعود إدارة بايدن بتقليل التوترات في "الشرق الأوسط"، فإن الأحداث الأخيرة تشير إلى زيادة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. نشر نظام "ثاد" الصاروخي والدعم المستمر لـ"إسرائيل" ضد إيران والمقاومة، يعزز إمكانية انخراط الولايات المتحدة بشكل أعمق في الصراع.
الولايات المتحدة ستكون لاعباً رئيسياً في أي تصعيد؛ ولكنها قد تكون مترددة في الانجرار إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، نظراً لتوجهاتها نحو التركيز على التهديدات الكبرى، مثل الصين. واشنطن قد تدعم "إسرائيل" سراً في بعض التحركات ضد إيران؛ لكنها ستحاول تجنب الانزلاق إلى مواجهة مباشرة شاملة.

أهمية السعودية كحليف استراتيجي لأمريكا
صفقات الأسلحة الأخيرة منذ بداية الطوفان 2023م بين الولايات المتحدة والسعودية تُظهر دور المملكة كحليف رئيسي في مواجهة النفوذ الإيراني. هذا الأمر يعكس السياسة الأمريكية في دعم القوى الإقليمية لضمان التوازن في مواجهة إيران. لكن ذلك يحمل في طياته مخاطر سحب الولايات المتحدة إلى صراعات أخرى مرتبطة بالسعودية.

التأثيرات المحتملة لسيناريو الحرب الشاملة
الحرب الشاملة تعني صراعاً يمتد ليشمل أكثر من جبهة وأكثر من طرف، مع استهداف منشآت مدنية وعسكرية على نطاق واسع. في حالة اندلاع حرب شاملة بين إيران و"إسرائيل"، قد يمتد الصراع إلى الخليج واليمن، وقد يشمل استهداف منشآت النفط والملاحة البحرية، بما في ذلك مضيقا هرمز وباب المندب.
التصعيد الحالي بين "إسرائيل" وإيران ينذر بخطر اندلاع حرب شاملة، وهو ما يشكل تهديداً كبيراً للمنطقة بأكملها. فـ"إسرائيل" وإيران، رغم تبادل الضربات المباشرة، وعبر الحلفاء طوال الفترة الماضية، حافظتا على نوع من التناسب، فيما باتتا الآن على شفا مواجهة مباشرة، وهو ما قد يؤدي إلى توسيع رقعة المواجهات في المنطقة عموماً، ويحمل معه جملة من التأثيرات على دول المنطقة.
دول الخليج: أشد ما تخشاه دول الخليج أن تتحول جغرافيتها إلى ميدان صراع، وأجواؤها كذلك، لتوسطها المنطقة بين إيران والكيان، وتواجد المصالح الأمريكية (العسكرية والمدنية) فيها، فهذا أشد ما تخشاه، وهو متوقع إذا اتسعت رقعة الحرب. بالإضافة إلى احتمال أن يتم استهداف ممرات ومنشآت النفط في الخليج. وفي حال باتت الحرب واقعاً فقد تجد نفسها مضطرة لتنسيق ردود فعلها مع الولايات المتحدة لمواجهة هذا التهديد، مما يعقد الوضع الأمني.
اليمن: صنعاء حليف رئيس لإيران وطرف مباشر في "طوفان الأقصى". وأول التأثيرات عليه هي المتعلقة بملف السلام، الذي سيُطوى، وتبرز مخاطر عودة الحرب إلى الجبهات الداخلية، وعودة الحصار، وزعزعة الوضع الداخلي اجتماعيا وسياسياً.
وهناك تلميحات للمرتزقة باستعدادهم لاستئناف القتال ضد صنعاء، ولقاءات وأنشطة عسكرية طوال هذا الشهر وشهر أيلول/ سبتمبر الماضي من تخرج دفعات عسكرية ولقاءات مع الملحقيات العسكرية الغربية وتبادل زيارات بين قوات الحكومة العميلة مع تحالف العدوان.

السيناريوهات بحسب التقديرات الغربية
بناءً على التحليلات المختلفة السالفة الذكر، يمكن تحديد السيناريوهات الرئيسية التي تتفق عليها هذه التحليلات ونقاط الاختلاف على النحو التالي:

السيناريوهات الرئيسية المتفق عليها:تصعيد محتمل بين "إسرائيل" وإيران
معظم التحليلات تتفق على أن الصراع بين "إسرائيل" وإيران يتجه نحو تصعيد أكبر، سواء من خلال ضربات عسكرية "إسرائيلية" محددة ضد المنشآت الإيرانية، أو عبر هجمات إيرانية من خلال فصائل محور المقاومة.

التورط الأمريكي:
الولايات المتحدة ستكون لاعباً رئيسياً في أي تصعيد، سواء من خلال الدعم السياسي والعسكري لـ"إسرائيل"، أو عبر محاولات التهدئة. رغم رغبتها في تقليص وجودها العسكري في المنطقة، فإن التدخل الأمريكي سيظل حاضراً لتأمين المصالح الأمريكية وحلفائها.

خطر الحرب الشاملة:
كل التحليلات ترى أن هناك خطراً كبيراً من اندلاع حرب شاملة في حال استمرار التصعيد، مع احتمال امتداد الصراع إلى دول الجوار، كلبنان والعراق واليمن، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي.

التأثير على دول الخليج:
التحليلات تتفق على أن دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، ستكون في وضع حساس، حيث قد تتعرض منشآتها النفطية وممراتها البحرية لتهديدات إذا اشتعل الصراع بين "إسرائيل" وإيران.

التحديات الداخلية في إيران و"إسرائيل":
هناك توافق على أن التصعيد سيزيد الضغوط الداخلية في إيران وفي كيان الاحتلال، سواء من خلال الأزمات الاقتصادية في إيران أو الانقسامات السياسية في "إسرائيل" حول كيفية التعامل مع التصعيد.

نقاط الاختلاف
احتمالية انهيار النظام الإيراني:
بعض التحليلات تشير إلى إمكانية انهيار النظام الإيراني نتيجة الضغوط الداخلية والاقتصادية المتزايدة مع التصعيد، بينما أخرى ترى أن النظام قادر على الصمود واستخدام الصراع لتعزيز نفوذه داخلياً.

دور روسيا والصين:
بعض التحليلات ترى أن روسيا والصين قد تلعبان دوراً نشطاً في منع التصعيد الإقليمي، في حين أن أخرى تعتبر أن دورهما سيكون محدوداً وسيقتصر على الدعم السياسي والاقتصادي دون تدخل عسكري مباشر، وهناك من يرى انخراطهما العسكري دفاعاَ عن التعدد القطبي.

تأثير الفوضى على دول مثل لبنان واليمن:
هناك اختلاف في مدى الفوضى المتوقعة في دول حليفة لإيران، مثل لبنان واليمن. بعض التحليلات ترى أن تلك الدول قد تشهد انهياراً داخلياً أو تصعيداً في الصراعات الأهلية، بينما أخرى ترى أن الصراع سيظل محدوداً ولن يؤدي إلى انهيار شامل.

التحول إلى حل سلمي:
رغم التصعيد المتوقع، هناك دائماً احتمال أن تدفع القوى الدولية الكبرى باتجاه حل دبلوماسي لتجنب حرب مدمرة. قد يشمل هذا الضغط على "إسرائيل" وإيران للوصول إلى تسوية محدودة أو عقد صفقات لخفض التوترات في بعض الجبهات. لكنه يظل الأضعف حالياً مقارنة بمستوى التصعيد الراهن الذي هو في أعلى المستويات.
مؤخراً كان هناك حراك ثلاثي مصري سعودي إيراني، في هذا المسار، أو على الأقل من أجل تخفيف تداعيات الصراع إذا انفجر، وتجنيب المنطقة ما أمكن من تداعياته.

الخلاصة:
تتفق السيناريوهات على أن المستقبل القريب يحمل تصعيداً محتملاً في الصراع بين الكيان وجمهورية إيران، مع تدخلات أمريكية ودولية، وتداعيات كبيرة على المنطقة. الاختلاف يكمن في مدى تصاعد الصراع، واحتمال حدوث تغييرات داخلية في إيران و"إسرائيل"، ودور القوى الكبرى مثل روسيا والصين. وفي كل الأحوال فإن اليمن طرف في الصراع منذ البداية وتأثر به، وسيتأثر بأي تصعيد قادم، مهما كان مستواه، ما يعني ضرورة الإعداد لهذه المرحلة.

أترك تعليقاً

التعليقات