استيلاء الجيش اليمني على نجران
- أنس القاضي الأحد , 7 يـولـيـو , 2019 الساعة 7:14:33 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا -
منح وجود الأدارسة في المملكة المتوكلية اليمنية، الإمام يحيى حميد الدين , قوة إضافية للذهاب في حركة التوحيد اليمنية نحو استعادة المخلاف السُّليماني (نجران وجيزان وعسير)، فبعد أن استولى بنو سعود بالقوة والخداع على إمارة الإدريسي عام 1923، انتقل الأدارسة إلى صف الدولة اليمنية، وقد شجع الأدارسة الإمام يحيى على اتخاذ موقف أكثر فعالية وقوة ضد ابن سعود، وأكدوا له أن عسيراً سوف تستقبل جيش التحرير والتوحيد اليمني بالترحاب والتحية، ووعد الأدارسة الإمام يحيى بأن أنصارهم هناك سوف يؤيدون الجيش اليمني، ويعلنون تضامنهم معه، في مواجهة ابن سعود والقبائل الموالية له..
وذلك بعد أن قام عبدالعزيز بن سعود بخداع محمد الإدريسي الذي لجأ إليه هرباً من الإمام يحيى، فوقع في شرك الاحتلال الأجنبي. ويكاد الفعل اليمني يتكرر مع المرتزقة في العصر الراهن الذين هربوا من "انقلاب" صنعاء إلى "ديمقراطية" الرياض، لتقع حضرموت وسقطرى وعدن تحت الاحتلال السعودي ـ الإماراتي.
كان ابن سعود يعلم جيداً المساعي اليمنية الى تحرير الأراضي اليمنية في المخلاف السليماني، وتوحيد الأراضي اليمنية التاريخية، وقد بدأ الملك السعودي مسنوداً بالسلطات الاستعمارية الإنجليزية في عدن، في تدبير المؤامرات داخل المملكة اليمنية، فأوعز ابن سعود إلى محاربين قبليين من نجران بأن يلتحقوا بالتمرد الذي بدأ في قبيلتهم الأم، بكيل، إلا أن الجيش الشعبي اليمني الذي كان تحت قيادة الأمير أحمد حميد الدين، استطاع القضاء على هذا التمرد الخطير في مارس 1933م، وقد حالَ ذلك دون نشوب تمردات أخرى ضد الدولة اليمنية.
وقد فشلت كل المحاولات التي قامت بها الدولة السعودية بعد احتلال عسير السراة من أجل الاستيلاء على نجران، وقد دُحرت كُل الحملات التي أرسلها الملك الوهابي ضد الياميين منذ 1920 حتى 1932.
أدرك ابن سعود أن حاكم صنعاء قد أعد نفسه من أجل بسط السيادة اليمنية على نجران، ولهذا آثر ابن سعود التفاوض مع صنعاء، بغية اكتساب الوقت، ولهذا الغرض أرسل ابن سعود وفداً إلى صنعاء في مايو 1933، مكوناً من "خالد أبو الوليد القرقافي"، والشيخ "حمد السليمان"، و"تركي بن ماضي"، و"محمد حابس". لكن الإمام يحيى أراد وضع ابن سعود أمام الأمر الواقع، قبل وصول وفده إلى صنعاء، فأعطى الأمر للجيش اليمني بالزحف على نجران في شهر مايو 1933.
وعندما وصل الوفد السعودي المتجه إلى صنعاء إلى الحدود الشمالية للمملكة المتوكلية اليمنية، قُربَ ميدي، كان الجيش اليمني قد بدأ بالفعل عملية تحرير نجران، ورفع راية الوحدة اليمنية.
أرسل الأمير أحمد قوتين عسكريتين من بكيل وصعدة لتقوية مواقع جيش التوحيد اليمني، إحداهما تقدمت في اتجاه الشمال الشرقي بقيادة السيد "إسماعيل بن الحسن المداني"، والأُخرى نحو الشمال برئاسة "الأمير الحسن"، وبعد قتال شرس مع محاربي قبائل نجران الموالين لابن سعود، استولى جيش التوحيد اليمني على الجزء الجنوبي من إقليم نجران، بما في ذلك جبل رعام، ومناطق زور وادعة، والمفجة، والخدن، والحبونة.
لم يرد ابن سعود أن يتخذ إجراء مباشراً ضد طلائع جيش التوحيد اليمني، حيث إن وفده كان مايزال يجري الحوار في صنعاء، وكان ابن سعود يأمل أن ينهي المسألة عبر المفاوضات السياسية، فيما كان من مصلحة الحكومة اليمنية تطويل المفاوضات حتى يستكمل الجيش اليمني عملية الاستيلاء على نجران وفرض السيادة اليمنية عليها، فكلف الإمام يحيى مفاوضين بالنيابة عنه هما القاضي "عبد الله العمري"، و"عبد الكريم مطهر".
كان التناقض التام هو حاكم سير المفاوضات التي جرت في صنعاء، فقد شدد الوفد السعودي على ضرورة تخطيط الحدود بين البلدين على أساس اتفاقية "عرو" المعقودة في 15/12/1931، وطبقاً لها ينبغي أن يتبع كل من عسير ونجران المملكة السعودية، كما ينبغي نقل مقر الإدريسي إلى مكان آخر بعيد عن حدود عسير، لأنه يعمل من هناك على التحريض ضد ابن سعود.
وقد كان رأي الجانب اليمني أن اتفاقية "عرو" معاهدة مؤقتة لم تشمل تخطيط الحدود، وطالب المفاوض اليمني بإعادة عسير تهامة التي كانت تابعة للأدارسة إلى الوطن اليمني، نظراً لانتهاء حجج ابن سعود التي كان دائماً يرددها من أن الأدارسة تحت حمايته، كما شدد الجانب اليمني على أن نجران جزء لا يتجزأ من الأراضي اليمنية.
وفي هذه الأثناء جرت معارك شرسة بين جيش التوحيد اليمني وبين محاربي القبائل في نجران الموالين لبني سعود، الذي قدم لهم خفية مساعدات عسكرية بريطانية، مما مكنهم من الدفاع طويلاً عن مواقعهم وإعاقة تقدم الجيش اليمني.
وفي أغسطس 1933 أرسل آمر الحملة اليمنية أحمد حميد الدين من مركزه في صعدة، نجدة سريعة إلى نجران، وبذلك أتيح لجيش التوحيد اليمني كسر مقاومة محاربي نجران الموالين لابن سعود، والاستيلاء على منطقة نجران كلها، إلى أقصى حدودها الشمالية، بما في ذلك عاصمتها بدر، حينئذ تقدم القائد الأعلى للفصائل اليمنية السيف أحمد نحو نجران، ودخلها دخول الظافرين، وكان الاستيلاء على نجران واحداً من أعظم الإنجازات الوطنية التي حققتها حركة التوحيد اليمنية، وأخطر الضربات التي وجهها جيش التوحيد اليمني ضد مطامع ابن سعود التوسعية في اليمن عموماً، وفي نجران خصوصاً.
وعلى الرغم من انسحاب القوات اليمنية من نجران لاحقاً باتفاقية مؤقتة (اتفاقية الطائف) استدعتها ظروف تطويق استعمارية وتوسعية بريطانية وسعودية، إلا أن تجربة استعادة الجيش اليمني نجران بالغة الأهمية وشاهد تاريخي على أن استعادة الأقاليم اليمنية المحتلة مثلت هدفاً استراتيجياً للشعب اليمني وحقاً تاريخياً.
في ما مضى كان ضعف موقف الإمام يحيى ينبع من واقع أنه كانت تحكم علاقاته بأهالي نجران تناقضات تاريخية وسياسية ودينية تكمن أسبابها العميقة في صراعات الماضي الدموية بين طائفة الزيدية بزعامة الأئمة، وبين الطائفة الإسماعيلية بزعامة الدعاة المكارمة، وبين الأشعرية الصوفية بزعامة الإدريسيين. والإمام يحيى نفسه لم يخضع مكارمة حراز غرب صنعاء، بعد وصوله إلى السلطة في صنعاء عام 1918، إلا بالقوة، وأجاز بفعل عامل التعصب الموروث هذا بين "الطوائف المتخاصمة" مصادرة أملاك وأراضي الإسماعيليين، وهو ما كان إسماعيليو نجران يخشون من حدوثه، فيما لو تمكن الإمام يحيى حميد الدين من إلحاق نجران بالمملكة المتوكلية اليمنية، وما جعلهم من ثم غير مستعدين للتعاطف مع حركة التوحيد اليمنية، طالما وهي بقيادة الإمام يحيى حميد الدين.
وتتوافر اليوم ظروف أكثر مواتاة لعملية التوحيد اليمنية مما كانت عليه في السابق، فالتناقض المذهبي الذي كان سائداً آنذاك كان يُعيق عملية التوحيد اليمنية، فيما اليوم ليس هناك تناقض مذهبي أو طائفي بين اليمن أو أنصار الله وأهالي نجران، بل إن الظلامية الوهابية والغطرسة السعودية وتراجع بني سعود عن الاتفاقيات مع قبائل المخلاف السليماني اليمني يمثل عامل توحيد وتقريب بين اليمن ونجران، كما أن فكر أنصار الله أكثر قرباً من فكر أهالي نجران، ولا يحمل أنصار الله تركة الصراعات التاريخية التي اتخذت طابعاً مذهبياً إبان الصراع والتنافس بين الحلفاء والخصوم (الإمام يحيى حميد الدين والأمير محمد الإدريسي) وبين الأيديولوجيات الدينية المحفزة للصراع السياسي آنذاك التي تصادمت في ما مضى، وهي "الزيدية والإسماعيلية والأشعرية الصوفية". وكان تصادمها لا يعكس عدم وجود تعايش مذهبي في اليمن، بل يعكس تعدد التيارات السياسية التي برزت في اليمن كمشاريع سياسية لهذه الأقطاب التي توحدت في حرب التحرر اليمنية ضد الامبراطورية العثمانية.
المراجع:
د. محمد علي الشهاري، المطامع السعودية التوسعية في اليمن، دار ابن خلدون، الطبعة الأولى، 1979.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي