المآلات المحتملة لمعركة «طوفان الأقصى»
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
من منظور تاريخي، فإن عملية «طوفان الأقصى»، غير معهودة، في تاريخ الصراع العربي - الصهيوني، فهي المرة الأولى التي يتم فيها تحرير أرض من بعد عام 1973، وأخذ أسرى، واجتياح «مستوطنات»، وأخذ رهائن مدنيين، والتمويه على الاستخبارات المعادية، والصمود في مناطق محررة، واستبدال القوات وإيصال المدد إليها.
تستمر العملية العسكرية لليوم الرابع على التوالي، مع انفتاح جزئي وغير دائم لجبهة شمال كيان الاحتلال من مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، بعمليتين لحزب الله وعملية لسرايا القدس.
المعارك الميدانية تدفع نحو احتمالات جديدة؛ إذ إن تطورات الأحداث تعززها، وهي كالآتي:
• قيام دولة الاحتلال بعملية عسكرية برية لاجتياح قطاع غزة.
• تدخل الولايات المتحدة في الصراع إلى جانب كيان الاحتلال.
• تحول «طوفان الأقصى» إلى حرب إقليمية.
• الضغط الدولي للوصول إلى التهدئة، وهذا السيناريو الأضعف حالياً.
كل هذه الاحتمالات تبدو واقعية، وهي مترابطة شرطياً، فمن شأن دخول قوات الاحتلال بعملية برية إلى قطاع غزة أن يدفع حزب الله إلى فتح جبهة على الحدود اللبنانية، كما هدد حزب الله «إسرائيل» عبر مصر. كما أن من شأن تدخل الولايات المتحدة مباشرة أن يعرض قواعدها في المنطقة لهجوم فصائل المقاومة، خصوصاً العراقية التي هددت بذلك، وهذا الأمر من شأنه أن يدفع إلى حرب إقليمية تشمل كافة دول وفصائل محور المقاومة، بما في ذلك اليمن، وفق معادلة السيد حسن نصر الله أن تهديد الأقصى يعني حرباً إقليمية، وهي الدعوة التي لقيت تأييداً من القيادة الثورية في اليمن وفصائل المقاومة في العراق.
لهذه الاحتمالات شواهد تعززها، فكلها محتملة التحقيق، وما يجعل أياً من هذه الاحتمالات الممكنة يصبح واقعاً، ما يحكم هذه العملية، هو مقدار التراكم في كل ملف من هذه الملفات، والتطورات الآن تجري في مختلف هذه الملفات، فكيان الاحتلال يحشد قواته من أوروبا ويعبئ الاحتياط، وهذا يدعم عملية برية في غزة، والولايات المتحدة والدول الاستعمارية الغربية تتعهد بدعمه، وهذا يعزز تدخل الولايات المتحدة مباشرة، والأوضاع تزداد تعقيداً على الحدود اللبنانية، وهو ما يدفع نحو اتساع دائرة الحرب لتصبح إقليمية. ربما يتحقق سيناريو قبل الآخر، أو قد تتحقق كلها، وقد لا يتحقق منها شيء -ويكون هناك تهدئة- ففي هذه المعركة لا يحدد السياسي مستقبلها، بل إن الميداني هو الذي يضغط على السياسي وهو الذي يصنع القرار.

مآلات الصراع
كانت ليلة الاثنين الماضي هي الأعنف منذ بدء الحرب، وصل معها عدد الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من 800 شهيد وأكثر من 4 آلاف جريح، إذ استهدفت مدفعية وطيران الاحتلال بكثافة شرقي غزة وجباليا، والحدود الشمالية الغربية لقطاع غزة.
كيان الاحتلال عجز عن مواجهة مقاتلي المقاومة الفلسطينية خلال الأيام الأربعة، لهذا توجه نحو الانتقام بسبب فشله الاستراتيجي الذريع، ولذا قصف المنازل المدنية والأسواق والشوارع. وإمعاناً في هذا الإرهاب الصهيوني، قال لمتحدث باسم الجيش الصهيوني في بيان: «يعرض الجيش الإسرائيلي على السكان الفلسطينيين في قطاع غزة الفارين من الغارات الجوية للجيش، الهروب إلى مصر».
بعد الأنباء عن مقتل عنصر من حزب الله، وجهت السلطات الصهيونية أوامر لسكان «المستوطنات» التي تبعد 4 كيلومترات عن الحدود اللبنانية بالدخول للملاجئ حتى إشعار آخر. كما أفادت «القناة 12» العبرية، الثلاثاء، بأن سلاح الجو نقل مئات من جنود «الجيش الإسرائيلي» النظاميين والاحتياط، من جميع أنحاء أوروبا إلى «إسرائيل»، وهذه التطورات تشير إلى أن سيناريو التصعيد لا يزال مرشحاً.
الموقف العدواني الذي حمله بيان الدول الخمس: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وإيطاليا، يحمل نبرة تهديدٍ لقوى المقاومة، ومثل هذه المواقف تُصعّد الصراع وتأخذ الجميع إلى حربٍ إقليميّةٍ سيكون الخاسر الأوّل فيها هو الكيان الصهيوني.
وبحسب الناطق باسم حركة حماس فإن الحرب الإقليمية في مقابل العدوان على الأقصى لن تكون شعاراً، بل ستكون ناراً تُحرق العدو الصهيوني.
ومساء أمس الأول (الاثنين)، وجه رئيس الحكومة الصهيونية، نتنياهو، في خطاب، باستعادة «المستوطنات» والقيام بعملية برية تجاه غزة. يرى البعض المحللين الصهاينة إن «غزة هي الفخ الذي ندخله. غزة ليست تهديداً وجودياً، بل ويمكن التعامل معها من الجو، ومن خلال الضغط الاقتصادي. إذا دخلنا إلى غزة، فإن الفخ يمكن أن يسبب تهديداً وجودياً».
قبل خطابه كان نتنياهو قد أبلغ الرئيس الأمريكي بأن «إسرائيل» مضطرة لبدء عملية برية في قطاع غزة.
ووضع معهد دراسات الأمن القومي «الإسرائيلي» عدة مهام استراتيجية للجيش «الإسرائيلي»، وهي:
• لا يمكن ترك القدرات العسكرية لحماس قائمة.
• يجب إعادة جميع الأسرى في غزة.
• إضعاف حماس بشكل يسمح بعودة السلطة الفلسطينية في غزة.
• دمج عملية إنهاء الحرب مع عنصر الوساطة السعودية الذي يمكن أن يسرع عملية التطبيع التي تعالج أيضاً المشكلة الفلسطينية.
وبحسب خبير مصري، فإن كل المؤشرات تشير إلى أن «تل أبيب» تحضر لاجتياح بري بحجم ما لقطاع غزة، وهي لن تكون قادرة على ذلك دون الانتهاء من العمليات العسكرية الجارية مع الفلسطينيين في غلاف غزة، وبدون المعدات والذخائر العسكرية الأحدث والأكثر فتكاً الموعودة بها من أمريكا. والأهم من ذلك أن عملية الاجتياح المتوقعة تحتاج لضمان ألا ينفذ حزب الله تهديده بمهاجمة شمال الكيان حال دخول قوات الاحتلال لغزة.
في المقابل يتعزز سيناريو دخول الولايات المتحدة مباشرة في الحرب. وكانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية قوله إنّ الولايات المتحدة «قادرة على مواصلة دعمها لأوكرانيا وإسرائيل»؛ لكنها في الوقت نفسه تخشى توسع رقعة الحرب. وأضاف المسؤول أنّ البنتاجون يسرّع عملية إرسال إمدادات من الدفاعات الجوية والذخيرة وغيرها من المساعدات الأمنية إلى «إسرائيل».
في المقابل ذكرت وسائل إعلام لبنانية، نقلاً عن مصادر معنية، أنّ لجوء العدو علناً إلى استجداء التدخل الأمريكي «فيه إشارة إلى ضعف أو انعدام ثقته بقدرته منفرداً على مواجهة أي توسع للحرب، وأن الجميع ينتظر توضيحات من الجانب الأمريكي، وخصوصاً أن واشنطن كانت قد أبلغت عواصم معنية بأن إرسال حاملة الطائرات ليس عملاً حربياً، بل هو عمل ردعي، وأن الحكومة الأمريكية لم تطلب ولم تحصل على تفويض للمشاركة في عمليات عسكرية».
وبحسب الخبير المصري أحمد الصاوي فإن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بتوجيه إمدادات عسكرية عاجلة في طريقها فعلاً للكيان الصهيوني تبدو منطقية وتواكب حقيقة أن واشنطن هي الحامي الرئيسي لـ»تل أبيب»، ولعل ذلك الإجراء العاجل يذكرنا بالجسر الجوي للعتاد العسكري من دبابات وذخائر وطائرات الذي أمدت به أمريكا قوات الكيان منذ أول أيام حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.
يبدو واضحاً أن القطع البحرية الأمريكية ستقف قبالة الساحل اللبناني في ظل تغطية «الأسطول الإسرائيلي لساحل غزة».
من جهته قدر المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، متحدثاً عن تحركات الأسطول الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، أن خطر تورط أطراف ثالثة في الوضع في «إسرائيل» بات كبيرا جدا. وأضاف بيسكوف: «هناك خطر كبير من تورط قوى ثالثة في هذا الصراع».
في هذا السياق الذي يعزز توسع الطوفان، حذر تشارلز براون، الرئيس الجديد لهيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، سلطات إيران من التدخل في النزاع الدائر بين «حماس» و»إسرائيل»، وفقا لوكالة «رويترز».
كما حذرت الإمارات الحكومة السورية من التدخل في الصراع بين حركة «حماس» الفلسطينية و»إسرائيل»، حسبما أفاد موقع (Axios)، والعمل على منع تنفيذ هجمات على «إسرائيل» من الأراضي السورية. وبحسب ما ذكره الموقع فقد أبلغ ممثلو الإمارات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن اتصالاتهم مع المسؤولين السوريين بهذا الشأن.

أترك تعليقاً

التعليقات