أنس القاضي

أنـس القاضـي / لا ميديا -

منذ بداية شهر أكتوبر الحالي، عمت الاحتجاجات الشعبية المناطق الجنوبية العراقية ذات الغالبية الشيعية. من القراءة الأولى تبدو على الحراك السمة العفوية ويفسر انتشارها وتصاعدها بـ"العدوى الاجتماعية" في بيئة اقتصادية اجتماعية سياسية مواتية للانفجار حيث تفاقم الأزمات المعيشية وانسداد آفاق الإصلاح السياسي الاقتصادي بسبب نهج المحاصصة الحكومي الذي هندسه الحاكم العسكري الأمريكي في العراق سابقا، الذي يجعل من كل حكومة جديدة مماثلة لسابقاتها.

رغم الطابع العفوي والعادل والذي يمثل الوقود المغذي للتظاهر، إلا أن هناك مؤشرات عديدة على وجود نشاط سياسي مخطط ومنظم منذ فترة غير بعيدة، وهناك تمظهرات لنزعات دموية بعثية داعشية، كما أن هناك مؤشرات على وجود مؤثرات خارجية إن لم تكن هي المحركة للمظاهرات فإنها مستفيدة منها -وقد اندلعت- وفاعلة في توجيهها، حيث يظهر في أوساط المظاهرات الخطاب السياسي السعودي الأمريكي المعادي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والبعيد كل البُعد عن المطالب الاقتصادية. 

وعدت الحكومة بإجراء عملية إصلاحات اقتصادية تستهدف محاربة الفساد ووضع معاشات رعاية اجتماعية للشباب الفقراء والعاطلين، وكما يبدو -حتى الآن- فلا توجد ثقة شعبية في وعود الحكومة وقد مر عام على تشكيلها ولم تحل أي من المشاكل المتراكمة. ومع ذلك انخفضت حدة المظاهرات نسبياً من بعد إعلان الإصلاحات ويرجح عودة اشتعالها مجدداً بشكل أكبر واتسامها بالدموية نتيجة وجود المخربين، وقد يؤدي الأمر إلى إسقاط الحكومة أو إجراء تغييرات فيها.

قد تؤدي الاحتجاجات إلى تغيير الموقف الحكومي العراقي من إيران والقرب من السعودية وأمريكا، حيث إن القوى السياسية الممثلة في البرلمان تنتمي للعهد السياسي الذي أنتجه الاحتلال الأمريكي. و"الحشد الشعبي"، الحالة السياسية العراقية الجديدة المنحازة للمقاومة، مازال قوة عسكرية لا سياسية، ويمكن الالتفاف عليها. 
من المستبعد عودة البعث أو عودة نشاط "داعش" بشكل أكبر وبدعم اجتماعي سياسي كمعارضة للحكومة، حيث إن تحالف "سائرون" (تحالف الصدر والشيوعيين)، وكذلك المرجعية الدينية، وهي الأطراف الأبرز التي تدعم المتظاهرين وتعطيهم المشروعية السياسية والمظهر الديمقراطي، كانت أبرز الداعمين لحرب الحشد الشعبي ضد الإرهاب واعتبرتها حرباً وطنية ودينية مقدسةً، ولها تاريخ من الصراع مع "البعث" ولن تتحالف معهم ضد الحكومة.

وهناك سيناريو مازالت مؤشرات تحقيقه هي الأضعف؛ وهو حدوث انقلاب عسكري داعم للفريق الركن عبد الوهاب الساعدي الذي تم تحييده عن العمل العسكري ونقله إلى عمل إداري في وزارة الدفاع وإبقاؤه تحت الإقامة الجبرية، وقد رفعت صوره في التظاهرات، وهو شخصية فاعلة في الحرب على "داعش" من وحدة مكافحة الإرهاب (المدعومة أمريكيا) الفرقة الذهبية، وكان أبرز الضباط الذي نسق مع الأمريكان من بعد 2003 لبناء جهاز مكافحة الإرهاب. ويحظى الساعدي بشعبية كبيرة جداً، كان يقاتل تحت العلم الوطني العراقي تمييزا لفرقته عن فصائل الحشد الشعبي التي رفعت الشعارات الحسينية والمقاومة الاسلامية بجانب العلم الوطني. ويُرجح أن له تواصلات مع الأمريكيين، حيث أخذ تأشيرة من السفارة الأمريكية في بغداد وذهب إلى أمريكا تلبية لدعوة جامعة "هارفرد" للمحاضرة في الحرب على الإرهاب. وافتراض قُربه من الأمريكان يُفسر لغز رفع صوره والاحتفاء به كمحارب لـ"داعش" والاحتجاج على تهميش دوره، في ذات التظاهرات التي تناهض إيران الداعم الأساسي للعراق في الحرب على "داعش"! 

الأسباب الموضوعية للمظاهرات
هناك أسباب موضوعية لاندلاع المظاهرات منها: أن نصف المجتمع العراقي يعيش على أقل من دولارين في اليوم مما يجعله تحت خط الفقر. توسع البطالة في صفوف الشباب وخاصة في صفوف الجامعيين، والبطالة في صفوف هذه الشريحة يعد خطراً سياسياً، كما أن الفساد مستشر في مفاصل الدولة التي تعد رابع احتياطي نفطي في العالم. يفاقم ذلك نهج المحاصصة الذي أصبح مأزقاً يعوق أي عملية إصلاح ويعرقله. هذا وقد مر عام على تشكيل الحكومة التي لم تحقق أياً من وعودها الانتخابية. كما أن الحرب على "داعش" أثقلت الدولة العراقية وزادت من الحياة الاجتماعية بؤساً.

الفواعل السياسية المحلية
هناك ثلاثة فواعل سياسية عراقية داعمة بشكل من الأشكال للمظاهرات الراهنة: 
 تحالف "سائرون"، يضم مجموعة مقتدى الصدر والحزب الشيوعي العراقي، وهم قوة شعبية احتجاجية وكتلة برلمانية قوية، دعوا أنصارهم إلى الالتحاق بالمظاهرات وقاموا بعمليات ضغط سياسية في البرلمان. وهذا التحالف أقرب في مقاربته للقضايا الدولية إلى المحور الأمريكي -الملتزم بالمشروعية الدولية- من المحور الإيراني الأقرب إلى نهج المقاومة ورفض طغيان العولمة الامبريالية الذي يتخذ شكل قواعد حاكمة في السياسة العالمية، إلا إن خطابه منضبط وموجه نحو المطالب الاقتصادية الاجتماعية، ليس فيه نبرة طائفية ولا تصريح بالعداء لإيران ويدعو إلى الالتزام بالسلمية وحماية الممتلكات العامة والخاصة.
 بقايا "البعث"، طرف آخر فاعل في هذه المظاهرات، يستفيد من الأزمات السياسية الاجتماعية لإبراز صوته والتأكيد على أنه لم ينته، وهو من يقف خلف الخطاب المعادي لإيران وللشيعة.
 المرجعية الشيعية، نتيجة للثقل الشيعي في المظاهرات المندلعة في المناطق الشيعية أصلا، فالمرجعية خشيت من التصادم مع الجماهير وأيدت مطالبهم وأكدت على حقهم في الاحتجاجات وقدمت مصفوفة مقترحات للحل، قريبة مما طرحه تحالف "سائرون" (الصدر والشيوعيون).
 مختلف القوى السياسية العراقية المشاركة حاليا في البرلمان تنتمي للعهد السياسي الذي أنتجه الاحتلال الأمريكي، ووحده "الحشد الشعبي" الحالة العراقية الجديدة المُغايرة للقديم، فالقوى السياسية المشاركة في البرلمان هي أقرب إلى السعودية وأمريكا من إيران، والبرجماتية السياسية قد تدفعها لتقليص العلاقة مع إيران بناءً على هذه المظاهرات. 

مؤشرات وجود مؤامرة
هناك مؤشرات ينبئ عن هذه المظاهرات تنطوي على مؤامرة، منها:
 وجود مسلحين مندسين وسط المظاهرات.
 وجود طرف ثالث يستهدف المتظاهرين ورجال الأمن، وهو الأمر الذي تكرر في كل من اليمن وسوريا ومصر. 
 الإعداد للاحتجاجات تجري من قبل 3 أشهر، كما صرح أحد المحتجين لصحيفة الإندنبدنت البريطانية.
 أحد رجال الأمن البعثيين السابقيين، أحمد الحلو، أصدر بياناً باسم الحركة الاحتجاجية الثورية ووضع مطالب بعضها غير دستورية، ومنها منع مشاركة أي شخصية أو حزب مشارك في السُلطة من بعد 2003م وهذا المطلب هو ما يريده البعثيون رداً على قرار اجتثاث "البعث"، وتشبه هذه المظاهرات إلى حد ما تكتيكات البعثيين قبل الانقلاب الذي تم في 8 شباط/ فبراير 1963م حيث بدأ باحتجاجات صاخبة على رفع سعر الوقود رافقتها أعمال عنف وتخريب.
 إحراق مقار أحزاب سياسية.
 محاولة المتظاهرين الزحف على السفارة الإيرانية.
 ما يجري حاليا في المناطق الجنوبية "الشيعية" من أعمال فوضى وتخريب، يشبه ما جرى في المناطق الغربية "السُنية" التي مهدت لاحتلال "داعش".
 بعض مطلقي النار المقبوض عليهم تبين أنهم من مناطق حزام بغداد وخاصة منطقة الطارمية، وهي من أخطر الحواضن للوهابية والداعشية.

الفواعل الأجنبية في المظاهرات
 موقف الحكومة العراقية المناهض للتطبيع مع الكيان الصهيوني وقربها من إيران يجعلها في صف العدو بالنسبة للسعودية والولايات المتحدة الامريكية.
 السعودية تعمل على إذكاء التظاهرات ومشاعر العداء لإيران، وتم نشر تغريدات من قبل مستخدمين موالين للسعودية نصها "أنقذوا العراق"، "أخرجو إيران"، كما كان هناك هتافات "برع يا إيران".
 الولايات المتحدة الأمريكية، والأمم المتحدة، و"العفو الدولية"، طالبت بالتحقيق في قتل المتظاهرين ومحاكمتهم واحترام حقوق الإنسان.
 جاءت التظاهرات بعد إبرام الحكومة العراقية اتفاقيات اقتصادية ضخمة مع حكومة الصين الشعبية.
 مرشد الثورة الإيرانية اتهم أطرافا معادية بإثارة العداء بين بغدد وطهران.
 هناك اهتمام غير عادي من وسائل الإعلام البريطانية بالاحتجاجات، وبالضابط الساعدي. 

أترك تعليقاً

التعليقات