أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
بدأ الانتعاش الاقتصادي الصيني في سبعينيات القرن الماضي مع الإصلاحات الاقتصادية في حقبة "دينغ سياو بينغ". ويحلوا للإعلام الغربي أن يجعل من نهضة الصين نتيجة للإصلاحات الرأسمالية كنهوض من العدم وكنتيجة سحرية للوصفات الليبرالية، ويتجاهل حقيقة أن فترة السبعينيات تدين بنجاحها لفترة البناء الاستراتيجي التي تمت في عهد الزعيم ماو تسي تونغ (1949-1977).
إصلاحات السبعينيات تمت على قاعدة اقتصادية متينة بناها ماو، ومع وجود توجه وطني اجتماعي نحو الإنتاج وفي ظل الاكتفاء الذاتي، وبالاستناد إلى سلطة مركزية تحكم الدولة الشاسعة وكل نشاط فيها، صغيراً أو كبيراً. وفي ظل هذه الإصلاحات حافظت الدولة على ملكية القطاع العام وعلى مهام التخطط الاستراتيجي واحتكار القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية والسيادة على القطاع المصرفي المالي، فهي إصلاحات رأسمالية وتراجع عن الماوية إلا أنها وطنية صينية ولا تمت بصلة لوصفات صناديق الإقراض التي تطبق في عالمنا العربي وغيره.
بناءً على قاعدة الإنتاج هذه قامت الصين بالإصلاحات الاقتصادية فانتعش الاقتصاد الصيني وخرج من مأزق الركود السوفييتي، ولو أن السلطة قامت بهذه الإصلاحات بدون أن تكون تملك دولة واقتصاد ومجتمع "حقبة ماو" ما كان لهذ الانفتاح أن ينجح، بل كان سيطيح بالصين، كما جرى الأمر مع دول أوروبا الشرقية وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وهذه الإصلاحات متوفرة في الدستور اليمني وخاصة من بعد التعديلات غير الشرعية التي تمت بعد حرب 94 بتحويل الاقتصاد اليمني من مخطط إلى حر، لكن هذه الإصلاحات الليبرالية لم تخلق نهضة اقتصادية في اليمن، بل دمرت وتدمر الاقتصاد اليمن، وواقعنا الاقتصادي اليوم هو نتيجة لهذه الإصلاحات.

هل تنتقل التجربة؟
لا يُمكن القول بإمكانية نقل تجربة من مجتمع إلى مجتمع، وإن حدث فلا يعدو كونه استنساخا رديئاً لا يكتب له النجاح. إن سر نجاح التجربة الصينية سواء في مرحلة ماو أم بعدها، في حقيقة كونها تجربة صينية، على الرغم أن المنبع الفكري الماركسي واحد، إلا أن الصين شقت طريقها وتجربتها باستقلالية عن النموذج السوفييتي، بما يلائم وضعها الاجتماعي الثقافي السياسي وتاريخها الحضاري.
كذلك في حالتنا اليمنية لا يُمكن القول بإمكانية نقل التجربة الصينية أو الفيتنامية أو تجربة كوريا الشعبية أو الإيرانية أو غيرها. الأمر يشبه زرع نبتة في غير بيئتها، ويطرأ سؤال: لماذا إذن ندرس تجارب الشعوب إذا كان نقلها غير ممكن؟
قراءة تجارب الشعوب من أجل استلهام التجربة والاستلهام لا يعني النقل، فتجارب الشعوب فيها عنصران: عنصر عام تتجلى فيه قوانين التطور الاجتماعي التي تسري على مختلف المجتمعات، وعنصر خاص هو شكل ظهور القانون العام في هذا المجتمع، فالتطور الاقتصادي يأخذ سمات المجتمع الذي يتم فيه، وقوانين التطور الاجتماعي باعتبارها اجتماعية وتحقق عبر النشاط الإنساني فهي تصطبغ بصبغة المجتمع، وليست كقوانين العلوم الطبيعية التي تتحقق بصورة مجردة وتعطي النتائج ذاتها في كل مكان وزمان.

العام والخاص في تجارب الشعوب
استلهام التجارب يكون بدرجة أساسية في العموميات، دون التفاصيل والخصوصيات، فعلى سبيل المثال ضرورة التوازن بين الريف المدينة، هذه مسألة عامة جرى تحقيقها بصورة متميزة في الصين في حقبة ماو تسي تونغ (1994-1977)، وهي من مميزات التجربة الصينية القائمة على أساس التحالف بين العمال والفلاحين؛ فنحن بحاجة إلى أن نعمل على إيجاد توازن بين الريف والمدينة، حتى لا يكون إنتاج الريف أكثر من حاجة المدينة ومن القدرة على تخزينه وتسويقه فيفسد وتحدث خسارة للريف، وكذلك التوازن في تحقيق الربح فلا يكون ربح المزارع في الريف 10% من قيمة السلعة فيما ربح الوسيط والتاجر في المدينة 90% من قيمة السلعة. نحن بحاجة إلى استلهام التجربة الصينية في هذه المسألة العامة، وغيرها من العموميات، وكذلك استلهام التجارب الخاصة في حالة وجود تماثل أو تقارب في الأوضاع بين البلدين، كجعل الاهتمام الأول بالزراعة على الصناعة وبوضع الريف قبل وضع المدينة كما جرى في التجربة الصينية في السنوات الأولى، حيث إن المجتمع هو بدرجة أساسية مجتمع زراعي وغالبية السكان يقيمون في الريف، وهو أمر نشترك فيه مع الصين.
فيما هناك مسائل هي من صلب خصائص المجتمع الصيني لا يُمكن لنا تطبيقها في اليمن، فعلى سبيل المثال كان المجتمع الصيني مجتمعاً إقطاعياً بصورة كبيرة، فجرى توزيع الأراضي على الفلاحين مع احتفاظ الدولة بملكيتها في مرحلة (1953-1959)، ثم تمليك الفلاحين الأرض وإعطاؤهم حق تأجيرها دون بيعها في مرحلة (1978)، هكذا تم حل قضية الأرض في التجربة الصينية، فيما نحن -اليوم- في اليمن نعاني بشكل أساسي من صغر الحيازات الزراعية وتشتتها وتفتتها خاصة مع توزعها بين الورثة وإن كنت كبيرة في السابق، ومن وجود التنازع عليها وتصلبها، ومن تحولها إلى أراضي عقارات، ومن وجود أراضٍ للدولة والأوقاف (ملكيات جماعية) لكنها غير مستثمرة أو استولى عليها فاسدون، فيما الأراضي الزراعية الإقطاعية التي هي ملك إقطاعيين ومشايخ في بلادنا فهي بسيطة مقارنة ببقية الأراضي، والإقطاع في اليمن ظهر تاريخيا في مناطق محدودة. إذن فحل مسألة الأرض في بلادنا اليوم يجب أن تتم وفقاً لبيانات الواقع اليمني كحلول للمشاكل الواقعية الملموسة، وسيكون من الجنون أن نأخذ قانون الإصلاح الزراعي الصيني أو المصري وتطبيقه في بلادنا ونفترض أننا قمنا بحل مشكلة الأرض، فحتى لو احتجنا إلى قانون إصلاح زراعي فسيكون له خصوصيته بما يلائم الواقع، وللأسف فكثير من الإجراءات الاقتصادية في تجربة اليمن الديمقراطية الشعبية كانت نبيلة وتقدمية في جوهرها: التأميم وقانون الإصلاح الزراعي، لكنها كانت تقليداً للتجربة السوفييتية بدون مراعاة لمدى ملائمتها للواقع اليمني، وقد ضربت التجربة بفعل حرب 1994، بشقيها الإيجابي والسلبي.
قراءة تجارب الشعوب هي من أجل استلهام التجربة في العموميات، ومن أجل معرفة أين أخفقت وبماذا أخفقت بقية التجارب فلا نقع في الأخطاء، ومن أجل تعبئة الجماهير وإثبات لها إمكانية المقاومة والتحرر والإنتاج والاكتفاء وعرض عليها نماذج ثورية انتقلت فيها المجتمعات من المحراث الخشبي إلى التقنية الحديثة.

الإشارات الاقتصادية في خطابات قائد الثورة
كانت الصين حاضرة في الإشارات الاقتصادية التي وردت في المحاضرات الرمضانية، ففي هذه المحاضرات لم يقدم السيد قائد الثورة مذهباً اقتصاديا، بل تطرق إلى الجانب الاقتصادي وحل مشكلة الفقر من الجانب الفلسفي القرآني، فقد تحدث عن العموميات وكان له إشارات إلى الجوانب التفصيلية، وهذه الخطابات رسمت توجهات على المعنيين كمسؤولين والمختصين كعلماء وفنيين، خبراء دراستها بشكل علمي ووضع خطط لتنفيذها.
بالعودة إلى محاضرات السيد قائد الثورة نجد أن توجهاته الاقتصادية، لا تلتقي فقط مع التجربة الصينية في مرحلة الانفتاح الاقتصادي، بل إنها أيضاً وبشكل أكبر تلتقي مع البناء الاقتصادي الصيني في فترة ماو تسي تونغ، فتوجيهات السيد كانت منطلقة من الواقع واحتياجاته لا من النظرية، ومبنية على أساس إيماني له خصوصياته الفلسفية عن الرؤية الماركسية وعن الرؤية الرأسمالية، يتقاطع معهما لا انطلاقاً من انتقاء لما يعجبه من هذه الفلسفات كفكر توفيقي بين النظريتين، بل انطلاقا من الاحتياجات الملموسة التي تفرض أن تكون الحلول لكل مسألة أقرب إلى المذهب الاقتصادي الاشتراكي أو أقرب إلى المذهب الاقتصادي الرأسمالي.
في هذه المادة قراءة لتجربة النهوض الاقتصادي الصيني، وهي تجربة غنية وناجحة تطورت بشكل موضوعي بناءً على تراكم أنشطة وسياسات خلال مراحل مديدة.

التطور التاريخي للاقتصاد الصيني
إن قراءة التجارب الاقتصادية والبحث فيها، يتحدد في مسألتين رئيستين: المسألة الأولى هي الجانب النظري والسياسي، أي: فلسفة هذه الدولة في النشاط الاقتصادي وإدارته والإسهام فيه، والمسألة الثانية هي البحث في التطبيق التاريخي، أي: كيف جرت عملية الإنتاج الاقتصادي في واقع هذا البلد، ولهذا فمن الضروري معرفة السياق التاريخي السياسي الذي جرت فيه هذه التجربة. وليس بالإمكان قراءة الجانب الاقتصادي للتجربة بعزلها عن الظروف المحيطة بها.
مرت التجربة الصينية بفترتين:
الفترة الأولى هي الفترة الماوية من عام 1949 عقب حرب التحرر من اليابان وحرب التحرر الشعبية ضد الاستعمار الياباني، وهي فترة توحيد أقاليم الدولة وإخضاعها لسلطة مركزية واحدة والبناء الاستراتيجي، وكانت فترة دكتاتورية في ميدان السياسة والاقتصاد وفق مفهوم "الديمقراطية الشعبية".
بدأت الثورة الصينية من الريف، فأخذت هذه الميزة بأن الثقل الأبرز فيها هو من جماهير الفلاحين الذين حاربوا الإقطاعيين واليابانيين، فيما الحزب "الشيوعي" هو في الأساس "حزب العُمال"، فتمسك بصيغة تحالف العمال والفلاحين بشكل وثيق بخلاف التجربة السوفييتية.
هدف ماو في هذه المرحلة إلى "السعي نحو تحقيق تكافؤ بين عائد العمل الريفي المتوسط وعائد العمل المتوسط للعمال والمعدمين، فالفلاحون يتلقون بالقيمة مقابل ما يقدمونه من عمل على نحو دقيق (كلاً حسب عمله) ولا يخضعون لأي اقتطاع إجباري لجهدهم بدون مقابل. فالمساواة تشكل القاعدة الموضوعية للتحالف العمالي الفلاحي، وتعطي لسلطة الدولة مضمونها الشعبي"(1).
وقد تحددت الاستراتيجية الاقتصادية خلال هذه الفترة، وهي الاستراتيجية التي لم تتغير حتى في المرحلة الثانية ما بعد حقبة ماو، وإن حدث فيها تغيرات وميولات نحو الرأسمالية، وهي كالتالي:
"- تكثيف مجهود العمل.
- استيعاب كتلة عظيمة من السكان الريفيين في الزراعة والصناعة.
- مكننة العمليات الإنتاجية التي كانت تجري يدويا بصورة كاملة.
- دمج الزراعة والصناعات الريفية"(2).
- الحفاظ على علاقات متكافئة في التبادل السلعي بين المدينة والريف (الإنتاج بقدر الاحتياج والقدرة على التخزين والتسويق فلا تحدث خسائر للجمعيات الزراعية، وعدالة في توزيع الأرباح الاجتماعية بين تعاونيات الإنتاج وهيئات التسويق الحكومية).
- توازن بين الصناعات الخفيفة وغالبيتها الريفية وبين الصناعات الثقيلة وتحجيم التفاوت بين المناطق(3).
"استفاد الشيوعيون الصينيون من التجربة السوفييتية السابقة، فأدرك ماو أن الصين سوف تواجه التحدي المزدوج نفسه: ضرورة إشراك الفلاحين في تجديد المجتمع، والتحسّب للعداء من جانب الدول الإمبريالية.
ولكن ماو خطى خطوات خلاقة في مجال وسائل تجديد المجتمع القروي، فنسب إلى الثورة الصينية طابعاً معقّداً، وتفادى إطلاق النعت السريع لطابعها بأنها “ثورة اشتراكية بروليتارية”. فجمع الطابع المعقد المطروح بين العداء للاستعمار، والعداء للإقطاع، دون وصفها بالديمقراطية عموما، بل "الديمقراطية الشعبية". ولهذا التمييز مغزى حاسم، إذ يقتضي تكريس التحالف مع الفلاحين والحفاظ عليه في كل مرحلة من مراحل تحديث المجتمع في سبيله نحو الاشتراكية. وقد حالت هذه الفكرة الجديدة دون ارتكاب خطأ النظام السوفييتي. فشجع بذل الجهود من أجل إبداع طريق جديد يضمن إشراك الفلاحين في التحديث. واعتمد هذا الإبداع على فكرة تجديد المنشآت الزراعية العائلية الفلاحية دون تحويلها إلى ملكيات صغيرة خاصة"(4). 
في الخمسينيات كان الشكل المعتمد هو الإنتاج العائلي الصغير مصحوباً بأشكال بسيطة من التعاون في إدارة الري، وهو عمل يتطلب تنسيقاً واستخدام أنواع معينة من المعدات. كذلك أدى إدخال الإنتاج العائلي الصغير إلى الحفاظ على احتكار شراء المنتجات الموجهة للسوق، وكذا الائتمان والمدخلات، وكل هذا على أساس الأسعار المخططة.
فترة 1949 - 1952، تم فيها تأميم المنشآت الكبرى، والنضال ضد الاتجاهات الرأسمالية، وإعادة التأهيل الأيديولوجي للمثقفين، ومقاومة العدوان الأمريكي على كوريا الشمالية، وفي هذه الفترة وضعت أسس الصين الجديدة.
فترة 1953-1959 وهي مرحلة الإصلاح الزراعي، حيث كان 10% من الإقطاعيين يملكون 70% من الأراضي، وكان المجتمع الصيني بشكل عام مجتمعاً زراعياً وفي هذه المرحلة تم الانتقال من الملكيات الصغيرة الموزعة على الفلاحين إلى الشكل الجماعي التعاوني، وقد مثل الإصلاح الزراعي والتجميع نجاحين كبيرين، إذ إنهما أتاحا إطلاق طاقة فورية لتطوير الريف، الذي كان يعيش الرتابة وظروف العبودية الإقطاعية(5).
في هذه المرحلة جاءت قرارات إنشاء الجمعيات التعاونية للمنتجين الزراعيين وجمعيات الإمداد والتسويق لشراء المنتجات الزراعية ووسائل الإنتاج(6).
في العام 1956 قدم المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني برنامجاً للتنمية الزراعية وتم تطبيقه، وهو ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: سياسة تنمية الإنتاج وزيادة الغلة، والقسم الثاني: تحسين عملية الإنتاج، وكان أهم ما ورد في البرنامج(7):

* زيادة غلة المحاصيل:
- صيانة مرافق المياه والتربة.
- استخدام آلات زراعية حديثة.
- تحويل النشاط الزراعي تدريجيا من المحراث الخشبي والحصاد اليدوي إلى الآلات الميكانيكية الحديثة.
- تحسين السماد والبذور.
- التوسع في زراعة المناطق التي تنتج محاصيل متنوعة.
- زيادة زرع المحاصيل ذات الغلة الوفيرة.
- القضاء على الآفات والحشرات الضارة والكوليرا.
- استصلاح أراضي زراعية جديدة.

* تحسين عملية الإنتاج: 
- إصدار أفضل الجمعيات الزراعية بكتاب كل عام على الأقل لنقل خبرتهم الزراعية.
- إقامة معارض زراعية.
- عقد مؤتمرات عن الفلاحين النموذجيين.
- تنظيم زيارات ومسابقات وتبادل الخبرة.
- تشجيع الفلاحين على تعلم أساليب فنية جديدة.
- تحسين أحوال السكان في الريف، وتوجيه الجمعيات التعاونية إلى بناء مساكن لائقة للفلاحين، فقد كانت عبارة عن أكواخ خشبية بائسة.

فترة 1958 مرحلة بناء الكوميونات (الإدارة الذاتية)
الكوميونات هي منظمات إدارة شعبية ديمقراطية تشرف على جميع النشاطات الخاصة بأعضائها، من زراعة وصناعة وتعليم وعسكرة وصحة. وكانت الكوميونات نظاماً صارماً شبه عسكري، ضمن فلسفة ماو "القفزة الكبرى إلى الأمام". ورغم القسوة فقد ارتفعت معدلات الإنتاج بصورة غير مسبوقة.
كانت تجربة الكوميونات مليئة بالدروس. فلم تكن بالضرورة مسألة تحول من الإنتاج الصغير إلى المزارع الكبيرة. نشأت أسس هذه المبادرة من الطموح في بناء اشتراكي لا مركزي.
 لم تقتصر مهمة الكوميونات على إدارة الإنتاج الزراعي بقرية كبيرة أو مجموعة من القرى (كان هذا التنظيم نفسه مزيجاً من الإنتاج العائلي الصغير والإنتاج المتخصص الأكثر طموحاً)، ولكن مسؤوليتها شملت أيضاً: توفير إطار للأنشطة الصناعية التي تشغل الفلاحين في مواسم بعينها، والأنشطة الاقتصادية الإنتاجية المتمفصلة مع الخدمات الاجتماعية (التعليم، الصحة، الإسكان)، كما بدأ تنفيذ اللامركزية في الإدارة السياسية للمجتمع.
ولا شك في أن الكوميونات كانت سابقة لعصرها في كثير من النواحي. ولم تسر الأمور بسلاسة دائماً فيما يتصل بالجدل بين لا مركزية سلطات صنع القرار وبين المركزية الطاغية للحزب الشيوعي الصيني. غير أن النتيجة المحققة جاءت أبعد ما تكون عن وصفها بالكارثية، ففي كوميونة في إقليم "بيجنج" قاومت حل النظام لها، تَواصل تسجيل نتائج اقتصادية ممتازة مرتبطة باستمرار المجادلات السياسية الراقية، وهو ما اختفى في أماكن أخرى. وبالنسبة للمشروعات الراهنة التي تطبقها المجتمعات المحلية "لإعادة بناء الريف" في عديد من الأقاليم الصينية، فمن الواضح أنها تستلهم تجربة الكوميونات(8).

عقب تثبيت الأسعار لجأت الدولة تدريجياً إلى رفع أسعار الشراء بالنسبة للمحاصيل الزراعية خلال السنوات الخمس الأولى، بقصد إزالة الفوارق بين أسعار المنتجات الصناعية والمنتجات الزراعية وإزالة التناقض في الاقتصاد بين الريف وبين المدينة وإزالة التفاوت بين معيشة العمال ومعيشة الفلاحين من أجل وحدة الطبقة العاملة المنتجة (9).
مميزات مرحلة الكومونات
في هذه المرحلة تدرب العمال والفلاحون على استخدام التقنية الحديثة وخلق الخبراء والفنيين، وتأمن الترابط والانسجام بين الزراعة والصناعة في كل كومونة.
نتائج هذه المرحلة من 1949 إلى 1976 هي نتائج في غالبيتها إيجابية أكثر من السلبية:
- استمر التحالف العمالي والفلاحي.
- حافظت الدولة على مضمون شعبي.
- المحافظة على الاستقلال الوطني الكامل والاكتفاء الذاتي.
- أنشأت بدون مساعدة أجنبية هيكلا صناعياً كاملاً.
- استوعبت التكنولوجيا الجديدة المستوردة دون أن تنعكس عنها أضرار على معيشة العمال والفلاحين، أي بدون الاستغناء عنهم بالتقنية.

الفترة الثانية
بدأت من العام 1978م ومازالت مستمرة حتى اليوم وتتطور، وفي هذه الفترة، أدخلت الصين إصلاحات في ميادين السياسة والاقتصاد، انفتحت على حرية السوق والمفاهيم والعلاقات الرأسمالية، مع تحفظ على بعض الجوانب، تسمي الصين ذلك "اقتصاد السوق الاشتراكي"، أو "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية".

البرنامج السياسي الاقتصادي للإصلاحات في الصين
جاءت هذه المرحلة عقب وفاة ماو تسي تونغ، وانقلاب الجناح الإصلاحي الليبرالي في الحزب الشيوعي بزعامة دينك سياو بينغ على الجناح الراديكالي المحافظ أو الجناح الشيوعي الماوي.
جاء في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني والمجلس الشعبي الوطني العام سنة 1977 على لسان دينك سياو بينغ الذي أصبح زعيماً للحزب، ما يلي:
"إن هذه الثورة ستُغير حتما على عديد من الأصعدة علاقات الإنتاج والبُنية الفوقية والتصرف في المؤسسات الصناعية والفلاحية وطرق إدارتها من طرف الدولة بصورة تجعلها تتأقلم مع متطلبات اقتصاد عصري كبير" (10).
لقد حددت هذه المقولة البرنامج السياسي الاقتصادي الجديد، وعملية الإصلاحات ومستقبل الصين كالتالي:
- تغيير علاقات الإنتاج، من علاقات الإنتاج الاشتراكية إلى علاقات الإنتاج الرأسمالية.
- تغيير البُنية الفوقية، أي تغيير السياسيين من الماويين إلى الإصلاحيين.
- التصرف في المؤسسات الصناعية والفلاحية، أي تحويل معظمها من مُلكية الدولة إلى القطاع الخاص.
- تغيير الإدارة، أي تغييرها من الإدارة الديمقراطية المركزية حيث تصنع القرارات في القواعد من الأدنى إلى الأعلى حتى تصل الأمانة العامة للحزب والدولة، إلى الشكل الليبرالي للإدارة حيث تفرض من الأعلى إلى الأدنى.
بدأت أولى الإصلاحات الاقتصادية كما يلي(11):
- حل نظام الكومونات في الريف (وقد كان ذلك تراجعاً عن مكسب تقدمي).
- جرى تمليك الأراضي الزراعية من أجل زيادة إنتاجيتها (فيما المرحلة السابقة مرحلة الإصلاح الزراعي جرى توزيعها على الفلاحين وظلت ملكيتها حكومية، وهذا التمليك الجديد ليس مطلقاً فلا يحق للفلاح بيع الأرض، بل تأجيرها إذا أراد).
- تدشين حافز الربح في الزراعة والصناعة وإعادة هيكلة الأجور بجعلها متفاوتة (وهذا الأمر وإن كان قد رفع معدلات الإنتاج إلا أنه فعلياً أثر على مستوى العدالة الاجتماعية).
- التركيز على مسألة رفع وتائر الإنتاج وتحقيق الربح والتراكم المالي على حساب الربح الاجتماعي (فيما سابقاً كانت الدولة لا تهتم بالتراكم المالي في خزينتها بل تقوم برعاية تعويض المشاريع الإنتاجية الفاشلة).
- توسيع النشاطات الأسرية الموازية لنشاطات الاقتصادية الجماعية التعاونية (ظاهر هذا الإجراء سلبي في ما يتعلق بالتراجع عن "الجتمعة"، إلا أنه في التطبيق التاريخي كان إيجابيا فقد استمر الإنتاج وتقدم خطوة إلى الأمام، ولا ننكر أن هذا الإنتاج الأسري أصبح يخدم التجار في المدينة وأرباحهم أعلى من أرباح المنتجين في الريف، فهو إجراء تقدمي من الناحية الاقتصادية وإجراء رجعي من الناحية الاجتماعية).
- ضرب مجالس الحكم في المصانع، وإخضاعهم للإدارة المركزية من قبل النخب في المصانع (وهو إجراء رجعي فيه تراجع عن الديمقراطية الشعبية).
- تحريك العمال والمزارعين بحافز الربح المادي والكفاءات والأجور (هذا الأمر حفز النمو الاقتصادي لكنه أدى إلى تفاوت في الأجور والأرباح).

التركيز على أولوية تطوير وسائل الإنتاج
في هذه المرحلة حدث تراجع عن الرعاية الاجتماعية لتعود هذه الحقوق في ما بعد.
تميزت هذه المرحلة بكونها أكثر استقراراً اقتصاديا، وتميزت بنمو قوي للصناعة والزراعة.
"يحتفظ الإنتاج الصغير (وهو غير مرتبط حكماً بالملكية الصغيرة) في الصين المعاصرة بمكانة هامة في الإنتاج الوطني، ليس في الزراعة وحدها، وإنما في سائر قطاعات الحياة الحضرية كذلك" (12).
أدى قرار دينك سياو بينغ بحل الكومونات عام 1980 إلى تقوية الإنتاج العائلي الصغير، والذي استمر كالشكل السائد خلال العقود الثلاثة التالية لهذا القرار (1980-2012). غير أن نطاق حقوق المستخدمين (للكومونات القروية والوحدات العائلية) قد اتسع إلى حد كبير. وقد أصبح ممكناً لحائزي تلك الأراضي استغلال هذا الحق "بتأجير الأرض" وليس "بيعها" إما إلى منتجين صغار -مما يسهل الهجرة إلى المدن وبخاصة هجرة الشباب المتعلم الذي لا يريد أن يظل مقيماً بالريف- أو إلى شركات تدير مزارع أكبر وأحدث. وكان هذا الشكل وسيلة لتشجيع الإنتاج المتخصص (مثل النبيذ الذي استدعت له الصين خبراء من بورجندي) ولاختبار أساليب علمية جديدة (النباتات والكائنات المعدلة وراثياً وغيرها) (13).
"أفسحت الزراعة الفلاحية الطريق أمام الزراعة العائلية بمعنى مزدوج، فمن ناحية هي تنتج للسوق، ومن ناحية أخرى تستخدم الماكينات الحديثة والمدخلات الصناعية والائتمان المصرفي. وأكثر من ذلك، تحولت الزراعة العائلية الرأسمالية إلى زراعة بالغة الكفاءة مقارنة بالمزارع الكبيرة، من حيث حجم إنتاج الهكتار وحجم إنتاج العامل في السنة. ولا تنفي هذه الملاحظة حقيقة استغلال فلاح الرأسمالية الحديثة من جانب رأس المال الاحتكاري المعمم، الذي يتحكم من المنبع في المدخلات والائتمان، مثلما يتحكم في تسويق المنتجات.."(14).
"التنوع الخلاق لأشكال الاستخدام للأرض موضع حيازة عامة قد أدى إلى نتائج مدهشة. يتعلق أولها بالكفاءة الاقتصادية، فعلى الرغم من نمو سكان الحضر من 20% إلى 50% من إجمالي السكان، نجحت الصين في زيادة الإنتاج الزراعي لمواكبة الاحتياجات الضخمة للتوسع الحضري.
وهي نتيجة ملفتة واستثنائية لا نظير لها في بلدان الجنوب (الرأسمالية). وهو ما قوى وحافظ على الاستقلال الغذائي، على الرغم مما تعانيه من معوقات كبرى: فالزراعة الصينية تغذي 22% من سكان العالم على نحو معقول، بينما لا تملك سوى 6% من الأراضي الصالحة للزراعة عالمياً. يضاف إلى هذا أنه لم يعد هناك شيء مشترك بين القرية الصينية وبين الذي مازال سائداً في بقية العالم الثالث الرأسمالي. فهناك اختلاف كبير بين الحياة المريحة المستقرة في الريف الصيني اليوم وبين تاريخية حالة الجوع والفقر المدقع هناك، بل مقارنةً بأشكال الفقر المتطرفة التي مازالت سائدة في الريف الهندي أو الأفريقي" (15).

الانفتاح الصيني على الاستثمار الأجنبي
كانت نظرة ماو تطوير الاقتصاد الاشتراكي بالتعويل على الذات والاستفادة من المصانع الصغرى والكبرى والاستفادة من التكنولوجيا القديمة والجديدة في آن ضمن الاستقلال الاقتصادي الوطني والتوازن الاقتصادي بين النمو في الريف والنمو في المدينة، فيما نظرة دينغ الدفع نحو تطور مستقل والارتباط بالرساميل الأجنبية ووضع أولوية للتكنولوجيا المعاصرة.

تميزت هذه الفترة بإزالة القيود عن التجارة في الزراعة وتصديرها، ووفر ذلك ربحاً لمصدري المنتجات الزراعية وهم من المدينة، وربحاً أدنى منه للمنتجين الزراعيين في الريف، وهو ما جعل الصين مصدراً للأغذية بعد أن كانت تشهد المجاعات.
فتحت البلاد للاستثمارات الأجنبية بعد تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا عام 1979 وإنشاء مناطق اقتصادية حرة للاستثمار الأجنبي، حفز الاستثمار الأجنبي نتيجة لأن اليد العاملة في الصين هي الأرخص في العالم.
ومن المهم التركيز هنا على أن "عملية البناء الماوية هي التي وضعت الأسس التي بدونها ما كان الانفتاح ليحقق نجاحه الباهر. فالقول بأن نجاح الصين يرجع أساساً إلى مبادرات رأس المال الأجنبي خطأ. فلم يكن رأس المال متعدد القوميات هو الذي بنى المنظومة الصناعية الصينية وأنجز أهداف التوسع الحضري وتشييد البنية التحتية. ويكمن نسبة 90% من النجاح في المشروع الصيني المستقل. ومن المؤكد أن رأس المال الأجنبي قد قام بوظائف مفيدة مثل زيادة استيراد التكنولوجيات الحديثة. غير أن الصين استطاعت من خلال أساليب المشاركة استيعاب هذه التكنولوجيات وأصبحت متمكنة من تطويرها الآن. ولا يوجد شيء مماثل لهذه التجربة في أي بلد آخر، حتى في الهند أو البرازيل، ومن باب أولى: تايلاند وماليزيا وجنوب أفريقيا وغيرها" (16).
من أبرز ملامح هذه المرحلة:
- خصخصة العديد من مؤسسات الدولة المملوكة للقطاع العام، باستثناء الصناعات الثقيلة والصناعات الاستراتيجية والصناعات العسكرية.
- إدخال النظام الغربي في الإدارة.
- حظر النشاط الاقتصادي على جيش التحرير الشعبي الصيني.
وأصدرت الصين قوانين لقمع المعارضة السياسية والمنظمات الجماهيرية وللاحتجاجات. وأدت هذه الإصلاحات إلى تخليص الملايين من الفقر وحالت دون حدوث المجاعات، بخلاف ما كان الأمر عليه في فترة ماو وما قبلها. وتم حظر الأنشطة الاقتصادية وتلقي الهدايا والرشوات على قيادات الدولة والحزب، وتخييرهم بين العمل الحكومي وبين التفرغ للتجارة.

رأسمالية الدولة الصينية
ويرى المفكر سمير أمين أن «رأسمالية الدولة الصينية» من نمط يختلف تماماً عن نمط رأسمالية الدولة في البلدان الأخرى، لأن لها في الصين ثلاثة أهداف:
1 - بناء منظومة صناعية جديدة مستقلة.
2 - إيجاد توازن بينها وبين الإنتاج الريفي العائلي.
3 - الاندماج في النظام الرأسمالي العالمي اندماجاً متحكماً فيه، وليس ذوباناً في الثالوث الأمريكي- الأوروبي- الياباني.
واقتضت رأسمالية الدولة الصينية في مرحلتها الأولى (1954-1980):
تأميم جميع الشركات الكبيرة والصغيرة على السواء (مصحوباً بتأميم الأراضي الزراعية).
ثم تبع ذلك انفتاح على المشروع الخاص الوطني و/ أو الأجنبي، وتحرير (لبرلة) الإنتاج الصغير في الريف والحضر (الشركات والتجارة والخدمات من الحجم الصغير).
غير أن الصناعات الرئيسية الكبرى والمنظومة الائتمانية التي أقيمت في الحقبة الماوية لم يتم التراجع عن تأميمها، حتى في حالة تعديل الأشكال التنظيمية لاندماجها في "اقتصاد السوق" (17).
"يبقى الإقرار بأن ما أنجزته رأسمالية الدولة الصينية في الفترة 1950-2012 مدهش تماماً وبكل المقاييس. فقد نجحت في بناء منظومة إنتاجية حديثة متكاملة ومستقلة بحجم هذا البلد الكبير جداً، ولا يمكن مقارنته بالولايات المتحدة. كما نجحت في أن تتجاوز التبعية التكنولوجية الشديدة عند نشأتها (استيراد النماذج السوفييتية ومن أوروبا الغربية) عن طريق تطوير قدراتها الخاصة على إنتاج الابتكارات التكنولوجية"(18).
ويرى المفكر سمير أمين أن الانفتاح الصيني على المبادرة الخاصة (الذي بدأ في الثمانينيات، ثم في التسعينيات بدرجة كبيرة) كان ضروريا وموفقاً لتجنب الركود المميت الذي سبق أن أصاب الاتحاد السوفييتي.
وبالرغم من حقيقة تزامن هذا الانفتاح مع الانتصار المعولم للنيوليبرالية، مع كل التأثيرات السلبية لهذا التزامن خيار "الاشتراكية مع السوق"، كخيار أساسي لهذه الحقبة الثانية من التنمية المتسارعة، فقد كان مبرراً إلى حد كبير.
"جاءت نتائج هذا الخيار مدهشة. ففي غضون عقود قليلة تمكنت الصين من إنجاز عملية توسع حضري منتجة وصناعية، تضم 600 مليون إنسان، جاء ثلثاهم إلى المناطق الحضرية خلال العقدين الماضيين (أي ما يعادل سكان أوروبا تقريباً!). ويرجع هذا إلى "الخطة" وليس إلى السوق. وتوجد في الصين الآن منظومة إنتاجية مستقلة حقاً.
وقد اندمجت رأسمالية الدولة الصينية مع الأبعاد الاجتماعية المعلنة لمشروع التنمية. وكانت هذه الأهداف حاضرة بالفعل في العهد الماوي: القضاء على الأمية، توفير الرعاية الصحية للجميع... إلخ. وساد في الجزء الأول من فترة ما بعد الماوية (التسعينيات) اتجاه واضح لإهمال المضي في هذه الجهود. ولكن يجب ملاحظة أن البعد الاجتماعي للمشروع قد استعاد مكانته مرة أخرى، استجابةً للحركات الاجتماعية النشيطة والقوية، ومن المتوقع أن تزداد قوة هذا التوجه في المستقبل. ولا يوجد نظير في أي من بلدان الجنوب لعملية التوسع الحضري التي شهدتها الصين. ومن المؤكد أن هناك أحياء "راقية" وأحياء أخرى ليست غنية على الإطلاق، ولكن لا توجد عشوائيات مثل تلك المستمرة بالانتشار في مدن العالم الثالث"(19).
"اندماج الصين في العولمة ظل على أي حال جزئياً ومتحكَّماً فيه (أو قابلاً للتحكم على الأقل). كما بقيت الصين خارج العولمة المالية. فنظامها المصرفي وطني بالكامل ويركز على سوق الائتمان الداخلية. ولا يزال اليوان مسألة تخص صناعة القرار الصيني المستقل. وهو ليس خاضعاً للتقلبات الشديدة المرتبطة بالعولمة المالية".
اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية -الذي استفادت منه الصين- لم يكن وراء نجاح مشروعها، بل على العكس تماماً، كان نجاح هذا المشروع هو ما جعل الصين جاذبة للشركات الغربية متعددة القوميات.
أما بلدان الجنوب التي فتحت أبوابها بدرجة أوسع بكثير من الصين، وقبلت الخضوع بدون شروط للعولمة المالية، فلم تستطع جذب رؤوس الأموال الأجنبية بالدرجة نفسها، بل إن رأس المال متعدد القوميات لم تجذبه للصين موارد طبيعية يرغب في نهبها، على العكس من هذا كله يمكن للاستثمارات الأجنبية الاستفادة بالتأكيد من الأجور المنخفضة وتحقيق أرباح جيدة، شرط أن تكون خططها ملائمة للخطط الصينية وتسمح بنقل التكنولوجيا.

هل تتحول الصين إلى إمبريالية؟
إن حقيقة كون المشروع الصيني غير رأسمالي لا تعني أنه اشتراكي بالفعل، وإنما تعني فقط أن المشروع يجعل من الممكن التقدم على الطريق الطويل المؤدي للاشتراكية. ومع ذلك يظل هذا المشروع مهدداً بانحراف قد يخرجه من ذلك الطريق وينتهي بعودة واضحة وصريحة إلى الرأسمالية (20). ويضيف سمير أمين أن تحول الصين نحو الرأسمالية الصريحة (الليبرالية الغربية) سيتسبب بسقوطها سرعة نموها ذاتها.
ما أشار إليه الدكتور سمير أمين (في العام 2012) من احتمال تحول الصين إلى الرأسمالية الصريحة، أي الإمبريالية الاستعمارية، هو أمر وارد، وهناك مؤشرات إليه من استعارة الصين للذرائع الأمريكية (كذريعة مكافحة الإرهاب)، والحضور العسكري في البحر الأحمر باسم مكافحة القرصنة، وكذلك بيعها الأسلحة لدول العدوان على اليمن في مرحلة حرب وهي تعرف جيداً أن هذه الأسلحة تستخدم في حرب عدوانية لا دفاعية. وأياً كانت الحيثيات التي تقف خلف هذا السلوك الصيني، فحقيقة أن الصين دخلت في العلاقات الرأسمالية على المستوى التجاري الدولي، وأصبح الجانب الاقتصادي أهم إليها من الجانب القيمي، هذه الحقيقية تتطلب أن يكون هناك تعامل حذر مع الصين، فلم تعد تتحلى بالروح الأممية لماو تسي تونغ.


الهوامش:
(1) د. سمير أمين: الماوية والتحريفية.
(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه.
(4) د. سمير أمين: التحدي الذي واجهته قيادات الدول الاشتراكية، الحوار المتمدن، العدد 6658، 2020/8/26. متوفر على الرابط: https://www.ahewar.org.
(5) محيي الدين قوزي وإبراهيم عارف كيرة: شوين لاو وقفزة الصين إلى الأمام، الدار القومية للطباعة والنشر، ص66.
(6) المصدر نفسه، ص 84.
(7) المصدر نفسه، ص 85.
(8) د. سمير أمين: الصعود الناجح للصين.
(9) د. سمير أمين: الماوية والتحريفية.
(10) المصدر نفسه.
(11) المصدر نفسه.
(12) د. سمير أمين: التحدي الذي واجهته قيادات الدول الاشتراكية، الحوار المتمدن، العدد 6658، 2020/8/26. متوفر على الرابط: https://www.ahewar.org.
(13) محيي الدين قوزي وإبراهيم عارف كيرة: شوين لاو وقفزة الصين إلى الأمام، الدار القومية للطباعة والنشر، ص66.
(14) المصدر نفسه، ص 84.
(15) المصدر نفسه، ص 85.
(16) د. سمير أمين: الصعود الناجح للصين.
(17) سمير أمين، مصدر سابق.
(18) المصدر نفسه.
(19) المصدر نفسه.
(20) المصدر نفسه.
(21) المصدر نفسه.

أترك تعليقاً

التعليقات