مستقبل الصراع اليمني -«الإسرائيلي»
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
دخل الصراع بين اليمن وكيان الاحتلال «إسرائيل» مرحلة جديدة من المواجهة المفتوحة بعد أحداث «طوفان الأقصى» 2023م واستمرار اليمن كجبهة إسناد استراتيجية حتى العام  2025م، بفعل عسكري تجاوز الإسناد وتجاوز منطق الرد والرد المقابل.
باتت «إسرائيل» ترى في اليمن تهديداً استراتيجياً طويل الأمد، وتقدر أنها في حرب مفتوحة مع اليمن لا تنتهي بمجرد التوصل لاتفاق إطلاق نار مع المقاومة في غزة الذي تحقق مؤخراً، وستسعى إلى إضعاف الجمهورية اليمنية كدولة، وتقويض نفوذ أنصار الله باستخدام وسائل عدوانية متعددة وفقاً لنمط الجيل الخامس من الحروب فهو الأمل لتنفيذ هذه السياسة العدوانية.
فمن المتوقع أن يزداد النشاط الاستخباراتي «الإسرائيلي» في اليمن، بالتوازي مع محاولات إقامة علاقات سياسية مع بعض الأطراف اليمنية، والسعي لتفكيك اليمن وإضعافها من الداخل، وقد خلص الصهاينة طوال الفترة الماضية إلى وجود نوع من العمى الاستراتيجي في اليمن، ووجه الكيان وفقاً لصحيفة معاريف الصهيونية بافتتاح قسم خاص في الموساد مختص باليمن، لمعرفة بيئة الصراع والتهديد الجديدة التي تواجه الكيان.
سيأخذ البحر الأحمر مكانة أكبر في الاستراتيجية «الإسرائيلية»، وعلى الجانب الآخر، ستحتاج اليمن إلى تعزيز قدراتها الأمنية والاستخباراتية والسيبرانية، مع التركيز على حماية كوادرها العلمية والبحثية، لمواجهة التحديات الجديدة التي يفرضها الصراع المفتوح مع «إسرائيل».

«طوفان الأقصى» ومستقبل الصراع
دخل الصراع اليمني - «الإسرائيلي» مرحلة المواجهة بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023م ومعركة «طوفان الأقصى»،  فقد تجاوز الموقف اليمني التضامن الشعبي والسياسي مع القضية الفلسطينية والذي كان حاضراً تاريخياً، كما تجاوز الدعم العسكري واللوجستي السابق الذي كانت تقدمه جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للمقاومة الفلسطينية، وانتقل الموقف اليمني الراهن للجمهورية اليمنية الموحدة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة ومباشرة تمثلت في هجمات صاروخية وطائرات مسيرة أطلقتها القوات المسلحة اليمنية باتجاه العمق المحتل واستهدفت المواقع العسكرية الصهيونية من قواعد ومطارات وصولاً إلى استهداف وزارة الحرب «الإسرائيلية» في عمق يافا المحتلة المُسماة «تل أبيب».
هذا التحول يمثل طوراً جديداً من الصراع العربي «الإسرائيلي»، يضع اليمن ضمن دائرة المهددات الاستراتيجية لـ«إسرائيل»، ويضع اليمن أيضاً في موضع المُستهدف من قبل الكيان الصهيوني، خصوصاً وأن الشعب اليمن والقيادة في صنعاء ترى أن علاقة اليمن بالصراع مع الكيان «الإسرائيلي» ليست محصورة على هذه المعركة بل موقف ثابت واستراتيجي مرتبط بدعم اليمن للحق الفلسطيني في التحرير الكامل للأراضي العربية الفلسطينية التاريخية وبناء الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهي مقاربة بات من النادر  تبنيها، فمعظم من يدعمون الحق الفلسطيني فعلى أساس حل الدولتين وحدود 1967م وهي مقاربة لم يعد الكيان الصهيوني بقيادة اليمين المتطرف يقبل بها ويريد احتلال كل الأرض الفلسطينية وتهجير سكانها إلى سيناء والأردن.

التغيرات في التقدير «الإسرائيلي» للتهديد اليمني
قبل معركة «طوفان الأقصى»، كان التهديد اليمني بالنسبة لـ«إسرائيل» نظرياً، يُختزل في مخاوف من ارتباط أنصار الله بإيران التي تجمعهما علاقة تعاون ضمن محور المقاومة، ومخاوف من عقيدة أنصار الله تجاه الكيان والولايات المتحدة المتضمن في أدبيات الحركة، لكن بعد معركة «طوفان الأقصى»، تطور هذا التقدير بشكل جذري، وأصبح التهديد اليمني واقعاً ملموساً.
باتت «إسرائيل» تنظر إلى اليمن باعتباره تهديداً استراتيجياً طويل الأمد، مشابها لتهديد إيران، وتهديد مصر عبدالناصر سابقاً، ويستوجب التعامل معه بطرق استخباراتية وعسكرية مستدامة حتى تحييده. وتتفق توصيات مراكز الأبحاث الصهيونية والمؤسسات العسكرية «الإسرائيلية»، على إضعاف اليمن كدولة معادية.

التحولات الاستراتيجية في البحر الأحمر
كانت السياسة «الإسرائيلية» في البحر الأحمر تركز في السابق على الجوانب الاقتصادية المتعلقة بنشاط الكيان التجاري، لكن بعد «طوفان الأقصى» أصبحت هذه المنطقة تأخذ بُعداً أمنياً واستراتيجياً أكبر في تصور ما يسمى بـ»الأمن القومي الإسرائيلي».
تدعي «إسرائيل» أن السيطرة على البحر الأحمر ضرورة لحماية الملاحة البحرية وتأمين خطوط التجارة، خاصة مع تصاعد التهديدات اليمنية على الكيان في هذه المنطقة. وبالتالي، من المتوقع أن تعزز «دولة» الاحتلال وجودها العسكري في البحر الأحمر، سواء بشكل مباشر أو عبر تحالفات مع أطراف إقليمية ودولية «الناتو العربي» أنموذجاً.

الأنشطة «الإسرائيلية» في المنطقة بعد الحرب
في إطار هذا الصراع المفتوح والذي استمر لما يقارب 15 شهراً، هناك تقارير وتسريبات استخباراتية تشير إلى أن «إسرائيل» تعمل على تعزيز وجودها العسكري والاستخباراتي في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة القوى الموالية للتحالف السعودي الإماراتي، وكذلك في الدول المجاورة لليمن وخصوصا القرن الإفريقي، مثل بناء قواعد عسكرية في إقليم إقليم «أرض الصومال»، وإنشاء قواعد ومطارات في جزيرة ميون وجزر محافظة أرخبيل سقطرى.
هذه الأنشطة بالتعاون مع أطراف إقليمية ومحلية ستزداد مستقبلاً، ضمن الأطماع الصهيونية في الهيمنة على البحر الأحمر لتنفيذ استراتيجياتها العسكرية والاقتصادية في البحر الأحمر، بما في ذلك مشروع «قناة بن غوريون».

التركيز «الإسرائيلي» على النشاط الاستخباراتي في اليمن
تجمع التوصيات «الإسرائيلية» على ضرورة تكثيف النشاط الاستخباراتي في اليمن لجمع المعلومات وتعقب التهديدات. ومن المتوقع أن تعتمد «إسرائيل» على عدة مصادر في هذا السياق، وفي مقدمتهم اليهود من أصل يمني الذين يعيشون في كيان الاحتلال، وكذلك الاستفادة من شبكات المخابرات الأجنبية العاملة في اليمن والتي ترتبط بعلاقات تعاون من الموساد الصهيوني وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. إلى جانب استخدام التكنولوجيا الحديثة، وعمل الموساد مباشرة على استقطاب عناصر يمنية.

استهداف العقل اليمني
من المتوقع أن تركز «إسرائيل» على استهداف الأكاديميين اليمنيين والطلاب والباحثين في المجالات الاستراتيجية، خاصة تلك التي تخدم الصناعات العسكرية، مثل الصناعات التقنية الحديثة والبرمجيات والذكاء الصناعي والصناعات الكيميائية والبيولوجية.وعلوم الفيزياء، فهذا النوع من استهداف العقل أسلوب صهيوني معروف استخدم ضد مصر وسوريا والعراق في مراحل معينة وضد أي نبوغ للعلماء في العالم العربي عموماً، وهناك قوائم بشخصيات اغتالها الكيان الصهيوني في مختلف مجالات المعرفة، وحتى في مجال الفن والأدب  المقاوم.

استهداف الواقع السياسي والاجتماعي في اليمن
تسعى «إسرائيل» إلى إقامة علاقات سياسية مع بعض الأطراف اليمنية وربط مستقبلها بخدمة المصالح «الإسرائيلية»، ورغم وجود مؤشرات من تصريحات بعض قيادات الفصائل العسكرية المسلحة المناوئة لصنعاء لإمكانية تعاونهم مع «إسرائيل»، إلا أن المجتمع اليمني عموماً -بما في ذلك من لهم موقف سياسي مضاد للسلطة القائمة في صنعاء- ضد التطبيع مع الكيان، وهذا الموقف يتجاوز الانقسامات السياسية الداخلية اليمنية، وفي فترة «طوفان الأقصى» خرجت مظاهرات داعمة للمقاومة الفلسطينية في كل المحافظات اليمنية شرقها وغربها وشمالها وجنوبها.
ولما كان مشروع الشرق الأوسط الجديد يقوم على ضرب الدول المركزية وتفتيتها وتفكيك الدول من الداخل، فسوف تعمل «إسرائيل» على محاولة إثارة الانقسامات الاجتماعية في اليمن على  أسس مذهبية وجهوية وعرقية، وغيرها، إلا أن المجتمع اليمني من هذه الناحية أشد تماسكاً.

الأنشطة التخريبية الاقتصادية
تتقاطع السياسات «الإسرائيلية» مع السياسات الأمريكية في اليمن، حيث تشمل التخريب الاقتصادي للإنتاج المحلي، وإعاقة الاستثمار الأجنبي في اليمن، وفرض المزيد من العقوبات على الشخصيات والشركات والبنوك والقطاع المالي عموماً، والحصار الاقتصادي الشامل وإثارة الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وإيصال اليمن إلى نموذج الدولة الفاشلة.
هذه الأنشطة تهدف إلى إضعاف اليمن اقتصادياً وإبقاء البلاد في حالة تبعية للقوى الخارجية، وعقاباً لليمن على دوره في عمليات المساندة للشعب الفلسطيني في معركة «طوفان الأقصى». ومما لا شك فيه أن القيادة اليمنية في صنعاء تدرك هذه التحديات المرتبطة بالصراع مع الكيان الصهيوني وستعمل على مواجهتها.

أترك تعليقاً

التعليقات