قراءة في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة بين أمل إنهاء الحرب والخوف من استمرار التصعيد "الإسرائيلي" المكثف، خلال الأيام الماضية. وعقب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، شهد القطاع تصعيداً كبيراً من قبل العدو الصهيوني، حيث ارتكب عدة مجازر أسفر عنها ارتقاء أكثر من 120 شهيداً مدنياً. وحذرت المقاومة من أن قصف هذه الأيام سيؤثر بصورة مباشرة على الأسرى الصهاينة الذين تعد المقاومة لإطلاق سراحهم بموجب الاتفاق.
بحسب المتداول فبنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تتضمن التالي:
 انسحاب "إسرائيلي" كامل نحو الحدود من كافة مناطق قطاع غزة.
 الانسحاب من معبر رفح وفتحه.
 الانسحاب من ممر "نتساريم"، ومحور "فيلادلفيا" بالتدريج.
 الإفراج عن 1000 أسير من قطاع غزة، ومئات الأسرى المحكومين بالمؤبد والأحكام العالية، فضلاً عن تبييض سجون الاحتلال من الأسرى النساء والأطفال تحت 19 عاماً.
 عودة النازحين إلى مناطق سكنهم، مع حرية الحركة في كل القطاع، وغياب الطيران "الإسرائيلي" عن أجواء القطاع بين 8-10 ساعات يومياً.
 إعادة تأهيل المستشفيات كافة، وإدخال مشافٍ ميدانية وفرق طبية وجراحية إلى القطاع، إضافة إلى ضمان سفر الجرحى من أجل العلاج في الخارج.
 إدخال 600 شاحنة مساعدات يومياً، ضمن "بروتوكول إنساني" ترعاه دولة قطر، وإدخال 200 ألف خيمة، و60 ألف كرڤان للإيواء العاجل.
البنود أعلاه جيدة، والصفقة عموماً هي التي قبلتها المقاومة واقترحتها في أيار/ مايو من العام الماضي، وهو ما يعني ثبات موقفها، وكانت جل التصريحات "الإسرائيلية" في الشهور السابقة ضد هذه البنود بالمطلق، فمن شأنها أن ترفع المعاناة عن الفلسطينيين في غزة.
إلا أن قضايا أخرى لم يتطرق إليها الاتفاق بحسب المعلن عنه، ولاتزال غامضة، ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه المسائل مؤجلة إلى مرحلة ما بعد نجاح الهدنة المؤقتة، أم أن مفاوضات تفصيلية أخرى سوف تعقد للبت في هذه القضايا، بالتزامن مع تنفيذ المراحل الأولى من الهدنة. وهذه المسائل الغامضة كالتالي:
مرور السفن "الإسرائيلية" في البحر الأحمر، ومصير السفينة "غالاكسي"، هل أعطى اليمن لحماس ملف التفاوض في هذه المسائل؟ أم سيكون هناك مفاوضات غير مباشرة مع اليمن حولها؟ أم أن اليمن سوف يوقف العمليات تلقائياً مع دخول اليوم الأولى للهدنة؟ أم سيكون هناك تدرج في عدد السفن في مقابل التدرج في الانسحاب؟ هذه المسألة حتى الآن غير واضحة. السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير تحدث عن مراقبة اليمن لسريان الاتفاق وترك المسألة مفتوحة حتى تظل الخيارات اليمنية مفتوحة في حال تصعيد العدو.
على صعيد الأسرى، الحديث يتم بالعموميات، فيما هناك أسيران بارزان، الأول مروان البرغوثي القيادي الكبير في حركة فتح، والآخر أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هاتان الشخصيتان هل سيشملهما الاتفاق؟ وهل ستخرج إلى قطاع غزة أم خارج فلسطين؟ هذه المسألة أيضاً ليس هنالك وضوح حولها، وقد نشر الإعلام العبري أسماء 700 ممن سيُفرج عنهم من الأسرى الفلسطينيين، ولم يرد فيها اسما البرغوثي وسعدات.
الاتفاق ينصّ على "انسحابٍ إسرائيلي كامل نحو الحدود من مناطق قطاع غزة كافة". ولا أعرف ما إذا كانت الترجمة دقيقة، لكن عبارة "نحو الحدود" لا تفيد إن كان الانسحاب إلى حدود ما قبل "طوفان الأقصى" أم ستستحدث حدود جديدة ومنطقة عازلة داخل القطاع.
الأمر الأخير هو مسألة السلطة الجديدة داخل غزة، الإدارية والأمنية. حتى الآن التفاصيل حول اليوم الثاني للحرب في غزة غامضة، وهي تفاصيل هامة، لأنها مرتبطة بمستقبل الوجود المسلح في القطاع.
خلاصة القول: وصولاً إلى هذه الهدنة، فإن المقاومة الفلسطينية هي المنتصرة، فسيخرج العدو من "فيلادلفيا" ومعبر رفح، ومحور "نتساريم". وحتى الآن مازال الوجود المسلح لمختلف فصائل المقاومة قائماً ويتم تجنيد مقاتلين وصناعة أسلحة. وعلى المستوى الاجتماعي فشل الاحتلال في تهجير أبناء غزة إلى سيناء كما كان يُخطط، وإفشال مساعي العدو الذي دمر كامل غزة يُعد نصراً بالنسبة لقوات شعبية.

التقييم "الإسرائيلي" لاتفاق وقف إطلاق النار
يعتبر العديد من المحللين والضباط "الإسرائيليين" أن الاتفاق فشل في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، وهي القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى. ووصف بن غفير الاتفاق بأنه "استسلام إسرائيلي" لحماس، داعياً سموتريتش إلى مساعدته في جمع الأعداد اللازمة لإحباط الاتفاق من خلال الاستقالة من الحكومة.
 ليلاخ شوفال، مراسلة عسكرية، أشارت إلى أن الاتفاق لا يضمن القضاء على حماس أو ضمان استعادة الأسرى بالكامل.
 آفي يسسخاروف، صحفي في "يديعوت أحرونوت"، اعتبر الاتفاق سيئاً لـ"إسرائيل"، موضحاً أن شبكة أنفاق حماس لا تزال تعمل، وقدرات الحركة الإدارية نجت من الاستهداف.
 سارة كوهين، كاتبة في "إسرائيل اليوم"، أكدت أن حماس ما زالت قوية وتفاوض "إسرائيل" من موقع قوة.
 ضابط في قيادة المنطقة الجنوبية وصف الجهود العسكرية "الإسرائيلية" بأنها قد تذهب "هباء".

العراقيل "الإسرائيلية" للاتفاق:
واجه الاتفاق معارضة داخل الحكومة "الإسرائيلية"، خاصة من تيارات يمينية متطرفة يتصدرها وزير المالية سموتريتش، الذي يضغط على نتنياهو، فأخفقت الجلسة الحكومة في المصادقة على الاتفاق.
هروباً من الفشل السياسي اتهم نتنياهو حركة حماس بالتراجع عن بعض تفاصيل الاتفاق، ما أخّر الموافقة عليه يوم الخميس الماضي. قيادات من حماس والجهاد الإسلامي نفت هذه الاتهامات وأكدت التزامها بالاتفاق. وقد صادقت الحكومة الصهيونية، السبت، على الاتفاق.

مستقبل العميات اليمنية في البحر الأحمر:
أثارت تقارير الصحافة الغربية عن وقف إطلاق النار في غزة تساؤلات حول موعد استئناف خطوط الشحن العالمية للحاويات عملياتها المنتظمة عبر البحر الأحمر.
تترقب شركات الشحن العالمية تصريحاً من اليمن حول الموضوع. هناك تقديرات أن الاتفاق الذي سيدخل يوم الأحد حيز التنفيذ سيؤدي إلى تخفيف التوترات البحرية في منطقة البحر الأحمر. كما افترض محلل أمني أمريكي أن تهديد القوات المسلحة اليمنية الحوثي للشحن سيظل قائماً حتى نهاية المرحلة الثانية من عملية السلام وانسحاب القوات "الإسرائيلية" من غزة.
في العموم يمثل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تطوراً مهماً بعد أكثر من 15 شهراً من الحرب العدوانية ونصراً للشعب الفلسطيني بفشل العدو في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لعدوانه؛ لكنه يواجه تحديات عدة، أبرزها التزام الجانب الصهيوني بتنفيذ بنوده. وفي ظل دعم الجهود المبذولة من الوساطات الإقليمية، تتجه الأنظار نحو مستقبل القطاع وما إذا كان الاتفاق سيصمد أو سيكون هدنة مؤقتة وتعود بعدها العمليات العسكرية الصهيونية.

أترك تعليقاً

التعليقات