كورونا وتحديات المشروعية الاجتماعية السياسية
- أنس القاضي الثلاثاء , 7 أبـريـل , 2020 الساعة 8:21:30 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا -
وباء كورونا ليس فقط تحدياً طبياً، بل تحدٍّ سياسي يهدد الأنظمة السياسة الحاكمة في مختلف البُلدان التي تواجه هذا الفيروس، وهناك تحدٍّ مضاعف للدول المقاومة لأمريكا والمحاصرة من قبلها، كاليمن وإيران وفنزويلا وسوريا وكوبا وكوريا.
هناك إعجاب بقرار وزير الإعلام الذي أقال مسؤولاً إعلامياً على خلفية نشر خبر مغلوط حول كورونا، وغضب مما صنعه رئيس لجنة مكافحة الأوبئة الذي حضر عرساً بعد قرار الحظر! إن هذا التحدي يمكن أن يصبح فرصة لبناء ثقة المجتمع بأنصار الله وحكومة الإنقاذ الوطني.
هناك قبول اجتماعي وإشادة بما تقوم به القوى الوطنية من إجراءات احترازية لمواجهة فيروس كورونا، ظهرت هذه المواقف في منشورات ناشطين وصحفيين ومواطنين عاديين ممن كان لهم موقف معادٍ واضح لأنصار الله، مساند للحكومة العميلة، وممن يدعون الحياد ويعتبرون أنصار الله سُلطة أمر واقع قائمة بالقمع، ليس لأن صنعاء مثالية، بل لأفضليتها مقارنة بالمناطق المحتلة، وبالتهاون والتواطؤ الذي يسلكه المرتزقة حيال هذا الوباء والمسافرون القادمون إلى اليمن من دول موبوءة.
وجدنا أصحاب هذه الآراء يشيدون بإجراءات صنعاء بتعجب، ويُعبرون عن ذلك صراحة بقولهم: «لم نكن نتوقع أن يأتي يوم ونقول هذا الكلام عن أنصار الله».
إن كورونا تحدٍّ يمكن أن يصبح فرصة لبناء ثقة المجتمع بأنصار الله وحكومة الإنقاذ، فالمجتمع يتراجع عن عصبياته وقت الشدة ليصبح الشرعي هو الأقدر على حمايته من الوباء. ونجد أن حزب الإصلاح في تعز المدينة المحتلة قد بدأ بتلميع نفسه عبر مؤسسة العميل حمود المخلافي، التي وزعت أجهزة قياس الحرارة في منافذ المدينة المحتلة مع الريف المحتل.
ليس وباء كورونا فقط تحدياً طبياً، بل تحدٍّ سياسي يهدد الأنظمة السياسة الحاكمة في مختلف البُلدان التي تواجه هذا الفيروس، وهناك تحد مضاعف للدول المقاومة لأمريكا والمحاصرة.
تعطلت العملية الانتخابية والحريات الاجتماعية الديمقراطية في معظم العالم. وثبات الأنظمة وتجدد شرعيتها، أمام مواطنيها وفي المجتمع الدولي اليوم، قائم على نجاح الأنظمة في مواجهة الوباء، وسيكون له دور في رسم خارطة سياسية محلية وعالمية جديدة، مستقبلا.
ظهرت الصين كدولة فاعلة ذات اقتدار تنظيمي سياسي علمي أخلاقي في واقعها المحلي، وذات اتجاهات إنسانية في السياسة الدولية، بما تقوم به من تقديم مساعدات لدول أوروبية مصابة كإيطاليا وصربيا بعد تخلي الاتحاد الأوروبي عنهما، وهو الأمر الذي دفع مواطنين إيطاليين إلى إنزال أعلام الاتحاد ورفع العلم الصيني بجانب العلم الإيطالي وتقبيل الرئيس الصربي للعلم الصيني.
على النقيض من النموذج الصيني، فقد زادت مبيعات السلاح الشخصي في الولايات المتحدة وظهر فيها أزمة في توفر أجهزة التنفس الصناعي وسباق على المواد الغذائية من قبل مواطنيها، ومارست الولايات المتحدة الأمريكية عمليات قرصنة على مساعدات طبية صينية كانت متجهة لدول كفرنسا وغيرها.
لا شك أن البنية التنظيمية السياسية للصين جعلتها أكثر قدرة على تجاوز هذا الوباء. فالتنظيم السياسي الواحد الذي يوجه المجتمع مركزياً، المتخفف من ضغط المعارضة، هو أكثر قدرة على ضبط السلوك الاجتماعي. كما أن الاقتصاد الصيني المملوك للدولة جعلها أكثر قدرة في السيطرة على السوق وتوظيف كل الإمكانيات الاقتصادية والتقنية والغذائية والبنية التحتية في مواجهة الوباء. وهذه المميزات التي يملكها النظام الصيني تفتقرها سواها من الدول الكبرى الرأسمالية.
فشل طبيعة اقتصاد السوق الحر والرأسمالية الاحتكارية في مواجهة كورونا دفع إسبانيا إلى تأميم مؤقت للمستشفيات الخاصة لاستخدامها في مواجهة الوباء. كما طالب حاكم ولاية نيويورك الأمريكية بتأميم الشركات الطبية. وهذه الإجراءات التي تنتمي إلى التنظيم الاقتصادي الاشتراكي، برزت كحاجة عملية لمواجهة الوباء، والجوهري فيها ليس تبني النظام الاشتراكي، بل رفض اقتصاد السوق الحر القائم على المصلحة والحرية الفردية في التملك والتصرف، وإخضاع الاقتصاد لتخطيط الدولة ورقابتها وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الفردية كما هو عليه حال الدولة الصينية.
رغم أن الصين محكومة من قبل الحزب الشيوعي إلا أن اقتصادها ليس اشتراكياً، بل «رأسمالية الدولة الاحتكارية ذات التوجهات الاجتماعية» مخطط وموجه من قبل الدولة، والقطاع العام الحكومي والتعاوني فيه هو الرئيسي، فالدولة هي التي تمارس الاحتكار وليس القطاع الخاص.
في واقعنا الوطني نحن بحاجة إلى استعادة دور الدولة في الحياة الاقتصادية، وذلك عبر العودة إلى مكانة الدولة في الحياة الاقتصادية اليمنية كما حدده دستور دولة الوحدة، كاقتصاد «رأسمالي ذو انحياز اجتماعي» مخطط وموجه من قبل الدولة، السيادة فيه للقطاع العام، وأعطى الدولة دوراً كبيراً في توجيه الاقتصاد والرقابة وتحديد الأسعار وتنظيم الوضع التمويني.
تحدد الاقتصاد في دولة الوحدة على أن يأخذ أفضل ما في النظامين القديمين ونفي السلبي منهما، فأتاح نشاط القطاع الخاص وجعله مشروعاً وبذلك عالج إشكالية حظر القطاع الخاص الذي كان عليه نظام اليمن الديمقراطي (جنوباً)، وقيد حرية القطاع الخاص وبذلك تجاوز اشكالية السوق الحر الذي كان عليه واقع اليمن العربية (شمالاً). هذه المحددات الاقتصادية تم الانقلاب عليها بعد حرب 94 في التعديلات الدستورية التي تمت عام 1996.
الملاحظ اليوم في سوق الأدوية المحلية احتكار وارتفاع أسعار المعقمات والمنظفات والكفوف والكمامات وفيتامينات (سي) وغيرها من السلع الطبية المستخدمة لمواجهة فيروس كورونا والمساعدة على التنفس ورفع مناعة الجسم بنسبة تصل أعلاها إلى 600%، فمطلوب أن يتم منع الاحتكار ومنع رفع أسعار هذه السلع، والرقابة على المواد الغذائية.
بعض المحلات العملاقة (المولات) بدأت تفرغ بعض رفوفها نتيجة لاستشعار وجود أزمة غذائية، خاصة والبلد في حالة حصار، ومع اقتراب شهر رمضان المبارك. وفي حالة تفشي الوباء -لا سمح الله- فستكون الدولة بحاجة إلى إعلان حالة الطوارئ وفرض النظام المركزي بطابعه العسكري الصارم مع الالتزام بالمظهر الرسمي.
وسيتطلب توظيف مختلف الإمكانيات الطبية التقنية والبنية التحتية والمواد الغذائية التي يملكها القطاع الخاص (فهو مالك كل شيء فعليا) سواء عبر استدانة هذه السلع والخدمات من القطاع الخاص أو تأميمها مؤقتاً مع تعويض لاحق أو تأميمها كاملاً، وهو أمر يجيزه الدستور اليمني الحالي، وفي حالة الاضطرار للدخول في هذه الإجراءات فإن الأولوية يجب أن تُتَخذ ضد ملكيات الخونة ومرتزقة العدوان وكبار التجار الاحتكاريين ثم النزول نحو المتوسط والأصغر.
قرار الاستحواذ المؤقت على فندق موفنبيك لتحويله إلى مركز حجر صحي، يمكن أن يمثل بداية لاستعادة الدولة هيبتها ودورها المفترض في الحياة الاجتماعية الاقتصادية في بلادنا.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي