الكريسمس لم يعد محبذا عندي منذ رحيل الشهيد جار الله عمر
- محمد القيرعي الجمعة , 30 ديـسـمـبـر , 2022 الساعة 6:51:59 PM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
لديّ مناسبتان ثابتتان كل عام لا ينبغي لي تفويتهما البتة: الأولى: الاحتفال بوفاة زعيم كانت زعامته ووجوده ككل وبالاً على البشرية جمعاء، فيما الأخرى مخصصة للانتحاب على وفاة زعيم آخر رحل متدثراً بحب وحزن وعويل وامتنان أمة بكاملها.
المناسبة الأولى تهل عليَّ في 30 نيسان/ أبريل من كل عام، وأحرص عادة على أن تكون لياليها حمراء وماجنة بامتياز ومضاءة بالشموع؛ فقط احتفاء برحيل، أو لنقل مجازاً انتحار زعيم الرايخ الألماني الثالث أدولف هتلر، الذي رحل عن عالمنا غير مأسوف عليه، مكللاً بعار الذل والهزيمة في 30 نيسان/ أبريل 1945 بمعية عشيقته إيفا براون، التي اقترن بها في لحظات عمره الأخيرة، بعد أن كوى العالم ولقرابة عقد كامل بشروره ونزعته الإجرامية بصورة كادت تقوض حقاً كل مظاهر الحياة والحضارة البشرية والإنسانية من حوله.
أما المناسبة السنوية الثانية، والأهم ربما في حياتي، فهي مخصصة للانتحاب والفجيعة بذكرى استشهاد الرفيق القائد جار الله عمر، المغتال بدناءة على يد حلفائه الجدد آنذاك من قوى الإسلام السياسي (حزب الإصلاح) صبيحة الثامن والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2002.
وبالطبع قد يتساءل البعض عن سر انتقائي هاتين المناسبتين تحديداً بتناقض مشاعري حيالهما، وربما أيضاً عن سبب عبادتي الشخصية للأخير، مقابل بغضي وكراهيتي المطلقة للأول (هتلر) وإرثه وذكراه وماضيه الذي بدأ ينذر بالبزوغ مرة أخرى من خلال مواليه المتأخرين (النازيين الجدد في ألمانيا وأوروبا).
وبالطبع فإن كراهيتي المشحونة لهذا الهتلر (الشبيه إلى حدٍّ ما بقبيلي معسوب في بلادنا، يعتمر دشداشة وبندقية في طريق مهجور) لم تكن ناجمة -كما قد يتصور البعض- عن كوني عقائدياً ماركسياً ومبشراً ثورياً بعلم الاجتماع السياسي والاقتصادي، أي على النقيض من همجيته الأيديولوجية والفكرية بنمطها التفوقي والعنصري البغيض، وإنما لكون فلسفة نظامه العنصرية القائمة على أبجدية التفوق العرقي كانت تستهدف السود بدرجة أشد ضراوة وتطرفاً مما استهدف بها الغجر واليهود، وذلك بالنظر إلى أن الكراهية النازية لليهود تحديداً كانت محكومة أساساً بجملة من العوامل والتصورات السياسية والاقتصادية الآنية، ما يعني احتمالية زوالها كفكرة كراهية وكمبدأ فلسفي مع زوال مبرراتها، أي في حال تمكن النازيون آنذاك من خلق وتحقيق شروط النمو والاستقرار السياسي والاقتصادي لإمبراطوريتهم المتوسعة.
وذلك خلافاً لأسباب كراهيتهم العرقية لنا معشر السود، والمحكومة أساساً بجملة من الدوافع والتفسيرات الأيديولوجية واللاهوتية المنطلقة من قناعته الراسخة (أي هتلر) بكوننا مخلوقات بربرية غير ملائمة البتة للعيش والانخراط في الحياة الإنسانية، من منطلق أن وجودنا في الأساس كان -وفق تصوراتهم الفلسفية المريضة- أحد أخطاء الرب والمشيئة المرتكبة في حق جنسهم البشري المتفوق، ونتاجاً لخلل بنيوي تكويني معيق لسبل النجاح والتطور المفترض للجنس الآري الذي يمثله النازيون.
على هذا الأساس تم إبادة كل ما هو أسود واجتثاثه من على وجه الأرض بصفة كلية. ولكم أن تتخيلوا في هذه الحالة ماذا لو قُدِّر لهذا المعتوه العنصري (هتلر) الاستمرارية وفرض وجوده وهيمنته المطلقة في أنحاء المعمورة، على غرار ما حدث في سنوات الحرب الأولى! هل كان سيكون في وسع من هم على شاكلتي (ذوي البشرية السوداء) إجمالاً النجاة من براثن الإبادة التي كانت ستطالنا بالتأكيد في كل مكان نعيش أو نتواجد فيه؟!
وهنا يأتي سبب عبادتي الذاتية الراسخة لشخص وإرث الشهيد جار الله عمر؛ ليس فحسب لكونه كان قائداً حزبياً وسياسياً امتاز بالسمو والمثالية الثورية بشكل ملهم ونادر، وقدوة جمعتني به علاقات رفاقية وشخصية وطيدة وعميقة للغاية، وإنما لكونه كان (رحمه الرب) يشاركني وعن قناعة ذاتية راسخة إيماني العميق بالحتمية العلمية والتاريخية الدالة على نقاء وأصالة عرقنا البشري نحن ذوي البشرة السوداء والداكنة، مقابل وضاعة وانحطاط الأجناس البشرية البيضاء والملونة الأخرى - وعلى رأسها طبقات القبائل في بلادنا بالتأكيد؛ وذلك استناداً إلى المنظور الفلسفي التحليلي الذي تروجه منظمة أمة الإسلام في أمريكا - الخاصة بزنوجها المسلمين، والذي أؤمن به بشدة ومفاده أننا معشر السود كنا ولا نزال أساس الخليقة البشرية منذ لحظات تكوينها الأولى، المتمثلة بخلق آدم وحواء كعرق أسود، وذلك خلافاً للأجناس البيضاء والملونة التي وجدت بيننا كنتاج لخطأ علمي ارتكبه عالم أسود أثناء محاولته دمج القرود بالشمبانزي لتأتي النتيجة مغايرة على شكل مولود أبيض؛ يعني «قبيلي» بالعربي الفصيح!... وهكذا دواليك.
ومن هذا المنظور الإيماني كان للشهيد جار الله عمر تطلعاته لتصحيح مسار التاريخ الإنساني المختل في بلادنا، وإعادة الاعتبار لآدميتنا المستلبة من خلال سعيه الجاد آنذاك لإشراكنا بشكل فعال ومثمر في الحياة السياسية والنقابية والمدنية والبرلمانية والحزبية إلى حد قيامه آنذاك بتمويلي مادياً وتكليفي شخصياً في خضم عملية القيد والتسجيل للقوائم للانتخابية في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2001 للنزول الميداني إلى مدينة ومحافظة تعز وإعداد تقرير بدائرة انتخابية أختارها أنا لأكون مرشحاً رسمياً فيها باسم الحزب وتكتل اللقاء المشترك، فيما بادر هو من جهته بحملة تنسيق ومشاورات مكثفة مع قادة المشترك للترويج لفكرة إشراكنا كمهمشين في الحياة البرلمانية ولإنضاج مسعاه التقدمي والإنساني ذاك أساساً، لولا أن المشيئة والقبائل اتفقوا معاً ليعاجلوه بضربتهم الغادرة والجبانة مقوضين بذلك كل فرص السلام والتقدم والعدالة والاستقرار في بلادنا المنكوبة هي الأخرى بنازية الدم والهيمنة وصرخات الفتوحات المنمقة.
الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي