محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
دخل القطاع المحتل من مدينة تعز مرحلة العصيان الجماهيري الفعلي الذي دشن منذ الأحد الفائت 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بمسيرات جماهيرية حاشدة تطالب برحيل تحالف العدوان ومرتزقته، بوصفهم المسؤولين بصورة رئيسية ومباشرة عما آلت إليه البلاد من فوضى وحروب أهلية متواترة وانقسامات داخلية عميقة وانهيارات متوالية للأوضاع المعيشية والاجتماعية والأمنية... إلخ.
جاء ذلك بالتزامن مع إعلان هيئتي التدريس في كلٍّ من جامعتي عدن وحضرموت إضراباً مفتوحاً عن العمل والتعليم معاً، وللأسباب ذاتها تقريباً التي تتصدرها بطبيعة الحال الهموم المعيشية التي لم تعد آمنة أو في متناول أحد.
الغريب في الأمر أن هذا الغضب والحراك الجماهيري سبقته قبل أيام قلائل تصريحات وتلميحات ناقدة تصب في السياق ذاته، صدرت من قبل بعض كبار المسؤولين والمشرعين الدائرين في فلك العدوان ومرتزقته، بدءاً برئيس مجلس شورى هادي، الدكتور أحمد عبيد بن دغر، الذي أدان صراحة وعلانية السلوك الاحتلالي والعدواني لأبوظبي، بدءاً من سيطرتها المطلقة على محافظة سقطرى وتجريدها كلياً من الصفة والهوية الوطنية، محولة إياها إلى محمية إماراتيةـ "إسرائيلية" بامتياز، إضافة إلى سيطرتها بالوكالة على محافظة عدن تحديداً عبر مرتزقتها في "المجلس الانتقالي الجنوبي" تمهيداً ربما لإلحاقها في المستقبل القريب، وفي حال إخفاق "الانتقالي" بتحقيق مشروع "فك الارتباط" بالوضعية القائمة في سقطرى ذاتها مستنكراً في الوقت ذاته مساعي الإمارات الرامية لتقويض عمل الحكومة العميلة بذريعة هيمنة المطاوعة على أدائها، مروراً بتصريحات لاحقة بيومين فقط صدرت عن عبدالعزيز جباري، نائب رئيس مجلس النواب العميل، عبر قناة "الجزيرة"، يوم السبت الفائت 4 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، حمل من خلالها دولتي العدوان الرئيستين (السعودية والإمارات) المسؤولية الكاملة والمباشرة عن مجمل الفوضى المخيمة في البلاد، ملمحاً إلى أن قرار التدخل العسكري كان هدفه في الأساس سيطرة دول العدوان على الأرض ومنابع الثروات، وإطالة أمد الحرب، وشرذمة القوى الوطنية في الداخل، وإضعاف مؤسسات الحكم في البلاد، وليس "استعادة الشرعية" كما زعموا! مشيراً في هذا الصدد (أي جباري) إلى أنهم كانوا مقيدين منذ البداية عن إبداء هذه الحقائق للناس، وأن آراءهم لم تكن مسموعة بالمجمل لدى قادتهم في سلطة الأفندم هادي، وانتهاءً بتصريحات صدرت في اليوم ذاته، وإن على استحياء شديد، عن وزير خارجية هادي، المرتزق أحمد عوض بن مبارك، الذي دعا عاصمتي العدوان الرئيستين (الرياض وأبوظبي) إلى ضرورة التوافق على رؤية واستراتيجية جديدة لإخراج اليمن من محنته.
عموماً، فبعد ثلاثة أشهر من الآن سيبلغ العدوان على بلادنا عامه السابع بالتمام والكمال، فلماذا تأخرت صحوة الشجب والإدانة السياسية والشعبية كل هذا الوقت يا ترى؟! ألم يفقه هؤلاء طيلة فترة العدوان أن كل ما قامت وتقوم به الرياض وأبوظبي من تدمير سافر وممنهج لكل البني والمنشآت والمشروعات الإنمائية والبنوية والخدمية، بدءاً من استهدافهما محطات توليد الطاقة الكهربائية (صافر 1 وصافر 2) اللتين كانتا تغطيان احتياجات المناطق المحتلة من الطاقة قبل غيرهما، مرورا بتدميرهما للطرق والجسور والمدارس والمستشفيات ورياض الأطفال والأسواق الشعبية والمعامل الإنتاجية والمنشآت الصناعية وتجمعات الأعراس والمآتم الشعبية على رؤوس مرتاديها، كان هدفه الأساس قتل الشعب اليمني وإبادته وتجويع من بقي منه دون استثناء عبر تجريده من كل أسس ومقومات العيش الأمن والكريم، وليس لـ"إعادة الشرعية" كما زعموا؟!
ألم يدركوا أن الغزو المنظم لمحافظة سقطرى وفصلها عن محيطها الديمغرافي الوطني لم يكن عملا ينم عن مسعى أخوي صادق لـ"إعادة الشرعية"، إذا ما افترضنا أن جزيرة سقطرى القريبة بحوالي 30 ميلاً بحرياً من ميناء بومباي الهندي والبعيدة آلاف الأميال عن متناول "الحوثيين"، لم تكن في أي وقت ضمن الضرورات الحربية الساعية على حد زعمهم لـ"استعادة الشرعية"، التي لم يعد لها وجود إلا في أروقة دول العدوان ومجتمع الرذيلة الأممي؟!
ألم يعوا أن إيغال دول العدوان في استجلاب مرتزقة الإرهاب الديني تنظيمي "القاعدة" و"دواعش" من شتى أصقاع الأرض، بالتوازي مع سعيهما لإيقاظ وتغذية النوازع والقوميات الانفصالية في الجنوب عبر الدعم والإنشاء والتسليح السخي للعديد من الكيانات النخبوية المختلفة، على غرار "الانتقالي الجنوبي" و"النخب" الشبوانية والحضرمية واللحجية، لم يكن يهدف إلى "استعادة الشرعية"، وإنما إلى شرذمة البلاد وتجزئتها وتفكيك أوصالها إلى دويلات عدة ومتنافرة بما يسهل إخضاعها والسيطرة عليها مستقبلاً؟!
ألم يفهموا أن سيطرة دول تحالف العدوان على منابع الثروات الوطنية والمعابر المائية الحيوية في كلٍّ من عدن وشبوة ومأرب وحضرموت لم يكن يهدف إلى مؤازرة "الشرعية" المزعومة، بقدر ما هدف في الأساس إلى تجريدها الكلي من كل مواردها الحيوية بغية إيصال الشعب الذي أفرط جزء منه في بداية العدوان برفع لافتات الشكر لأبناء زايد وسلمان، إلى مرحلة من الإنهاك والتجويع المنظم بغية إخضاعه كليا وتجريده من أي قدرة أو إمكانية محتملة مستقبلا على تخطي عثراته ومقاومة مشروعات الغزو والهيمنة السائرة على قدم وساق تحت شعار "استعادة الشرعية"؟!
في النهاية، كان جورج قرداحي سبَّاقاً على كل هؤلاء في تشخيصه لعبثية الحرب والعدوان ضد بلادنا، رغم فداحة الثمن الذي دفعه قرداحي وبلاده لبنان. وبما أن لعنة قرداحي قد أصابت في الصميم بعض ساسة المرتزقة والقوى الجماهيرية والشعبية في المحافظات المحتلة، فما هو الثمن الذي سيتعين على هؤلاء الغاضبين دفعه يا ترى لعيون أبناء زايد وسلمان؛ إن كان لا يزال فيهم قدرة على دفع ما سيتعين، والذي سيعقب بالتأكيد حالة التخدير الموضعي المتخذة من قبل هادي وأسياده على صعيد إعادة بصيص -لا يكاد يلمس فعلياً- لعملة منهارة بانهيار قيم التحالف ومرتزقتهم؟!

* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات