رغم كل جرائمهم..هناك من لا يزال يؤمن بوداعة الخونج!!
- محمد القيرعي الأثنين , 20 مـايـو , 2024 الساعة 8:23:18 PM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
هناك من يتساءل في الوسط الاجتماعي بنوع من الحيرة غالبا عن أن الخونج لم يكونوا هكذا قبلاً؛ أي لم يكونوا بمثل هذا المستوى من السوء والدناءة والبربرية، مردفا تساؤله ذاك وبنوع من التبرير الأخرق بأنها قد تكون أفعالاً ناجمة عن الحرب وأهوالها وعواملها وأسبابها وتداعياتها... الخ.
ولمثل هؤلاء أقول بأن الحرب قد تكون فعلاً أبرزت للعلن أسوأ وأفظع ما في المعدن الخونجي المظلم والبغيض؛ لكنهم هم هكذا أصلا وربما أسوأ بكثير منذ أن وُجدوا ونشؤوا في هذه البلاد المكلومة بهم، حيث البربرية تشكل المعيار الأساس لتكون فكرهم ومذهبهم السياسي والأيديولوجي.
صحيح أن وقائع الحرب الأهلية الراهنة باتت تؤرخ من خلال أحداثها اليومية أنموذجا لجذور البطش والهمجية الخونجية الأكثر قتامة من وجودهم ذاته، إلا أن المسألة التي لا ينبغي أن تغيب عن بال أحد هي أن السوء والبربرية التي سبق وأنتجوها -أي "الإصلاحيين"- في الظل خلال العقود الماضية والقاتمة من نشأتهم وعلى امتداد مراحل العملية الثورية الوطنية تفوق بكثير ما أنتجتها عقلياتهم الإجرامية علناً في الوقت الراهن.
ذلك أن الإخوان وعلى امتداد تاريخهم الحركي المشؤوم اعتادوا على بث شرورهم وسمومهم ودمارهم في حياة الأمة والبلاد عبر الاختباء الذي أجادوه دوماً خلف أطراف وتكتلات سياسية وحركية كبيرة، مثل اختبائهم خلف الدين والقبيلة حينما جردوا سيوفهم المخضبة بالعمالة ضد الشهيد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي، في مشروع إجرامي بدأ بتجمع قبلي حاشد لمشائخ اليمن بمنطقة "خَمِر" مسقط رأس عبدالله الأحمر وبقيادته أيضا، في منتصف العام 1975، والذي طالب خلاله المجتمعون مملكة الرذيلة السعودية بمساعدتهم لإزاحة الحمدي من السلطة وبأي طريقة ممكنة، الأمر الذي أوفدت على ضوئه الرياض آنذاك ومن فورها طبعا رئيس جهاز مخابراتها الأمير تركي الفيصل إلى "خَمِر" للبدء بتنسيق خطوات المؤامرة السعوخونجية ضد الحمدي، والتي تنامت خطوطها وصولا إلى قيام القوى ذاتها في كانون الثاني/ يناير من العام 1977 بمحاولة احتلال صعدة ومحيطها الديمغرافي عبر إعلان الجهاد الديني ضد الحمدي، وبقوة قتالية مكونة من أكثر من عشرة آلاف مرتزق قبلي، وهي المحاولة التي انتكست في مهدها، ليتحولوا بعدها إلى نسج خيوط التآمر لاستهداف الحمدي عبر الحلقة العسكرية والمدنية الضيقة والمحيطة به في الداخل، الأمر الذي نجحوا فيه بامتياز يوم الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر المشؤوم عام 1977، حينما قاموا باغتياله وبأسلوب لم يعهده اليمنيون قبلا، حيث قاموا باستدراجه إلى وليمة غداء في منزل نائبه ورئيس أركانه آنذاك العميل المقدم/ أحمد الغشمي، وبحضور عدد من قادة الخونج وأعوانهم، وعلى رأسهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وقاموا حينها بتصفيته إلى جانب شقيقه المغدور قبل وصوله بدقائق المقدم عبدالله الحمدي، بالاضافة إلى فتاتين فرنسيتين أشيع آنذاك أنهما ابنتا السفير الفرنسي في جيبوتي، واللتين تم جلبهما بواسطة الاستخبارات السعودية وتم قتلهما أيضا لتأمين الذريعة الدينية المطلوبة لتبرير الجريمة، حيث قاموا بنقل الجثث الأربع إلى منزل آخر غير مكان الجريمة كان قد أعد مسبقا لهذا الغرض، وليقوموا حينها وفي سياق سعيهم لتبرير جريمتهم النكراء تلك بحق الشعب والوطن بالتقاط جملة من الصور الملونة لجثث الشهيدين من آل الحمدي بعد تجريدهما من الملابس إلى جانب جثث الشابتين الفرنسيتين بهدف الإيحاء بوجود دافع ديني وأخلاقي للجريمة، بغية الإيغال بتشويه سمعة وصورة الحمدي وأخيه والنيل من إرثهما الوطني في نظر شعبه المحافظ.
ولعل ما يستشف من ظروف ودناءة تلك الجريمة هو أنها لم تكن فعلا عفويا عابرا، بقدر ما كانت فعلا جرميا منظما ومعداً له بدقة وعناية على يد منظومة رجعية متعصبة تضم تحالفا كبيرا ومنظما من القوى القبلية والدينية، وفي واقعة بينت ولا تزال مدى القوة والضراوة التي تتحكم من خلالها هذه المنظومة الإجرامية بمصير البلد والشعب عبر مراكز النفوذ القبلي الذي تديره وبتمويل وإسناد سعودي مفتوح بدأت نذره الفعلية في التشكل منذ العام 1964 ولا يزال حتى اللحظة.
وعموما يمكن القول إن بلادنا لم تشهد خلال تاريخها كله نهوضا تنمويا واقتصاديا وبنيويا جبارا وخلال فترة قياسية وجيزة سوى في عهد الرئيس الشهيد المغدور إبراهيم الحمدي (حزيران/ يونيو 1974- تشرين الأول/ أكتوبر 1977)، والتي لم تنل -أي إنجازاته بالطبع- رضا الخونج والرياض فقط، بحيث لا تزال شعبيته العارمة اليوم وبعد ما يقرب من 47 عاما على رحيله شاهدة على مقياس عدله وتقدميته وإنجازاته الوطنية قياسا بالدمار والفوضى والخراب التي خلفها وراءهم خونج اليمن في محيط الحياة الوطنية إجمالا.
ولكم أن تتخيلوا معي ماذا لو كان قُدِّر للحمدي حكم البلاد لعقد زمني واحد فقط دون وجود الخونج من حوله، إلى أي مدى كان يمكن أن يأخذنا في مصاف التقدم والحداثة والاستقرار الوطني، لولا الخونج، الذين شكلوا في عهده أكبر وأبرز حجرات العثرة الماثلة أمام تطلعاته الوطنية المثلى والخلاقة. وما حدث مع الشهيد إبراهيم الحمدي لا يشكل في الواقع سوى أنموذج ضئيل لمدى وكارثية أفعالهم التي توالت ولا تزال حتى هذه اللحظة التي نكافح فيها على وجه التحديد للتصدي لإرثهم الممزوج بالدم والرعب والوحشية.
فخلال حقبة ما بعد الحمدي، ظل الإخوان المهيمنين الفعليين على مفاصل الحياة الوطنية والثقافية والفكرية، مما يفسر حجم نفوذهم الذي تنامى مذاك ليشمل مجمل الحياة والعلاقات الوطنية إجمالا، وليساهموا ممن خلاله في إبقاء البلاد مدرجة على الدوام ضمن قائمة الدول الأكثر بؤسا وتخلفا وفاقة وأمية وتعثرا ودكتاتورية... الخ.
وحينما حانت لحظة الحداثة الحقيقية بالنسبة للشعب اليمني مع انبلاج عصر الوحدة والتعددية السياسية والمدنية، كان الخونج على رأس القوى المتربصة بهذا المنجز الحضاري الجبار، من خلال إفراطهم آنذاك في توظيف واستخدامهم سلاح الفتاوى التكفيرية لبث سموم الفرقة والتشرذم والتحريض الطائفي والمذهبي والمناطقي الذي أدى في نهاية المطاف إلى تقويض الوحدة من أساسها عبر حرب صيف 94م الانقلابية، ثم القضاء كليا على المشروع المدني والحداثي برمته، الأمر الذي أعاد البلاد إلى سابق عهدها الماضيوي المتحجر والمغموس في مستنقع الدكتاتورية العسكرية والدينية.
ودون الحاجة إلى استعراض دورهم التحريضي والتآمري في إشعال فتيل الحرب المذهبية في شمال الشمال بجولاتها الدموية الست، وصولا إلى إغراقهم البلاد في نهاية المطاف في مستنقع العمالة والارتزاق عبر إصرارهم على استدعاء القوى الاستعمارية الأجنبية لاحتلال البلاد وتجزئتها ونهب ثرواتها والتنكيل بشعبها... فإن المسألة لا تحتاج إلى الكثير من الفهم والتمحيص لإدراك أن وراء كل نكبات البلاد وأزماتها الطاحنة والمتوالية نجد عصابات حزب الإصلاح وبصماتها الدامغة... وإذا ما نظرنا اليوم لعمق الشروخ والانقسامات الوطنية التي تفتت بنية المجتمع اليمني شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، سنجد أن الخونج هم وراء نشوئها كظاهرة شاذة وهدامة.
الأمر الأكثر مأساوية يكمن ربما في المناعة التي يتمتعون بها رغم كل إرثهم الدموي والتآمري والإجرامي، لدرجة وكما برهنت مجمل الأحداث العاصفة أن كثيراً من النظم والنظريات السياسية والحركات الثورية التي تعاقبت على امتداد مراحل العملية الثورية الوطنية بدت كما لو أنها عاجزة كليا عن اجتثاث مثل هذا الشر الخونجي الذي لا يسبر غوره، فهل بعد هذا الإيجاز سنجد أن هناك من لا يزال يؤمن حقا بوداعة ووطنية هذه القوى القادمة والناشئة من حواصل الشيطان ذاته؟!
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي