مقاربة نقدية لبعض الشوائب العالقة في مسار العملية الثورية.. روح الله أم روح الثورة الوطنية؟! أيهما المساوى؟!
- محمد القيرعي الجمعة , 24 ديـسـمـبـر , 2021 الساعة 6:34:37 PM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
تعرض, الأسبوع قبل الماضي, رفيق الكفاح القاضي أحمد أمين المساوى لحادث عرضي أسفر عنه إصابة معصمه بكسر جزئي خضع على إثره لتدخل جراحي عاجل. سلامات لهذا المناضل الشعبوي الذي لم يمهل مصابه الشخصي والمفاجئ ذاك حتى يومين للتعافي على الأقل، على طريقة بعض مدعيي الثورة ولصوص أمجادها، وذلك قبل أن يعاود نضاله الميداني والتعبوي والإغاثي المحموم على كامل النطاق الديمغرافي لتعز الحرة.
وفيما قد يعتبر البعض مصاب المساوى حدثاً لا يستدعي الذكر حتى، خصوصاً إذا ما قورن بحجم وبشاعة النزيف الدموي المزمن الذي يدمي شعبنا وبلادنا بصورة مستمرة ومأساوية منذ عقود زمنية طويلة، وإن كانت أشدها وطأة الأعوام السبعة الأخيرة من زمن جرائم تحالف العدوان الفاشي ضد بلادنا، إلا أنها من وجهة نظري ليست كذلك بالتأكيد، بالنظر إلى أثرها المفجع على نفسيتي، انطلاقاً ليس فقط من كون هذا الثائر المتفاني والخالي من رتوش الزيف السلطوي المجرد، بات مدرجاً أصلاً من قبلنا ضمن قائمة «الأخدام الجدد» المرحب بهم بحرارة من قبلنا (نحن معشر الأخدام التقليديين) في إطار موجة التهميش الإقصائي المتمددة التي طالت خلال العقود السبعة الفائتة -على الأقل بصورة مركزة وبشعارات ثورية زائفة- العديد من القوى والطبقات الاجتماعية، وعلى رأسها طبقة الهاشميين التي ينحدر منها رفيقنا المساوى، وإنما بالنظر أيضاً -وهذا هو الأهم- إلى القدرة العفوية الفريدة والخلاقة التي يمتلكها هذا الرجل في خلق واستنهاض عناصر الكفاح السياسي والجماهيري الشعبي، خلافاً للإخفاق المتنامي الذي يحصده أغلب الكبار في مواقع صنع القرار الثوري في هذا المنحى، جراء عجزهم المنهجي عن فهم واستلهام مثل هذه الخواص الثورية المهمة جداً لمجابهة مخاطر وتحديات الحرب والعدوان والانقسام الوطني السائدة.
إن مزج المثل الإنسانية بالسمو وبالمثالية الثورية هي أمور يُعد توافرها من وجهة نظري أفضل ما يمكن أن يقدمه مناضل طموح ومنظم لثورة مُحاصرة تحتاج في خضم هذا المسار المركب والمتعرج للصراع الطبقي القائم والمحتدم إلى ضرورة اعتبار العامل الجماهيري المساند والمتوسع باطراد حاسماً في جعل الرهان يميل دوماً لمصلحة الظفر الثوري النهائي.
وهو الواقع الذي استشرفته بجلاء وبشكل عميق خلال أغلب سني شراكتي الكفاحية مع المساوى والممتدة لقرابة عقدين كان لهما الأثر النفسي والثوري والمعنوي الهائل الذي مكنني بدرجة أكيدة من إعادة صياغة مفهومي الكفاحي آنذاك عبر استنباط مقاربة استلهمتها من وعيه الثوري المتقدم، عبر مبادرتي المبكرة في مزج ومواءمة معتقداتي السياسية والثورية (كعقائدي ماركسي، ومبشر ثوري بعلم الاجتماع السياسي والاقتصادي) مع صرخة الكفاح المثابرة المنطلقة من جبال مران، في بوتقة واحدة أهلتني فيما بعد لأصبح ربما أول «هاشمي أسود» في اليمن، لولا أن هذه التجربة استُهدفت فيما بعد بضراوة من قبل بعض من يمتلكون ناصية القرار الثوري والأمني والسياسي الفوقي، جراء تفسيرهم الانهزامي المنحرف لشكل ومسار العملية الثورية للحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014، محولين إياها من ثورة وطنية جامعة وحاضنة لكل فئات وطوائف المجتمع المقصية والمهمشة التواقة للخلاص والانعتاق من نير التسلط والاستبداد العسقبلي إلى بيئة طاردة لغير(...)!
وهنا يكمن بيت القصيد، من خلال الفارق الكامن بوضوح ما بين قيادي ميداني مغمور، على شاكلة المساوى، يقدم ومن خلال عفويته الثورية المطلقة والتزامه الأيديولوجي الخالي من نزعات الزيف والتسلط الاستحواذي، برهاناً عملياً عن المدى الذي يمكن لعفوية التبشير بأسس ومبادئ الثورة الاجتماعية المتواصلة بلوغه في مقارعة عروش الطغيان حتى انتصارها.
وما بين القدرة على الهدم والفوضى والدمار التي عادة ما يخلفها، وعلى المسار الثوري ذاته، بعض الممسوسين بأوهام القوة والتفوق الشللي المستند إلى تفسيرهم الضال في أن ثورة 21 أيلول نجحت واستكملت جميع مراحلها وتحولاتها يوم قيامها، ولم يعد هناك من أمر يقوض سعيهم في تفيد المكاسب والامتيازات الشخصية، مقوضين بذلك كل أسس ومبادئ العمل الثوري الجمعي والمشترك، الأمر الذي يجعل من هذا المساوى معياراً ثورياً حقيقياً منتجاً لا يمكن مقايضته من وجهة نظري ولا حتى بدستة من صنف النخب الفوقية الضارة تلك، والتي شكلت من خلال انتهازيتها معاول هدم حقيقية لمسار العملية الثورية برمتها.
في النهاية، أذكر أنه وعقب مغادرتي صنعاء محبطاً في كانون الأول/ ديسمبر 2018 فوجئت بالقاضي أحمد المساوى يتصل بي هاتفياً، وكنت حينها قد وصلت لتوي إلى عدن. وفيما كنت منصتاً بترقب لما توقعت حينها أنه سيقوله مثل كيل السباب والشتائم وتهم العمالة والارتزاق، إذا به يطلق تنهيدة متحسرة كانت ناجمة كما أخبرني حينها عن شعوره بمرارة الخسارة الثورية، كون رحيلي شكل من منظوره فقدان الثورة لأحد أبنائها لا أكثر، وهذا ما شكل لي حافزاً آنذاك للتمسك بضراوة بولائي وانتمائي لثورة 21 أيلول، عبر الاستمرار في مناوئة العدوان ومرتزقته في عقر دارهم، بالطريقة التي كان سيفعلها هو بالتأكيد.
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي