محمد القيرعي

محمـد القيرعـي / لا ميديا -
قالت جماعة الباسك قديما إنه "متى ما بدأ الثعلب في الوعظ فقدت دجاجتك".
وهذا صحيح، وإن كان ينطبق من وجهة نظري بصورة مؤكدة على ما أورده المتحدث العسكري باسم تحالف العدوان، تركي المالكي، في مؤتمره الصحفي الذي عقده الأسبوع الفائت في مدينة عتق بمعية محافظها الجديد والمعين من قبل نظام الأفندم هادي العميل، والذي تحدث فيه وبإسهاب عميق وبطريقة أراد منها دغدغة مشاعر اليمنيين وأولئك المغرر بهم عن بدء ما أسماه معركة "حرية اليمن السعيد"، والمقصود بها تحرير شبوة، بأبعادها السياسية والعسكرية والإنمائية، كما أشار، مع إنه لم يحدد في هذا السياق ما إذا كان وجودهم غير المحمود هو مبعث سعادة اليمن السعيد، أم إنجازاتهم المحققة على الأرض، والتي حولت اليمن غير السعيد -بحضورهم طبعاً- طوال سبعة أعوام من بربريتهم العدوانية إلى أطلال، حيث لا بنيان قائمة ولا حياة آمنة ولا معيشة ممكنة ولا عائلات مستقرة ولا مقابر تتسع لجثامين ضحاياهم من نساء وأطفال وشيوخ ومدنيي هذا البلد الموسوم زورا بالحكمة والسعادة، ومع هذا لا يخجلون البتة من التحدث علانية بوصفهم فاتحين ومحررين حقيقيين فيما لم يخلفوا وراءهم سوى الفوضى والتفكك والخراب.
اللافت في هذا الأمر يكمن في تزامن تصريحات تركي المالكي تلك مع تصريحات مشابهة، من حيث مدلولها الضمني، صدرت في الوقت ذاته عن رئيس حكومة هادي العميلة، معين عبدالملك، أشار فيها إلى أنه بعد شبوة سيحين موعد تحرير كل من حضرموت والمهرة البعيدتين كلياً كما هو معلوم وبمئات الأميال عن متناول "الحوثيين" وعن رحى الحرب الدائرة أصلاً منذ بدايتها إن جاز التعبير. وهنا يكمن السؤال الرئيسي ربما والمتمحور أساساً حول المغزى الحقيقي من وراء تصعيد تحالف العدوان الحالي، وبصيغته الإماراتية تحديداً، خاصة مع ما سبقه أو رافقه أيضاً من أحداث ومتغيرات شملت بعض المناطق والمحافظات الواقعة في نطاق الحزام الجنوبي المحتل، وبالأخص تلك التي كانت أو التي لا تزال تحت هيمنة تحالف الرذيلة (علي محسن الأحمر وحزب الخونج).
فعودة الإمارات في الآونة الأخيرة للانخراط بقوة في توجيه دفة العمليات الميدانية في شبوة ومحيطها الديمغرافي تحديداً، سواء بشكل مباشر أو عبر عملائها ومرتزقتها الكثر على اختلاف تسمياتهم واتجاهاتهم (الانتقالي الجنوبي، النخب المختلفة، ألوية المرتزق طارق عفاش)، وإذا ما أضفنا إليها طبيعة الترتيبات الإدارية والعسكرية والأمنية التي سبقت بأيام قلائل جولة التصعيد الحربي الأخير وبالتحديد في نطاق محافظة شبوة، سواءً تلك المتعلقة بالتغييرات الإدارية الجوهرية التي طالت رأس هيكلها المحلي عبر استبدال محافظها السابق الموالي لجماعة الخونج والرياض بآخر يوالي القوميين الجنوبيين والإمارات أو تلك المتمثلة بتعزيز الحضور الأمني والعسكري واسع النطاق لمرتزقة الإمارات عبر استجلاب ألوية العميل طارق عفاش وما يسمى "ألوية العمالقة" الجنوبية على حساب الوجود المليشياوي التقليدي لعملاء الرياض (علي محسن الأحمر وحزب الخونج) الذين تعرضوا وبشكل مهين للإقصاء والتقزيم الفعلي بصورة قد تكون مقدمة لإنهاء وجودهم بصفة دائمة ونهائية في مناطق الحزام الجنوبي المحتل في قادم الأيام كما هو متوقع...
الأمر الذي يوضح بجلاء أن معركة التحالف وترتيباته الجارية حالياً في شبوة، والمتوقعة قريباً في حضرموت والمهرة، وإن كان في ظاهرها التصدي للمد "الحوثي" وللمشروع الإيراني المزعوم كما هو معلن، إلا أنها وفي باطنها تؤكد بوضوح وبشكل لا لبس فيه، ليس فحسب على المدى الذي بلغته حالة التباين والاحتقان الكامنة في علاقة دولتي العدوان الرئيستين (الرياض وأبوظبي) في إطار صراع النفوذ المحتدم بينهما رغم محاولتهما المفضوحة مؤخراً للظهور بمظهر الوفاق السياسي من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده تركي المالكي في شبوة لتسويق معركة تحمل البصمة الإماراتية الخالصة والمنفردة، بقدر ما تبين بجلاء خطوط المسار الحربي التصعيدي الإماراتي الأخير بمساراته المتعددة، والتي لا تقف بطبيعة الحال عند حدود التصدي لـ"الحوثيين" كما هو معلن، بل تتعداها لتبلغ حدود الاستهداف الممنهج لأوائل عملاء ومرتزقة العدوان (حزب الخونج وعلي محسن)، الذين انتهت صلاحيتهم الاستهلاكية على ما يبدو من وجهة نظر الإمارات، الأمر الذي تعين على ضوئه ضرورة دحرهم من مناطق الحزام الجنوبي لحصرهم في بوتقة المواجهة مع "الحوثيين" في النطاق الشمالي فقط.
هذا يعني أن عودة أبوظبي القوية إلى ميدان المعركة وقيادتها المباشرة لما يجري في شبوة ومحيطها هدفه الأساس إعادة ترتيب خارطة المنطقة وأدواتها الطيعة والعميلة على مبدأين أساسيين على أقل تقدير:
أولهما: تهميش وتقزيم الوجود السياسى والمليشياوي لتحالف "الخونج ـ علي محسن" تمهيداً لإنهائه كليا وبالتدريج من الخارطة الجنوبية إن جاز التعبير.
وثانيهما: تعزيز وتقوية الحضور الأمني والمليشياوي والعسكري لعملائها ومرتزقتها هناك على اختلاف تسمياتهم، وبالأخص ذوي النزعات القومية المتطرفة، مثل "الانتقالي الجنوبي" والنخب المتعددة، بغية تعزيز نفوذها الإقليمي ولاستخدامها كورقة ضغط تفاوضية مستقبلا من جهة، ولربما وهذا هو الاحتمال الأسوأ تعبيد الطريق وجعلها سالكة للسير في المشروع الانفصالي الذي يشكل لب الأجندة الرئيسية لنشاط عملائها في التخوم الجنوبية إلى وجهته الحتمية من ناحية أخرى.


* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات