محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
إنه لأمر مؤسف ومؤلم حقا أن يتحول كاتب وصاحب قلم وطني بحجم الزميل الأستاذ فكري قاسم إلى مهرج عديم النفع والمصداقية.. بالصورة التي جسدها مؤخرا في منشوره الأخير ضدي والمعنون بـ"أنا الرئيس خلال 24 ساعة القادمة"، بما حواه من أكاذيب وتهكم وشماتة وتجريح شخصي طالني دون سبب مقنع سوى رفضي الدخول في زوبعة الارتزاق لأحظى بالتبجيل المستحق كما أشار الرفيق العزيز والعظيم بحق، صلاح الدين الدكاك في رده على المنشور آنف الذكر.
لعل أغلبنا شاهد ولا شك تلك المقاطع المتداولة على اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والمشحونة بالفظائع الدموية والإجرامية المرتكبة من قبل "دواعش" سورية، أو "محرريها" المزعومين، على حد وصف وسائل الإعلام العربية والعالمية، بحق الجنود والمواطنين السوريين على حد سواء، من خلال أعمال القتل والسحل وطقوس الذبح الاستعراضية والمصحوبة عادة بصرخات التكبير والتهليل الدينية، عدا عن الإعدامات الجماعية والدفن في المقابر الجماعية أيضا لضحاياهم، وكأنهم يمارسون طقوساً شعائرية عادية بصورة لم يرَ العالم مثيلاً لها في بربريتها منذ ثمانية عقود مضت على الأقل، أي منذ نزوة النازيين الإجرامية التي عمت أغلب أنحاء القارة الأوروبية آنذاك شرقا وغربا.
وفي الحقيقة فإن تلك المشاهد جعلتني أتساءل حول حقيقة ما إذا كان يمكن لأي ربّ أو إله أن يرتضي لنفسه أو يقبل حقاً أن تمارس تلك الطقوس وأن ترتكب تلك الأعمال والفظائع المهولة باسمه ونيابة عن جلالته دون أن يطرف له جفن حتى!
وأي دين أو عقيدة يا ترى يمكن أن تصبح مقبولة وأن تتعايش مع العقل والضمير البشري العالمي إذا كانت تتسم بذلك القدر من همجية وبربرية القرون الوسطى!
أو ليس الله (الذي يحتكر دواعش ومطاوعة المرحلة تمثيله بشكل حصري على الأرض) هو ذاته الذي حرّم القتل والتنكيل بتلك الطريقة، والذي شدد أيضا في تعاليمه المكتوبة على ذاك التحريم القطعي في حالة الحروب الأهلية، حينما قال في محكم كتابه (سورة البقرة): "وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ".
إذن، عن أي ربٍّ يتحدث الدواعش وداعميهم في مشيخات الخليج الفارسي؟! وأي إله يمجدون يا ترى بتلك الطقوس البربرية والموغلة في الهمجية والوحشية؟! لأنه وبحسب علمي -كعقائدي ماركسي- فإن جميع آلهات العالم السفلى والعليا ينبذون في تعاليمهم المعممة ما يدعيه مطاوعة العصر من دواعش وخونج وداعموهم من معتمري الدشداشات المسربلة، بدءاً من "الرب تعالى" إلى سيد التلمود "يهوه" مروراً بالحكيم الآسيوي بوذا، وآلهتي الهندوس في الهند ونيبال (شاكتي، كوماري ديفي)، وصولاً إلى آلهات العالم السلفي لهنود القارة الأمريكية على غرار آلهة شعوب المايا -كالإله "كوكولكان" الذي يطل على رعاياه بهيئة ثعبان مزين بالريش كرمز أساسي لدورتي الحياة والموت.
ولعل السؤال هنا يكمن في ما إذا كان في مقدور الدواعش أينما وجدوا وداعميهم في الخليج أن يتخيلوا الصورة النمطية السلبية التي يمكن أن تطرأ في مخيلة أي متعاطف مع قضايا الشعوب العربية والإسلامية حينما يطالع تلك الصور والمشاهد الحضارية التي تجسد الطموح التحرري المزعوم للدواعش وأسيادهم، سواء في سورية أم في باقي منطقتنا العربية والإسلامية المنكوبة بوجودهم.
وهل في مقدورهم أيضا (أي الدواعش وأسيادهم أينما وجدوا) أن يدركوا في الوقت ذاته أن الإسلام والمسلمين يخسرون في كل موقعة أو نزال مع أعدائهم بسبب مجونهم الدموي والإرهابي المعمم على أوسع نطاق كظاهرة ثورية وهوس لاهوتي محموم؟!
وهل يمكن لأي أمم في محيط الكرة الأرضية أن تقبل مجرد فكرة التعايش السلمي والحضاري والإنساني المحتمل معنا كشعوب عربية وإسلامية في ظل تلك الصورة النمطية من صور الانحطاط والبربرية التي دأبوا على ترسيخها عنا في أذهان العالم أجمع؟!
في النهاية، ربما أفلح أعداء السلام والعدالة والحرية وسماسرة الانبطاح والتبعية في اختتام مشروعهم التآمري المفتوح ضد الشعب السوري بإسقاط نظامه التقدمي والثوري المقاوم، بعد أربعة عشر عاما من العناء والدمار والدماء التي أريقت على مذبح الكفاح الوطني التحرري للشعب السوري المقاوم على الدوام للهيمنة الاستعمارية المعممة الآن كأحد أوجه الحضارة الإنسانية.
وصحيح ربما أن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيمثل -وهذا مؤكد- الفرصة السانحة والمرتقبة لمسلحي تنظيم "داعش" المتطرف ليس فحسب لفرض هيمنتهم ومجونهم الدموي والاستبدادي على مفاصل الحكم وعلى حاضر ومستقبل الشعب السوري المنكوب، وإنما أيضا لتقديم ديننا وعقيدتنا بأسوأ الصور الممقوتة والعقيمة والمشوهة كما جرت العادة في كل منطقة أتيح لهم حكمها.
لكن الأمر المؤكد هو أن سقوط بشار ونظامه لن يكون سقوطاً أبدياً، بقدر ما يمكن اعتباره نكسة قومية مؤقتة حاقت بنظام حكم ثوري مقاوم، وإن سقط بفعل عوامل وأبجديات الردة والتآمر والارتزاق التي سادت وانتشرت في مفاصل أمتنا الثكلى والمكلومة كالنار في الهشيم، إلا أن إرثه وأثره وماضيه الثوري المقاوم سيظل حاضراً وراسخاً في الوعي القومي العروبي والإسلامي المقاوم، كأيقونة ملهمة في طريق الخلاص المرتقب من براثن الهيمنة الاستعمارية والتبعية المريضة والمهينة لأمة سيلوح خلاصها ذات يوم ولا شك، من منطلق حقيقة أن مصير الشعوب والمجتمعات المكتوية بالضرورة محكومة على الدوام بالتحولات الثورية التي تحدد معالم سيرها ومستقبلها، كما أكد على ذلك الرفيق القائد والملهم والمعلم كارل ماركس.

أترك تعليقاً

التعليقات