الهروب الأمريكي الكبير
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
تبريرات بايدن لهزيمته التاريخية وهروبه المتسرع والمذل وتحت جنح الظلام من أفغانستان شبيه بتبريرات باراك عند انسحابه من لبنان. ودائماً ما تجد الهزائم مبررها في ثقافة العاجزين، وتجد النكسات تفسيرها في الحظ، ويجد التقصير مبرره في اللاإرادية. وللانحطاط أسبابه الضرورية، ويصبح المسؤول غير موجود.
لقد توغل الشعور بالعجز والفشل والهزيمة إلى المشروع الأمريكي في المنطقة، بل إلى كل أجزاء النظام الإمبريالي الكوني وهيكليته الظالمة وقاعدته الثابتة من الانحطاط والهوان والنذالة والغدر والخيانة، وأصبحت تلك الصفات غير مستفزة بالنسبة للنظام العالمي البشع والقبيح، لأنه قد وصل إلى درجة الصفر التي هي مستوى الاستقرار في التفاهة والهامشية، عندها يبدأ العد التصاعدي في تراكم الدونية، ويبدأ الشعور بتراكمها ولم يعد أمام العاجز سوى الانهيار والسقوط الحتمي والدخول تحت عباءة النادبات الباكيات ولاطمي خدودهم وقفيهم، وخلق مسوغات مرضية لتبرير الهزيمة التاريخية والفشل والسقوط السياسي والعسكري والأخلاقي، وإدانة الفرص والظروف والحظوظ والخطوط المتقاطعة ومربعات برج الميلاد وضرب الودع، والتصريحات السمجة بعدم رغبة الأفغان في التحرر والدفاع عن وطنهم.
لقد تهشمت صورة أمريكا القوية في المنطقة وأدواتها قلقون من هزيمتها التاريخية في أفغانستان وترك أدواتها خلفها دون حماية. أمريكا لا تهتم بمصير أدواتها أبداً. تستخدمهم كأوراق الكلينكس لمرة واحدة لتحقيق أهدافها وتتركهم لمصيرهم المحتوم (الزبالة)، فمن يخون وطنه لا أمان له وسوف يواجه مصيره لوحده، إذ لا حماية أمريكية أبداً، فالأمريكان اليوم يحتاجون من يحميهم من ثورات الشعوب في اليمن وسورية والعراق ولبنان، أمريكا فشلت في أفغانستان، وأيضاً فشلت في العراق وسورية واليمن، ومشروعها في المنطقة يشهد تراجعاً مستمراً، وهذا يعني أن أمريكا، وإن كانت تمتلك القوة الأكبر وهي سيدة العالم الجديد، وتبدو وكأنها تحمل بين جنباتها الفراديس السبع المعلقة والتي تتسع للبشر أجمعين، ومع ذلك لم تستطع أن تستوعب النفر القليل من أدواتها في أفغانستان، ولن تستطيع أن تتحكم بالكون بمفردها والهيمنة على البشرية بشكل كامل وبالطريقة التي تريد وتجعلنا نرضخ لإرادتها، ونطبع مع "إسرائيل"، ونخضع للوصاية السعودية، ونصطف طوابير متراصة لكي ننتسب إليها ونسير في فلكها وبالطريقة التي يفهمها بعض السطحيين الذين شلت عقولهم وعميت أبصارهم، فظنوا ألا غنى لأحد عن أمريكا، وأن تغيير الحال من المحال، وأن زمن التحدي والتغيير قد ولى، وأن قضاء الأرض أعظم من قضاء السماء.
إن على الجميع أن يفهم حقيقة مفادها أن أمريكا ليست القوة التي لا تقهر، وأن بإمكان الشعوب الفقيرة وبإمكانياتها البسيطة المتواضعة أن تهزمها وتذلها، وأن الولاء لأمريكا والعمالة للدول الاستعمارية لا يمكن أن يكون الضمانة للاستمرار والبقاء، وأن الشرعية الوحيدة التي يمكن أن تمنح للحاكم ونظامه السياسي هي الشرعية المستمدة من الشعب، وكل ما عدا ذلك مجرد سراب وأوهام، ولذلك فإن الرئيس الأفغاني الموالي لأمريكا فر هارباً بعد سقوط كابول.

أترك تعليقاً

التعليقات