الخنازير بأسمائها
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -

ليس عيباً الخروج على اللغة الحصيفة وتسمية الخنازير بأسمائها، وأن نسمي الإمارات والسعودية ومشيخات التطبيع مع العدو بأسمائها الحقيقية، كيانات هزيلة لا تجيد غير عقد (المؤتمرات الكرنفالية) التي لا تتمخض إلا عن بيانات الشجب والاستنكار، والمؤامرات الدنيئة على الشعوب العربية (صفقة القرن وبيع القدس)، وبقدرة قادر تحول عدو الأمس إلى حليف وصديق، لأن سحابة صيف عابرة أتاحت لتلك الكيانات القزمية المتهالكة أن تبرز نفسها وكأنها أقطاب مؤثرة تحرك سياسات العالم واقتصادها، لذلك لا بد من تسمية الخنازير بأسمائها، وإن كنا بذلك سنثير السخط، وسنزعج اليقين المريح للبعض من الذين ينصاعون للغرائز، وينساقون للحضائر وللأوكار، وكأنه كتب عليهم أن يبقوا مدمني الذل، مطأطئي الرؤوس، ممزقين، متخلعين، ونتوءات تثير الاشمئزاز، بمواقفهم المتناثرة وبصماتهم المميتة في كل الساحات، وبأهدافهم وأنشطتهم المتعددة في العمالة والدناءة وفي كل ما تسبب بتمزيق خريطة الوطن إلى شظايا وفي كل ما أوصلنا إلى ما نحن عليه من ضياع وتخلف وسنوات عجاف، بهويتهم الضالة، هوية هذا الزمن الردئ، وأنظمة القهر والهزائم وعصور الانحطاط والنزعات الدموية والموت العبثي.
مهنتهم هي مهنة حفار القبور، وما أكثر ما دفنوا من ضحايا بتحالفاتهم مع عدو همجي متوحش لا هم له ولا قضية تشغله في الحياة سوى قتلنا وإبادة أطفالنا، وانتهاك حقوقنا وتاريخنا وإنسانيتنا، ومحاولاته المتكررة والبائسة لغزو عقولنا ونهش أجمل أيام حياتنا، وفرض واقع ينتمي لعالم الهمجية والبؤس والإملاق والانفلات، إضافة إلى حالات مرضية أخرى لها بصمات مميتة على مجتمعنا وتشويه ثقافتنا وبلاء ما بعده بلاء يهاجم مجتمعنا بوحشية وضراوة ليثبت الحصاد المر لسياسات العدوان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سياسات الخضوع بمضمونها الاستبدادي واستعباد الشعوب وإذلالها وتجويعها، تلك السياسات التي ينبغي أن نسهم جميعاً في محاربتها وتغييرها، وأن نمتلك القدرة على تسمية الخنازير بأسمائها ولا نخشى في حق قضايا الجماهير الجوهرية والفاصلة لومة لائم أو سمسار يتاجر ويروج لثقافة ما يسمى الثقافة الوراثية التي تكرر أخطاءها من جيل إلى جيل، ثقافة تشبه زواج الأقارب، حيث تظهر التشوهات في وجوه وعقول أو قلوب الأبناء، ثقافة متخلفة وتقليدية ونمطية ومهرولة، لا علاقة لها بالثقافات المتحضرة والتفكير المتأني والمثابر وطول النفس والتأمل العميق المتواصل والإيمان بالتخطيط والبرمجة.
فارق كبير وخطير قائم هناك بين دورة التفكير البدوي المتخلف ودورة التفكير الحضاري المتطور، فالميزة الأساسية للأنظمة العربية المتخاذلة هي الهرولة، يفكرون وكأنهم يهرولون، يفكرون بسرعة وبدون تعمق مثلما يأكلون بسرعة، ولذلك تُصاب عقولهم بعسر الهضم أكثر مما تُصاب بطونهم، ولهذا السبب لا يصلون إلى غايتهم المرجوة، بل يصلون في أحيان كثيرة إلى غايات لم يقصدوها ولم يفكروا فيها أصلاً، لذلك كثرت الثرثرة وقل الجوهر، وكثرت الهرولات والهذر وتنفيذ المخططات الاستعمارية والتطبيع، وأصبحت تلك الأنظمة البائسة بدون مشروع، وبدون قضية، وبلا تحديات، وبلا مواجهات مع العدو، وبلا أفق، أنظمة متعفنة فاسدة تعاني من تشوهات متجذرة وأصيلة في ثقافتها وسياساتها وتفكيرها، بحيث تعتبر الصمت ميزة ومورداً من الموارد، وعلى الجميع إدارة اللسان في الفم المغلق عشرات المرات قبل أن ينطق. إن قطع اللسان تهديداً تمارسه التربية البربرية لتلك الأنظمة البدوية المتخلفة، تهديداً بذيئاً موجوداً في الشتيمة، وأيضاً التهديد عند الأمهات. والمعنى الوحيد لقطع اللسان هو قطع التفكير وقطع العقل وقطع التواصل الإنساني، والتقوقع في محيط التخلف والركود. ولم يعد هناك رهان في هذه المرحلة الحاسمة الفاصلة والأخيرة من الصراع مع عدو عبثي متخلف حتى العظم إلا على وعينا وإدراكنا وفهمنا وثقافة المقاومة التي لا تعاني عسراً في عقلها ولا في بطنها، وأيضاً الرهان على المشروع الثوري المتماسك والقوي لبناء الوطن والدولة والمجتمع.

أترك تعليقاً

التعليقات