المثقف والثورة (2)
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا --

المثقف الوطني هو امتداد لملايين المضطهدين أصحاب القضية الوطنية العادلة، والمشروع المقاوم للاستعمار والرجعية يعمل بصدق ووعي وتفانٍ لإنجاح وانتصار المشروع السياسي المجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية المشكلة من الفلاحين والعمال، يقف معهم في الوطن الواحد والخندق الواحد يدافع عن حقوقهم المشروعة ومرتبط بهمومهم اليومية المليئة بالتضحيات وبالموت وبالدم وبالدمار، مقابل المثقف التقليدي الذي يوظف أدواته الثقافية ووعيه لخدمة واستمرار الهيمنة الاستعمارية. 
المثقف الوطني لم يكن في يوم من الأيام يتعامل مع السلطة القمعية، يأكل من مطابخها ويقمع بسيفها ويدور في فلكها، يتهافت في خدمة مصالحها الثقافية وإدارة مؤسساتها القمعية، والانضواء تحت لافتاتها، والذوبان في توجهاتها وسياستها، والركض الأعرج خلف حصان السلطة والتنافس غير الحميد للفوز بمكان ولو صغير على ظهره الجامح أو التدلي على جانبيه ولو قليلاً.
المثقف الوطني لم يكن خارج إطار مصالح شعبه ووطنه، ولم يكن شبيه مثقفي السلطة الذين لم يرف لهم جفن لوقوفهم مع الظلم والاضطهاد وتعاملهم مع سلطة قمعية مغتصبة للحقوق والمصالح والإرادة والوعي، وفقدانهم ذلك الجوهر الثقافي الوطني الإنساني.
 المثقف الوطني يجسد المفاهيم والأفكار والأهداف والقيم والمثل الإنسانية، ويدعم الثورة القادرة على التغيير لصالح الإنسان والوطن، ومحاربة الفساد، والانعتاق من العبودية والإقطاع والوصاية السعودية، والخروج من عباءة المشروع الأمريكي، بينما المثقف (النخبوي) المتخاذل والمنبطح والمهرول إلى أحضان قوى الشر والعدوان وأعتى رجعية، وأبشع استغلال امبريالي، فهو يتهافت الآن مع مثقفي السلطة القمعية البائدة من نموا وتربوا في أحضانها، يتهافتون الآن كالذباب على حلوى التحالف السعودي- الإماراتي. توحد اليمين واليسار في أيديولوجيا واحدة، أيديولوجيا أنابيب النفط التي هي اليوم أيديولوجيا كل الأيديولوجيات باسم مخزونها النفطي، وآبارها المحركة لكل الحوافز الأخلاقية، والسياسية والفكرية والثقافية، تلك النخب التي أدمنت الوهم واحتكرت تسويق المعايير إزاء من هو مثقف وطني ومن هو جاهل متخلف، وحولت المفاهيمية وأدواتها إلى علاقات تناحرية تنازعية لكي تنقض على خصمها السياسي في صراع (غرائزي) من أجل البقاء ومارست استبعاداً قهرياً لبعدين من أبعاد الثقافة ذاتها: الحوار، وملء الفراغ المفهومي. 
يقود المثقف الوطني شعبه للخروج من تلك الدوائر الاستعمارية المغلقة، والطافحة بالحقد والتمويهات التي ترينا الأشياء من غير نواقصها كي لا تظهر كم هي مثقوبة عوراء، وباعثة على العمى. ما يحتاجه الوطن اليوم وكل يوم ليس العزلة السياسية في الداخل، وليس البحث عن موقع ملائم مع التحالف الكوني، ونظامه العالمي الإمبريالي. ما نحتاجه يتمثل بموقف وطني، وبهوية يمنية، وثقافة إنسانية منفتحة على الآخر من أجل صياغة نظام عالمي إنساني الهدف والتوجه، حضاري المسلك والإرادة، يقدس حرية الإنسان وسيادته، ولن يتأتى ذلك أمام تقهقر دور الثقافة والمثقف وزحف (مغول النفط) وجامعي الثروة النفطية والجاه والسلطة.

أترك تعليقاً

التعليقات