مقابر لا معابر
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
العدوان لا يتوقف ولا ينتهي، يمضي بهدوء أحياناً، ويصخب أحياناً أخرى، عنيف وهمجي وحيواني وفوق الطاولة أحياناً، وناعم وسلس وتحت الطاولة أحياناً أخرى، عدوان من المستحيل أن يتركنا خارج نبضه، بل سيسعى لكي يمسك بتاريخنا النضالي ويدمر مقاومتنا ويهبط صمودنا ويعيدنا إلى الوصاية من جديد، ويجعلنا نراوح في المكان المأساوي الذي أردنا الخروج من دائرته لتحقيق أرقى مضمون من مضامين الاستقلال والسيادة.
عدوان يحاول اعتقالنا في دائرة الهدنة دون أن يترك لنا مجالاً لتملص، ومن غير انفجارات قوية أو انقلابات على سلطته، هدنة مهمتها تفريغ الثورة من كل محتوى وطني وقومي، وتفريغ شحناتنا الثورية، هدنة ناعمة متمكنة من أدواتها وآخر ماركة مسجلة في واشنطن لاتفاقيات الاستسلام والخضوع والتي توجت بشكل أكثر إذلالاً وانحطاطاً وبشاعة.
هدنة دشنها تحالف عدواني ظالم، عدوان يستطيع أن يفتح بجدارة مقابر لكل أبناء الشعب اليمني جنوباً وشمالاً، ولا يستطيع فتح المعابر والمطارات والموانئ وإيقاف العدوان والحصار، ونحن نكتفي بالتفرج وتسجيل إنجازات وهمية.
تحالف العدوان يخترع لنفسه بشكل دائم شكلاً من أشكال الوحدة والتواصل، وبالتالي محاولة استعادة قوته وترتيب أوضاعه والإعداد لجولة يكون فيها أقل ضعفاً وانحطاطاً أمام قوى وجبروت الجيش واللجان الشعبية، وصمود الشعب اليمني ورفضه العيش على فضلات موائد الهدنة وصدقة الأعداء.
السيادة لا تعطى مجاناً، والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي يثبت بقوة السلاح، وهذه الهدنة مجرد وصاية بشكل راقٍ وتسمية حضارية وسلمية تؤدي حتماً إلى المزيد من هيمنة التحالف الكوني والفتك بما لدينا من ثقة التحرر والسيادة.
لقد تحملنا كد وعذاب السنين والحصار والتجويع وتعب العمر ومستقبلنا المستباح، ولن ننسى مأساتنا في غمرة ونشوة الهدنة الزائفة، ولن تكون أحلامنا بالهدنة الحقيقة التي تؤدي إلى الحل السلمي جريمة متعمدة؛ إلا أننا لا ندري كيف يستقيم منطق الهدنة مع عدو ظالم مع كل تلك الخروقات والقصف والتدمير والحصار الذي مر ويمر علينا بشكل يومي.
هدنة تحمل معها أحلام وتطلعات العدوان والحروب السابقة وظلالاً مخيفة وكثيفة من الشك على حقيقة جغرافيتنا وتاريخنا وثرواتنا، هدنة تعددت هويتها؛ خداعا وتجسسا ومماطلة وإغلاق المعابر والمطارات وحصارات متعددة زلزلت اقتصادنا وحياتنا المعيشية وأصبحنا ضحية حل يقف على رأسه وليس على قدميه، وهامش عريض لأولئك الذين ما برحوا يمارسون لعبة ملاءمة المستجدات بما يتوافق مع مصالحهم الشخصية.
هدنة تحتفظ بالرموز القديمة وترممها وتلمع أيديولوجيات الأنظمة السابقة التي تأسست على امتصاص دمائنا وتطلعاتنا، تلك الفئة التي استغلت الهدنة وكل المراحل السابقة من سلم وشراكة.
إن الحيثيات التي أشرنا إليها ليس المقصود منها الوصول إلى ذلك الأفق المسدود أو الندب الكربلائي بقدر ما يتلخص في وضع النقاط على الحروف وتسمية الخونة بأسمائهم. ومن دون ذلك لا يمكننا الوصول إلى رقصة النصر، رقصة التحرير، رقصة البرع، رقصة الجماهير على جماجم الطغاة والفاسدين والعملاء والمرتزقة وكل الناطقين باسم التحالف المتوحش.

أترك تعليقاً

التعليقات