ثورات بدون مشروع
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
كل الثورات في تاريخ العالم كان وراءها مهد لها من النخبة الطليعية من مثقفين ومفكرين، فأين هو المثقف والمفكر العربي من فعل التغيير وتثبيت المشروع الثوري الاجتماعي الاقتصادي الثقافي الذي تحتاجه الثورات العربية بعد كل الخسارات والهزائم والانصياع للأوهام، بل والمصيدة الكبرى التي أعدها العدو لاحتياز أمة بكاملها داخل فكرته ومشروعه عن تدميرها وتفتيتها وتلفها وجعلها تنزلق إلى حروب أهلية لا نهاية لها؟!
هناك جمهرة من هؤلاء المثقفين والمفكرين مالوا إلى العدو، إلى كل سلطة ظالمة، سعيا وراء مكاسب آنية، فارتضوا أن يسيروا في الخط المرسوم للاحتلال، وفي صف العدوان، إرضاء لذوي السلطان والمال، وتاميناً لسلامة هشة ومخجلة. هؤلاء الخلق والنخبة الطليعية لم تدفع وتسند وتدعم المشروع الثوري، ولم تكن في المقدمة لحظة المواجهة التاريخية وهي حية، غضة، ساخنة، ملتهبة، ونابضة في الثورات العربية، ولذلك أسقطوا من حسابات الثورات، ولم يدعموها بأفكارهم وثقافاتهم وأقلامهم لتأكيد معاني الحرية والديمقراطية في المعركة الطويلة ومواجهة الطغيان وإحياء الوعى لدرء الخطر عن عقولنا وهزيمة العدوان وصولاً إلى تثبيت مشروع الثورة وحلم التغيير بدون تردد أو تردٍّ أو التباس كاتم وكئيب ما بين واقعنا وطنطناتنا، بين الفعل والانفعال، بين درجة الغليان ودرجة الحمى القابضة للنفس والروح في آن معاً، بين أن نغذي الإرادة أو نغزوها، بين أن نعمى أو نرى ما نحن فيه من تراجعات، بين الحس بالامتداد والتوسع والحس بالتشرذم القائم على معادلة توازن بلا ميزان...
كم هي الثورات محتاجة إلى المثقف الثوري والمفكر المناضل، الثائر، القائد الطليعي، والموقف الوطني الواعي لأهمية المشروع الثوري في وجه كل هذه الانهيارات والتردي. المثقف والمفكر هما العماد الأساس في حالة خروجهما من أثواب التردد والخوف بمواقف واضحة في وجه الرياح السوداء، والعواصف الهوجاء، وصنع أمجاد أمتهما، وخاصة في هذه المرحلة الحافلة بالمتغيرات من تاريخنا، ولكي تتمكن الثورة بمشروعها الحضاري من الخروج من العالم الثالث أو العاشر لا فرق، المهم الخروج وإلغاء التخبط، بالنهضة الاقتصادية والخطط العلمية المدروسة بعيداً عن العشوائية، وخطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف أو محلك سر والتقوقع في العالم الثالث.
المشروع الثوري رؤية مصيرية أكثر إلحاحاً وأعمق استراتيجية وضمانة حقيقية ستغير جذرياً طبيعة معادلاتنا وتوازناتنا وقدرتنا على البقاء والاستمرار، فالعناصر والمقومات الوجودية لم تعد توفرها الهويات المغلقة ولا ترسيمات الحدود، وإنما الامتداد والموارد والوحدات الاقتصادية التي تكمل منظومة الدفاع وتضاعف طاقات الإنتاج وتتيح تكوين المعادل البديل للتوازن مع التكتلات الأخرى.

أترك تعليقاً

التعليقات