الرقابة والمحاسبة خارج التغطية
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا - 

لا يزال ملف الأوضاع الداخلية المتردية نتيجة الفساد المتعمد والمستشري في أغلب الوزارات والمؤسسات الاقتصادية والثقافية والخدمية، مفتوحاً ومليئاً بكل أنواع وأشكال الفساد والاحتمالات المدمرة للاقتصاد الوطني وداعياً للقلق. 
نحن في أمس الحاجة في الوقت الراهن بالذات إلى سياسة أكثر حسماً وحزماً ومصداقية لمحاربة الفساد لكي نتمكن من مواجهة التحديات المصيرية التي تفرض نفسها على الأوضاع الداخلية، وهي لا تقل خطورة بأي حال من الأحوال عن الجبهات القتالية.
لا بد من إعادة النظر في أوضاعنا الداخلية، وتفعيل النقاط التي طرحها سيد الثورة، والمتضمنة تصحيح الأوضاع الداخلية وإزالة الفساد الذي يعاني منه شعبنا منذ العهود البائدة والفاسدة، ولا يزال يعاني من تشتت الجهود وضعف الإرادة. ولم تتبلور حركة اقتصادية ثورية جدية للتغيير تُشعرنا بأن هناك ثورة تعمل على تغيير البنية التحتية مثلما غيرت البنية الفوقية، ثورة تشعرنا بأننا أفقنا ولم نعد نصم الآذان ونغمض الأعين عن كل عيوبنا الداخلية، ونرفض تصحيح ومراجعة أوضاعنا الاقتصادية والإدارية وتحالفاتنا السياسية والمحاصصة الوزارية والإدارية التي هي سبب الأزمات والاختناقات، والسبب الرئيسي في الفساد.
هناك قصور في تحمل المسؤولية والقيام بالواجب الوطني المصيري في ظل العدوان الوحشي الظالم، ولا بد من الانعتاق من أوزار المقاولات السياسية، والمحاصصة الإدارية التي ترافق تشكيل الحكومة مع ضرورة الاعتماد على الكفاءات العلمية الوطنية، والخبرات التقنية، والقدرات الإدارية النظيفة، والتخطيط والبرمجة، والابتعاد عن العشوائية، وركام الاستسلام للتبعية والتخبط، كما يجب الاقتراب من معاناة الناس وآلامهم وأوجاعهم وأزماتهم الاقتصادية المتلاحقة والتآكل التدريجي لصلب حياتهم المعيشية المتدهورة حتى الموت والانقراض، لا راتب، لا بطاقة تموينية، ولا حياة تليق بكرامة الإنسان.
هناك وزارات ومؤسسات هشة خاوية وعاجزة عن مقارعة الأزمات والفساد، واتخاذ الإجراءات والحلول المناسبة، وحتى الساعة وبعد إعلان الرئيس المشاط النوايا لمحاربة الفساد لا يوجد أي صدى أو آثار أو اتجاهات مدروسة تحدد بوصلة المسيرة الاقتصادية أو حتى معالم توضح كيفية الخلاص من ركام الفساد والأزمات والاختناقات المعشعشة على حياتنا وقلوبنا، أو قرارات ملزمة تؤسس لقيم جديدة تخنق كافة ظواهر الفساد وتنشر الأمل الحقيقي والواقعي لحل تلك الظواهر المرضية، أو على أقل تقدير تضيق الفجوة بين الذين يستثمرون تلك الأزمات والاختناقات لمصالحهم الذاتية، لعدم وجود رقابة ومحاسبة تذكر، وكأن كل ما يحدث من فساد وهدر للمال العام لا يعنيها ويحصل في كوكب آخر، فلا وجود لرقابة على من يتاجرون بلقمة عيش الفقراء وأوجاعهم، قطاعات واسعة تتألم وتئن كل خلجة من خلجاتهم جوعاً وآلاماً مكتومة، وتأففاً صامتاً وبعزة نفس ينتظرون في كل لحظة قطار الموت، أكثرية مطلقة تعاني من التدهور الفظيع المستمر في حياتهم المعيشية، وحكومة الإنقاذ الموقرة والمصابة بفقر دم بحاجة ماسة للإنقاذ، لم تحل أي مشكلة منذ تشكيلها تضرب أخماساً في أسداس، وتتعلل بالعدوان والحصار، حجج ضعيفة وذرائع واهية. 
 هناك دول كان لها النصيب الأكبر من الدمار والعدوان، وأطول حصار في التاريخ الإنساني، مثل كوبا التي عانت 57 عاماً من الحصار والعدوان الأمريكي، وأيضاً كوريا الشمالية، وإيران، وسوريا، ومع ذلك استطاعت تلك الدول بقدراتها الذاتية أن تؤسس لقاعدة اقتصادية متينة وتصدر أيضاً صناعتها، ونحن بإمكاننا الاستفادة من تجارب تلك الدول والشعوب، والتي مرت بتلك المعاناة وويلات العدوان، والكوارث الاقتصادية. 
هناك صمود وصعود نحو الحسم النهائي، وكسب المعارك بقوتنا الذاتية وإرادتنا وبالتخطيط والصمود حققنا انتصارات أذهلت العالم، يقابله هذا الهبوط، والإحباط، والفساد المدمر، والأوضاع الداخلية المأساوية، والسياسة الرخوة، والتساهل بلقمة عيش الفقراء في الجبهة الداخلية؛ تلك هي المفارقة الموجعة.

أترك تعليقاً

التعليقات