القرصان والإمبراطورية المهزومة
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -

لم يحدث من قبل أن انقسمت أمريكا على ذاتها كما حصل في عصر القرصان ترامب، وتعمق شرخها، وبرزت بحدة الخلافات في الرأي والتخطيط والتنفيذ، ليس داخل إدارته وحسب، وإنما أيضاً داخل المؤسسات الفاعلة والمؤثرة بدءاً من أركان البيت الأبيض إلى وزارتي الخارجية والدفاع وعلاقاتهما مع وكالتي المخابرات والاستخبارات (إف- بي- آي) و(سي- آي- إيه) وصولاً إلى الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب وأخيراً داخل الرأي العام الأمريكي.
لم يسبق أن شاركت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بهذا القدر من العلانية والوضوح والاستهتار بمشاعر العرب والمسلمين وإذلال المطبعين وسوقهم كالقطيع إلى مصيدة التطبيع والرضوخ والخضوع لـ"إسرائيل" ونهب مليارات الدولارات من خزائنهم والتحدي في السياسة والتسليح وتغطية العدوان والإرهاب.
لم يسبق أن شعر العالم أكثر فأكثر بضمور القيم بعد أن جرى تحويلها إلى قيم تجارية تبادلية وكل شيء يجري إدماجه بالسوق وبانحطاط أخلاقي سافر.
لم يسبق أن تبنت الإدارات السابقة المشروع الصهيوني بأبعاده المرحلية والمستقبلية وبهذا القدر من الوضوح وبشكل سافر تعلن إدارة القرصان ترامب وقوفها إلى جانب "إسرائيل" في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بقضية الصراع العربي الصهيوني وتفرض التطبيع و"صفقة القرن"، ولم يسبق للأنظمة العربية الرسمية المتخاذلة والمطبعة أن تستجيب فقط لإيعازات وأوامر ترامب، وإنما راحت ترتبط في تفاعل مستمر مع أفكاره ذاتها، ولم تعد ترضى بدور "الكومبارس" وتقبل الإملاءات، وإنما تقوم بالدور الرئيسي والفاعل وبما يحفظ حقوقها في مجال التبعية والدناءة والاستعباد وعلى الملأ كان هذا الدور العلني والفاضح ينثر رائحته الكريهة في المؤتمرات والشوارع، لقد فاضت تلك الروائح إلى حد يثير الغثيان.
سقط القرصان وانتهى موسم "التسلية" والإثارة وفي كل 4 سنوات تتكرر المهزلة الديمقراطية وتعبر أمريكا العميقة، أمريكا المسطحة، أمريكا الإرهابية إلى لحظة خارج الزمن الواقعي، كما في سيرك كبير وضخم تختلط فيه الحقائق الافتراضية بالعالم الخيالي والأوهام، وتمتزج الأزمنة البسيطة والمركبة من أجل ميلاد رئيس يفترض فيه أن يكون رئيساً ليس ككل الرؤساء.
والسنوات الـ4 من عمر إدارة القرصان ترامب كانت الأخطر، وبداية انهيار للإمبراطورية الأمريكية رغم عنجهية ترامب ومحاولاته إظهار قوة أمريكا بالتهديدات والعقوبات والاغتيالات، وتحريك حاملات الطائرات والغواصات وأحياناً كثيرة في الصعلكة، وفي الأخير غادر القرصان البيت الأبيض من أبوابه الخلفية وترك أمريكا منهارة غامضة المستقبل مهزوزة وفاقدة الثقة داخلياً وخارجياً، ويعتبر ذلك نهايتها ونقطة البداية لسقوطها واضمحلالها ومؤشرات ضعف أو خطوة على طريق الانهيار، وهي قاعدة عرفتها كل الإمبراطوريات التي حكمت العالم أو أجزاء واسعة منه، ومع كل ذلك لا يزال هؤلاء الأوغاد الذين يديرون سياسة ذات وجهين يمنوننا بانبلاج فجر كاذب، فجر يأتينا من صميم الليل الأمريكي، وهو منذ الآن لا ينير سوى دروب الخونة المطبعين الحاقدين ولديهم من النوايا الخبيثة أشدها وأسوؤها.

أترك تعليقاً

التعليقات