قمة الهروب الكبير
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا

الذين تابعوا القمة العربية الأخيرة في الظهران، وما حمله بيانها الختامي الهزيل، سوف يخلعون عليها ما لا حصر له من الأوصاف والنعوت المهينة، لأنها دون الحد الأدنى من الدم المراق على أرض فلسطين، قمة الهروب من العاصمة خوفاً من صواريخنا الباليستية، صواريخ السلام، والعدل، والردع الاستراتيجي، لتثبيت الحق والانتصارات، قمة الخيبة والهروب من القضايا الاستراتيجية المتعلقة بحياة ومصير الأمة العربية، قمة الخضوع والاستكانة والثمرة الناضجة من ثمار المتغيرات الجديدة والتسوية للصراع العربي الإسرائيلي، والتصالح وإعطاء الشرعية لدولة الصهاينة، من تقتل وتشرد وتعبث بمصير أطفالنا وشبابنا ورجالنا، من تستمتع بتقطيع أوصالنا قطعة بعد قطعة، من تسعى إلى شرذمة الأمة العربية والإسلامية، قمة الهروب إلى أحضان الهزيمة والخسائر على جبهة الهوية والوعي الثقافي والتطبيع مع العدو الإسرائيلي وعقد صفقات السلام، والانفتاح الاقتصادي، قمة الهروب من الاستحقاقات الإنسانية للشعب الفلسطيني المظلوم، ومن جوهر القضايا العربية ودلالتها، وأن يكون للعرب إرادات حرة وخياراتهم الوطنية، قمة الهروب من إيجاد رؤية شاملة لأزماتنا ومعاناتنا في الصراع الاستراتيجي مع العدو كما في البقاء، قمة الهروب إلى أحضان العدو، وإلغاء الذات والرضوخ والخنوع والتشرذم القائم على معادلات توازن بلا ميزان لتنفيذ الترتيبات الجديدة على مستوى الخرائط والاستراتيجيات التي هي أبعد من أن تكون امتداداً للسيادة وتحرير الأرض والإنسان، ودعم المقاومة واسترداد الحقوق المغتصبة، قمة الضعف والابتذال، وتفعيل الحروب الأهلية، ودعم الإرهاب، واختلاق العدو الوهمي، والتآمر والتحريض على القوى الوطنية المقاومة للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية ببيانها الأشد خفوتاً من صمت الاحتضار، قمة الهبوط المأسوي نحو الانصياع للمشروع الأمريكي والتلوث بغبار (النظام الشرق أوسطي) السقيم الذي يُدخل إسرائيل بدعم أمريكي إلى قلب المنطقة، وتطبيع العلاقات كاملة معها، ويفرض (النظام العالمي) الذي لم يستخف بشعب من الشعوب كما يستخف بشعوب أمتنا العربية، قمة التأمرك، وتغريب الهوية، وتطبيع الثقافة، وجعل خيارات الأنظمة الفاسدة ومصيرها تحت السيطرة الأمريكية باهظة التكاليف، ومشكوكاً في نتائجها، ومحاولة جعل الأمة العربية أسيرة لحالة الإحباط واليأس، مغلوبة على أمرها، وتعميق الشعور بالضياع والتخبط حتى النخاع، وخلق هالة إعلامية بأن أمريكا هي الخلاص من كل الأزمات، وهي الأمل والتحرر والديمقراطية والحماية؛ طبعاً للأنظمة الفاسدة وللعروش الظالمة والمتخلفة، من يعيشون خارج العصر والتاريخ والعلاقات الإنسانية المتحضرة، من لا يستطيعون التفريق بين (الباليستية) و(البلاستيكية).
وفي ظل تلك الأوضاع والأنظمة الفاسدة والظالمة والقمم المسيَّرة بالريموت الأمريكي الإسرائيلي، من الطبيعي والمنطقي ألا يكون للعرب إرادتهم الحرة وخياراتهم الوطنية، ومجالهم الحيوي في هذا الوقت الإعصاري، الذي يضطرم فيه العالم اضطراباً دراماتيكياً، ويقف على مفترق الطرق يبحث عن الخلاص من الهيمنة الأمريكية، وعن غاياته وفكرته، عن دوره الإنساني والحضاري، ومن المستحيل أيضاً أن يستمر الخمود والجمود والانحدار والانحطاط والخضوع لعقليات مفلسة، ونسلم مصيرنا وقدرنا لمسلوبي الإرادة، والحاقدين على أمتنا، من يستهدف إرادتنا وأرضنا، ووجودنا نحن الأبناء الشرعيين للأرض، نلتصق بها، نزرع، ونحصد، ونفشل كل المؤامرات، ولن نقبل بالدور الأدنى.

أترك تعليقاً

التعليقات