أمريكا ترفض مشيخة ترامب
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا - 

لم يحدث أبداً من قبل أن حظيت انتخابات رئاسية أمريكية بمثل هذا الإقبال، وبمثل هذا الاهتمام العالمي، وأيضاً بمثل هذا الانحطاط السياسي والأخلاقي والضجيج المزعج والعفن الاحتفالي بصعود تنين آخر قبيح إلى ناصية الحكم والبيت الأبيض. كل ذلك لم يشعرنا بالفرح إزاء فوز بايدن، ولكننا في غاية السعادة بهزيمة ترامب القاتل والفاشي والعنصري الذي لم يستطع الشعب الأمريكي أن يتحمل مشيخته المعتوهة والمتخلفة والدموية 4 سنوات قادمة. 
ما حدث ويحدث الآن هو القضاء بكل الوسائل التقليدية على النزعة المشيخية والعنجهية والاستكبار لدى ترامب، وتعزيز الوجود الديمقراطي الليبرالي، وإفشال محاولات ترامب القضاء والإطاحة بما يسمى هيبة الدولة ومصداقية الانتخابات، وباتت أمريكا والديمقراطية على موعد مع معارك داخلية وانقسامات حادة وطاغية في مختلف الولايات الأمريكية. ترامب يسعى للانقلاب على المنظومة التقليدية، حيث يصر على فوزه ويعلن أنه لن يسمح للصوص بسرقة الانتخابات وتزويرها، ويشكك بمصداقية الانتخابات ويتجاوز كل الخطوط الحمراء والإنجازات الديمقراطية في الوصول إلى الرئاسة بطرق سلمية وعن طريق الانتخابات، الإنجازات التي يفاخر بها الشعب الأمريكي والحسنة الوحيدة للنظام الإمبريالي. ممارسة ترامب تثبت بالدليل القاطع وصوله إلى الحكم من خلال انتخابات مشكوك بصدقيتها، ومحاولته خلق الأجواء نفسها الضامنة لفوزه بفترة جديدة، مستغلاً كل الثغرات في النظام الأمريكي الإمبريالي الفاسد. ويأتي هذا السباق الانتخابي العنيف في ظل وضع اقتصادي منهار ومشاكل داخلية مستعصية وجائحة فيروس كورونا وارتفاع مستوى البطالة الحاد والتوتر الناجم عن عنصرية ترامب ومشيخته وعنف الشرطة وما رافقه من احتجاجات واسعة.
 فوز بايدن لا يمكن أن يُحدث تحولات عميقة في السياسة والاقتصاد الأمريكي المنهار وانحدار الهيمنة الأمريكية ووصول طاحونة النظام الإمبريالي إلى الجدار المغلق. بايدن مثل كل رؤساء أمريكا يحرص على موقعه وعلى النظام الإمبريالي الاحتكاري واستمرار مصالح حزبه الذي يمثل مصالح الشركات الاحتكارية والتي لها علاقة بإنتاج أسلحة الموت والدمار والحروب. ذلك الذي يهمه قبل أي شيء آخر، حتى ولو كان هذا الشيء الآخر يتعلق بموقع أمة بكاملها وباستمرارها في الحياة. الشركات الاحتكارية العملاقة هي التي تقرر السياسات الاستراتيجية الأمريكية وفقاً لمصالحها، وسياسة السوق والمنفعة ونظام العولمة الأمريكية بأخطبوطها على العالم، والويل لمن لا يدخل في جوقتها ويسبح بحمد مافياتها. 
النظام الأمريكي بشقيه الجمهوري والديمقراطي يجيد الهدم ولا يحسن البناء. أمريكا لن تتخلى عن لعبة الموت لصالح إرادة الحياة، لأن مصالح شركاتها الشيطانية هناك، حيث القتل وتجارة الأسلحة. نظام الشفافية يتطلب علاقات دولية من نوع آخر يقوم على القوة النسبية لا المطلقة، على التوازن المفتوح لا المغلق، وكذلك على تقاطع المصالح لا على التصادم، ولا يوجد خيط من الضوء البسيط يعكس التوجه السياسي الجديد لولاية بايدن والخروج من تلك الخيارات الفظيعة. أمريكا بحاجة إلى زلزال اقتصادي وليس سياسياً، تحتاج إلى دروس تراجيدية لكي تتعلم معنى الديمقراطية واحترام مصالح وإرادة الشعوب. 
إيقاف العدوان على اليمن هو المحك الأساسي لمصداقية ولاية بايدن. الإدارات الأمريكية طوال الفترات الماضية عملت على خلق الأزمات والحروب والانقسامات في ظل عولمة أمريكية تستمر محاولاتها للقضاء على أنظمة وسياسات تعتبرها عوائق وحواجز أمام زحفها الإمبراطوري، وبتأكيد العمل على القضاء عليها بكل أنواع الأسلحة والوسائل المتطورة والخبيثة، كما هو حاصل الآن في العدوان على اليمن، ومع ذلك تدعي أمريكا أنها تمارس الديمقراطية... عجبي! هنا يجب الاعتذار للديمقراطية حين تغدو ماكرة وذات وجهين... وفاقد الشيء لا يعطيه. 

أترك تعليقاً

التعليقات