التطبيع المعلب
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي  / لا ميديا -

ارتفعت وتيرة التطبيع بين الكيانات العربية المتهالكة والمفروضة على شعوبها وبين الكيان "الإسرائيلي" الغاصب، بعد اتفاقية التطبيع المذلة والسقوط السياسي والأخلاقي للإمارات بتخطيط ودفع أمريكي متسارع وتمويل سعودي للطرف العربي للقبول بالتطبيع وشروطه المذلة والمهينة، تطبيع لا يمكن بحال من الأحوال أن ينهي حالة الصراع بقرار يتخذه ترامب وبعض الرخوة من الخونة العرب المستسلمين ضعاف النفوس والإرادة والضمير، تطبيع معلب تنتهي صلاحيته بانتهاء الفترة الرئاسية لترامب، تطبيع أعد له ترامب وقدمه في إطار الاستسلام من مفاوضات واتفاقيات لا مشروعة وصفقة القرن.
وفي زحمة التسابق يعتقد ترامب أنه حقق اختراقاً استراتيجياً في الساحة العربية بتلك الضربات الاستباقية وبقبول مبدأ تطبيع العلاقات بين العرب و"إسرائيل" في الربع الساعة الأخيرة من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. مصير شعب وقضية أمة يخضعان لرغبات ترامب الملحة لإنجاز يسعفه في معركته الانتخابية والتي دخلها دونما إنجاز يذكر. كل ذلك صمم للاستهلاك السياسي والانتخابي، ولعرب الانبطاح والاستسلام الذين يحلمون بالعيش في عصر السلام الأمريكي وحمايته بعيداً عن الحروب الساخنة والباردة والمقاومة، وتلهفهم من أجل أن يكون لهم دور ووظيفة ومكانة لدى سيد العالم الكاوبوي الأمريكي، الذي رفع مسدسه وأنذر من تسول له نفسه بتجاوز رغباته وحدودها الحمراء، وظنوا هؤلاء الأقزام المتهالكون أن زمن رجال الرجال والمقاومة قد ولى، وأن عليهم أن يجيدوا لغة الانبطاح والتفاوض والتنازلات والاستسلام تمشياً مع منطق المصالح والبقاء في السلطة وتحت الحماية الأمريكية، ومنطق اقتصاد السوق أصبح منطق السياسة، ويتمثل في مقايضة الأرض بالسلام والتطبيع، رغم أن الذين يقايضون ويستسلمون ويطبعون لا يملكون الأرض ولا السلام ولا شرعية القرار بالتنازلات عن السيادة والأرض والكرامة والحرية والأمن والقدرة الدفاعية والمقاومة. 
إن إنهاء حالة الحرب يتطلب أولاً قناعة بالسلام المتكافئ القائم على الحق والعدل، وإدانة الاحتلال، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني دون تجزئة، وليس بالمفاوضات والاستسلام والتطبيع المعلب المجاني أو مصافحة أعداء الأمس والتخاطب بالعبارات الدبلوماسية الرنانة، أو الظهور بالصور التذكارية، أو بالابتسامات العريضة المفتعلة، أو فتح المجالات الجوية السعودية أمام الطائرات "الإسرائيلية".
لا يمكن إنهاء حالة الصراع الشاق والطويل بمجرد توقيع اتفاقيات التطبيع وعلاقات حسن الجوار، لأنها ليست حرب حدود كما أرادوها، وليست نزاعاً بين طرفين لجأ أحدهما إلى استخدام القوة في فرض إرادته على الآخر. سيبقى أبداً صراعاً مصيرياً بين أصحاب الحق والأرض وقوى الاحتلال الاستيطاني في فلسطين العربية تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، والتطبيع المعلب الذي يسوق له ترامب وينتظر انضمام السعودية والذي بات قاب قوسين يكون عقد التطبيع قد اكتمل بما يرتضيه إنجازاً يخوض على أساسه ما تبقى من أيام تسبق الانتخابات الرئاسية، ذلك الإنجاز لا يقوم على أسس حقيقية أو قاعدة يركن إليها، إنما مجرد لافتة وهمية، وشعارات انتخابية ابتدعها ترامب لمصلحته الانتخابية. هذه اللافتة الوهمية لا تنهي فعلاً حالة الصراع، فالعرب أصحاب الحق والقضية لا يريدون الحرب لأجل الحرب ولا يهربون إلى الاستسلام لأنهم غير قادرين على متابعة المقاومة والقتال، كما أنهم في الوقت نفسه لا يسعون لهذا التطبيع المعلب والاستسلام المذل في الواقع والشكل والمضمون، وإنما باستمرار النضال والمقاومة حتى النصر.

أترك تعليقاً

التعليقات