ثورة أيلول والتآكل الداخلي
 

طاهر علوان

أعداء الشعب اليمني يحاولون بكل الوسائل محاصرة الثورة اليمنية واحتجازها وأسرها في أزماتها الداخلية كي لا تمتد شرارة الثورة وتهدد مصالحهم في المنطقة، وتظل الثورة مرتدة إلى الداخل باستمرار، مما يجعلها تتسم أكثر فأكثر بالدرامية المأساوية بفصولها الدموية، ودفعها للانهيار بعملية التآكل الداخلي وبسلسلة من الصراعات الداخلية غير المنتهية بشكل حاسم بهدف إجهاضها ومعاقبتها لخروجها عن السيطرة الأمريكية - الإسرائيلية.
الأحداث الأخيرة في كل ما سبقها وتخللها وما حصل بعدها تقدم دليلاً قاطعاً على أن البعض لم يستوعب بقدر كافٍ حقائق ما كنا عليه وما أصبحنا فيه، لم يستوعب حقائق الصراع التاريخي الثابت منه والمتحرك، لم يستوعب العديد من المتغيرات من الأهداف والمخططات التي تغيرت ميادينها وتبدلت مواقعها، واختلفت أطرافها.
ما حدث ويحدث من تحولات وتغيرات تشكل رافعة لقوى الثورة والسلم والشراكة، وبوابة عبور نحو مجتمع خالٍ من الفساد المتسبب في ضعف الاقتصاد والخلل الاجتماعي، وانهيار القيم الدينية والأخلاقية. لابد من التغيير أياً كانت آلام المخاض التي تعتري هذه العملية التاريخية، والصعوبات التي تواجهها، وطغيان حالة الفساد والاضطرابات القائمة بفعل تداخل القديم مع الجديد، وعناد وصلف وصبيانية قوى الفساد المتنفذة في مواجهة قوى التغيير. تتجمع في الأفق كل الأسباب الموضوعية والذاتية لتغيير السياسات الكارثية والعبث بمؤسسات الدولة.
لابد من إزالة تلك المؤسسات الهشة العاجزة عن مقارعة الفساد والعدوان بكل أشكالهما وأبعادهما، هناك محاولات وتوجهات جادة وصادقة للخلاص من احتقانات عهود ومراحل سابقة مدعومة بالتبعية والهيمنة، ما برحت تتراكم وتتناسل حتى هذه اللحظات، وهناك قوى سياسية ثورية تعمل ليل نهار لتقديم الأمل الحقيقي لاقتلاع تلك الظواهر من فساد سياسي واجتماعي وتضييق الفجوة بين الذين يستثمرون دماء الشعب، وبين الذين يموتون جوعاً، بين قلة تتمتع قسراً بالمال العام لبقائها الخاص، وبين أكثرية مطلقة تعاني من التدهور المستمر في حياتها الاقتصادية، قلة تسعى إلى تركيز الثروة والموارد وحصرها والإشراف على إدارتها واحتكارها لمصلحة الفئات المتنفذة والحاشية التابعة لها، وحرمان غالبية المواطنين والملايين الكادحة العاجزة عن العيش، والتي تضحي تلك الفئات بمصالحهم استجابة لمصالحها الضيقة تنفيذاً لسياسات العدوان في الحصار وشد الخناق الاقتصادي.
ليس هناك حياد أو تهاون تجاه كل ما يمس السيادة ومصالح أغلبية الفئات المعدمة التي يصعب زحزحتها أو اقتلاعها، ومن حقها الطبيعي أن تقاتل للبقاء في ظل حياة كريمة، والدفاع عن مصالحها ومصالح الوطن وسيادته، والتصدي للعدوان الداخلي والخارجي. لم يعد هناك متسع للاستماع للأسطوانات المشروخة، والادعاءات الكاذبة نفسها، والمناورات الصبيانية، والحشود السلعية، والبكاء على الأطلال، المساحات تضيق وتضيق، ولابد من الخروج من جلودنا المتعفنة، ومن قيودنا وأحلامنا المريضة وعاهاتنا الماضية.
نحن في أحلك الظروف وأكثرها ضراوة في المواجهة مع العدو، ولن نسمح تحت أي ظرف كان باستغلال ظروف العدوان والتآمر و(الغزو من الداخل) لتمرير ما لم يستطع العدو تحقيقه، وليس الشعب اليمني بتاريخه الحافل بالتضامن والتماسك الاجتماعي أقل من الشعوب الأخرى التي استطاعت أن تتجمع وتتفاهم حينما يداهمها الخطر، فالزمن هو فعلاً زمن التحولات الثورية والمتغيرات الاجتماعية، ولكنه قبل هذه وتلك هو زمن للقطيعة مع المحاولات الجارية للالتفاف والتدجين، فالتاريخ الثوري هو تاريخ حضاري، فمن ذا الذي يستطيع محاصرة التاريخ والحضارة؟!

أترك تعليقاً

التعليقات