كيانات من غبار
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
الجيش الذي لا يقهر لم يعد يشكل بالنسبة لـ"الإسرائيليين" الجهة المؤهلة لحمايتهم وضمان أمنهم، إذ فقدت الثقة تماماً بقدرته التي لا تقهر وبذراعه الطويلة التدميرية المتوحشة، وانهارت أيضاً نظريات (الردع) ولم تستطع التقنيات المتطورة والقبة الحديدية وقاموس المصطلحات العسكرية ونظريات الأمن المتفوقة وتاريخ من الانتصارات السهلة في الأيام المجيدة، وتلك الأسطورة المكونة من الهشاشة والزيف والغبار ودولة من الرماد الأيديولوجي والدعاية الإعلامية التي تبرز "إسرائيل" كأنها قطب مؤثرة تحرك سياسة العالم واقتصاده، والدعم الأمريكي المتواصل بأحدث التقنيات وبمليارات الدولارات، كل ذلك لم ينقذ "إسرائيل" من هزائمها في حروب لم تقع.
هذا ما حدث في عدوان 2006، وما حدث مؤخراً في غزة، وبين غزة ولبنان واليمن وسوريا صفحات مجيدة وخالدة من المقاومة والصمود والتحدي بدلت أزمنة النكسات والانكسارات وكرست مقولة انتهاء زمن الهزائم وأسهمت في صعود محور المقاومة وثباته وتصدع محور حلفاء أمريكا.
القوة الصاروخية الرادعة للمقاومة الفلسطينية الموحدة هي لحظات تاريخية صارمة جعلت الصهاينة لا يجدون الخلاص والأمن إلا بتذكرة السفر إلى أوروبا وكندا ودولهم الحقيقية في لحظة فزع هستيرية، وأصبحت تذكرة السفر هاجس "الإسرائيليين" وتوقفت الحياة الاصطناعية وأقفلت (الأسواق الأوسطية) المعزولة في الجغرافية العربية أبوابها معلنة انتهاء صلاحية دولة الغبار والانتصارات السهلة والأيام المجيدة، وهزمت "إسرائيل" في حرب لم تقع بعد، ولم تكن تلك المرة الأولى والأخيرة من هزائم "إسرائيل" المتكررة في حروب لم تقع، وكان يمكن احتمالها ببساطة في حالات الدول الحقيقية التي تعيش حروباً مع أعدائها، لقد انهارت نظرية (الردع) وقوة الجيش وبدا واضحاً على دولة الغبار التعب والهزائم وانكشفت نقاط الضعف والوهن فيها.
قوة الردع لا تعني فقط دبابات وطائرات وتكنولوجيا حربية متطورة، بل إنها أيضاً معنويات الجيش والسكان، وطبيعي أن "إسرائيل" بتلك المعنويات المتدنية والمنهارة إلى هذا الحد لم تصمد رغم جبروتها العسكري وأسوارها التي تبدو من الخارج قوية لكنها هشة من الداخل، ولم تستطع أمريكا وجبروتها وسلاحها المتطور ودعمها بمليارات الدولارات إنقاذ دولة الغبار من كوابيسها، وهي متعددة وكثيرة: حزب الله، إيران، اليمن، سوريا، لغة الأجساد المتفجرة، ثورة الحجارة المتواصلة، السكاكين القاتلة، والأهم كابوس القدرة النافذة على الحياة والصمود والاعتماد على الذات، وتوحد فصائل المقاومة وصواريخها وطائراتها المسيرة والصبر الاستراتيجي طويل النفس.
المقاومة الفلسطينية الموحدة استفادت من التجربة اليمنية في الصمود والتحدي ومفاجآتها الصاروخية وخططها المدروسة بعناية والقصف الدقيق للمواقع الاستراتيجية للعدو السعودي والإماراتي بعد ست سنوات من الصمود وإلحاق الهزائم الكبرى، والآن يتكرر نفس السيناريو في الأراضي المحتلة، فالمحور واحد والمعاناة واحدة والعدو واحد مهما تغيرت التسميات وتعددت الكيانات، كيانات قزمية متهالكة وسحابات صيف عابرة، وأسطورات مكونة من الهشاشة، تاريخ مصنوع من غبار يتحول إلى حالة من الغبار، وهذا ما يحدث الآن وما تدفعه "إسرائيل" من الفزع والهزائم والهروب الهستيري في الحروب التي لم تقع، وستدفع كل كيانها المصطنع عندما تقع الحرب الحقيقية.

أترك تعليقاً

التعليقات