سياسة الاحتواء
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
انتهت الهدنة المليئة حتى الآخر بالتساؤلات والمشحونة حتى النهاية بالمرارة، وسكنت قرارات السلام عن الحركة والفعل، وتراجع دورها لمصلحة اللاحرب واللاسلم، وتجمدت كل أجوبة السلام السحرية التي كان بإمكانها أن تصرع وحشية العدوان وجبروته وأهواله المروعة والمفجعة، وقذائفه التي مازالت تتساقط فوق رؤوس أطفالنا، والحصارات الخانقة، والتلاعب بالوقت والهدنة والسلام والكلمات والأفعال والمعاني والحروب المتواصلة وتغليب منطق القوة والتعنت والهيمنة على كل ما عداه.
وتوجهت رصاصات العدوان والغدر والموت والجوع إلى الجبهة الداخلية، إلى قلب الوطن الدامي، إلى تآكل الثورة من الداخل، بإحكام الحصار الاقتصادي وتفعيل الفساد، واستثمار كل ما هو سلبي من تعيينات عشوائية وغلاء فاحش وتأخير صرف نصف الراتب، فزاد الانقسام انقساما، والتفتت تفتتاً، وباتت هناك مشروعات دوليه إقليمية تكتسب المشروعية بوجود أمريكا على قمتها، مشروعات تطرح على الثورة منضغطة وضاغطة ومستهدفة مسألة وجودنا من أساسه، لا مسألة خياراتنا فحسب، ويصبح في هذه الحالة من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، وجود أي إمكانية للتفاوض أو التعايش بين طرفي نقيض.
طرف يريد احتلال الإنسان والأرض والثروة والسيادة وفرض إرادته ولا شيء فوق إرادته ولا شيء خارج نطاق استراتيجيته ولا شيء ضدها، وطرف يريد السيادة وتحرير الإنسان والأرض والثروة. هذا هو أساس الصراع. ومهما كانت براعة الدبلوماسية والمفاوضات والوفود القادمة والمغادرة لم ولن تستطيع حل الصراع؛ لأن أمريكا وأدواتها يسعون بكل جهد وقوة لاحتواء الثورة بالتآكل الداخلي وخلق الأزمات القائلة وتوسيع الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين آمال الناس العاديين والمستضعفين ووقعهم الأكثر بؤساً وفقراً ومرارة، وبين مشروع الثورة وآمالها وطموحاتها المستقبلية.
فجوات لا تردم إلا بالانفجارات الاجتماعية والانهيار الداخلي، يسعون عن طريق الهدنة والمفاوضات والسلام الزائف وحالة اللاحرب واللاسلم واستمرار الحصار والعزلة مع بذل جهود شاملة تؤدي إلى تسريع عملية التآكل الداخلي كي لا تمتد وتهدد مصالحهم، وتظل مرتدة نحو الداخل باستمرار. كل ذلك يساعد على تسريع الانهيار، حيث يتسع التآكل الداخلي ليلتهم بأضراس حديدية انتصاراتنا ومنجزاتنا وكل ما كان يجب توفيره لأجيالنا القادمة. وعندئذ لا تبقى حرب ولا يظل سلام.
ومن الوهم الاعتقاد بأن الذين مدوا جسور العدوان والموت والحصار والجوع والدمار سوف ينسفون جسورهم في اللحظات الأخيرة، فجسور الهدنة والسلام واللاحرب واللاسلم والقبول بالواقع القائم جزء لا يتجزأ من خطط العدوان ومكوناته وتشكيلاته السياسية. لذلك لم نحصد من الهدنة المائعة والسلام الزائف سوى موت وجوع ودمار واختراق وسعي إلى تأبيد الهزيمة وضمان أمن العدو. وإن ما يجب أن نفهمه هو أن دروب السلام تمر عبر محونا وتفريغ مقومات وجودنا من أي قدرة على البقاء والصمود.

أترك تعليقاً

التعليقات