كاسترو بطل من هذا الزمنR36;
 

طاهر علوان

#طاهر_علوان_الزريقي / #لا_ميديا - 

ليست الثورات العظيمة في التاريخ وحدها التي تصنع الأبطال. الأبطال أيضاً هم من يصنعون الثورات العظيمة. وفي لحظات حاسمة وكبرى هناك أمم تقف على مفترق طرق التاريخ بانتظار لحظة انتصارها، فتمتزج عظمة الثورة بعظمة أبطالها إلى حد يغدو فيه من العسير حتى على المؤرخ الموضوعي أن يشطر الحدث التاريخي إلى شطرين، ما للثورة للثورة وما للبطل للبطل. 
رحل المناضل الثوري والبطل الجسور كاسترو عن عالمنا في 25 نوفمبر 2016 بعد أن أخرج كوبا من حيزها الجغرافي الضيق والمهمل كحديقة خلفية للعبث الامبريالي الأمريكي، ووضعها في قلب العالم والتاريخ. ولم تكن كوبا بالنسبة للعالم وخاصة لأمريكا أكثر من مجرد بلد صغير مجاور يصدر السكر والسيجار الأغلى في العالم. ولكن الأمريكيين اكتشفوا ذات صباح أن جيرانهم الصغار صاروا يصدرون بضاعة أخرى غريبة وهي الحرية والثورة. وبفضل هذا الاكتشاف الأمريكي بدأت واحدة من أخطر الأزمات في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية، حادثة غزو "خليج الخنازير" في عام 1961 والذي كان عبارة عن محاولة انقلابية من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وانتهت بالفشل، أيضاً أزمة الصواريخ في عام 1962 بعد اكتشاف طائرات التجسس الأمريكية منصات الصواريخ السوفييتية في كوبا، ورأت فيها تهديداً مباشراً لأمريكا نتيجة المسافة القصيرة بينهما. وأثناء تلك الأزمات أبدى كاسترو شجاعة كانت ضرباً مذهلاً من ضروب التصلب ورباطة الجأش بالرغم من تهديد كندي بتدمير كوبا.
فيدل كاسترو ظل بالنسبة للعالم المناضل الجسور والعنيد الذي يقود بلداً صغيراً على حواف فلوريدا الأمريكية، ويجابه أعتى امبريالية في التاريخ، يقاتل إلى جوار صديقه ورفيقه تشي جيفارا ببدلته الكاكي وطاقيته "البريه" ضد الدكتاتور الكوبي باتيستا.
كاسترو وجيفارا ورفاقهما خططوا للإطاحة بحكومة الطاغية باتيستا الانقلابية لإنقاذ وخلاص الشعب الكوبي من عبث الامبريالية الأمريكية وتأسيس نظام يشكل قطيعة تامة مع المجتمع الامبريالي الذي يسد النوافذ أمام أي فسحة للحرية يمكن أن تتسرب إلى الشعوب المقهورة. إن ما قام به كاسترو والعدد القليل جداً من رفاقه من ثورة وعلى مرمى حجر من أعتى وأقوى امبريالية في العالم، لم تكن أكثر من مجازفة، ولكنها مع ذلك كانت من عيار تلك المجازفات التي تجعل التاريخ قادراً على السير على رجليه لا على رأسه. ثورة لايزال دويها يعبر التاريخ حتى اللحظة، بقدرتها المذهلة على إضاءة عالم الفقراء والكادحين في العالم. 
وهكذا يبرهن التاريخ على أن المعارك الحقيقية لا يلزمها إلا القليل من الخطاب والوعود والوقود، والكثير من الإيمان، وأن الموت لا يعني التفسخ بل سيرورة الحياة.
 رحل كاسترو معلناً نهاية عالم الامبريالية، العالم الذي حاول تدمير بلدان كثيرة ومنها اليمن، عالم امبريالي حاقد على الإنسانية ويؤسس لثقافة الكراهية والعنف في بلدان كانت مثالاً للتعايش والتسامح والسلام. وفي كل حال تظل قيمة الشخصية التاريخية أكبر من كل تزويق، وأبهى من كل ظلال، وأقوى من كل تزوير.
 ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه العدوان والحصار على اليمن بالعدوان والحصار على كوبا! كوبا كانت الصفحة الأولى الدامية في كتاب النظام الدولي الجديد، والذي اتضحت ملامحه الدامية أكثر في اليمن وسوريا ولبنان والعراق.

أترك تعليقاً

التعليقات