جنوبنا المحتل
 

طاهر علوان

يستهلك المشهد المؤلم، والمحزن، والواقع البائس في جنوبنا الحبيب، بتفاصيله المركبة وأصواته المتباينة وتطوراته السريعة والمتلاحقة، ما تبقى من قدراتنا على التحمل وضبط النفس والرؤية الشاملة، بعد أن تشظت الأوضاع وتناثرت في اتجاهات متعددة لا نبصر منها غير جزئيات وتجليات لعجز إمارتي- سعودي جامع مانع على كافة المستويات وقمعه وسجونه واغتيالاته وتنكيله البشع بالمجاهدين الشرفاء، احتلال كشف عن عجزه المفرط وتخبطه الناجم عن جهل بطبيعة النسيج الاجتماعي، فلم يجد وسيلة غير استخدام القوة العسكرية المفرطة بخشونة وغشامة البدوي المتخلف، بحيث استفز أغلب المكونات الاجتماعية والسياسية.
من الواضح أنه بات من الصعب ضبط العديد من الأوضاع المتفجرة، فالفوضى والاغتيالات والأعمال الإجرامية والقتل بالهوية وحالة التناحر بين الفرقاء وافتتاح موسم الدماء الضائعة والأرواح المهدورة في الصراعات الداخلية المفتعلة نتيجة للدور الذي تلعبه قوى الاحتلال وعناصر مشبوهة بهدف تشتيت القوى الوطنية وتمزيق الوطن الذي لم تستطع قوى الاستعمار وأكثر المحتلين قوة وثروة وعتاداً أن يشتت شمل اليمنيين ويفرق وحدتهم، بالرغم من أن هناك من يدعم الفتنة الكبرى والعصبية والمناطقية والمذهبية التي ما برحت تتحكم بغرائز تشكيلات سياسية، وبعض الاندفاعات المجنونة لتنظيمات وأحزاب مجردة من الصبر والتريث، إن لم تكن مجردة من الكرامة والانتماء الوطني، بتنسيقها مع العدو، وخلق علاقة كأفظع ما يكون من الإذلال والتبعية المطلقة، يهادنون ويتواطؤون مع حفاري قبورهم الأشد شراً وحقارة، وتنفيذ مخططاتهم ومشاريعهم الوهمية ومزابل المآسي والشرور، والتي لم تترك الخيار أمام ضعفاء النفوس سوى الانحناء لمزيد من الركام المتعفن، والذي يؤدي إلى اختناق الأمة وتطويل عمر الاحتلال، إرادات فقدت استقلاليتها بفعل التحاقها بالعدو ومشاريعه الوهمية، ومزابل كومها فوق أحلامه المريضة، مجموعات أثبتت عجزها تماماً عن مقارعة استلابها، وعدو يتلاعب بالمواقف وبمصير أمة، وإيهامنا بمشاريع اقتصادية وبالسلام الدائم وبالخير والعطاء بفضل وجوده وخضوعنا له، مهما يكن وضعه، وموقفه، ومشاريعه، إنه عدو حتى عندما (يُسالم)، والقتال ضده عمل أخلاقي مشروع، ولابد من ترسيخ عملية التعبئة ضده وبشكل يومي وبلا هوادة.
ثلاثة أعوام من العدوان كافية لاستئصال ما في داخلنا من ترسبات الانتكاسات الماضية، من أوهام الضعف والشتات والاستسلام، ولم نقتل ونستشهد مجاناً، وليس حقنا رخيصاً إلى حد التبذير، ولم نرغب في الموت للموت ذاته، ولم نكن لنرضى الحياة في المكان الذي تحدده لنا العقول المتخلفة والمغامرات الصبيانية العبثية التي لم ينتج عنها سوى أن تُساق أجيالنا إلى متاهاتها كما كانت تُساق قوافل العبيد إلى المذابح باسم الحرية.
لابد أن يكون واضحاً ومفهوماً موضوع الصراع، بالرغم من أن البعض يتذاكى ويجترح بعداً آخر من الصراع، ويخدع شعبه ويحرك فيه حماسة زائفة ضد عدو وهمي لا وجود له على أرض الواقع، يضع عيون شعبه خلف ظهره لتحقيق حلم العدو الحقيقي، وتفكيك الوطن، وشرذمة فصائله الوطنية، وتفجير لحمته بمفردات طنانه تحاول أن تشيع جواً من الواقعية توحد معانيها مشاعر متواطئة مع العدو لإيصال الوطن إلى الدرك السحيق من القنوط والتشاؤم، بحيث يخلق شعور عام باليأس لدى جميع القوى الوطنية، وتعطيل حركة المقاومة، وتوطيد كابوس الاحتلال المزعج الذي يدعي (التحرير) المشكوك في يقينه أصلاً، وهو صدر عن أبشع شياطين الأرض عبودية.

أترك تعليقاً

التعليقات