أمريكا وإفساد العالم
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي

لعلها من المفارقات العجيبة في التاريخ السياسي أن توكل إلى أمريكا الفاسدة والإرهابية مهمة قيادة العالم وإنقاذه من دوامة العنف، والاضطهاد، ومحاربة الإرهاب، وتأمين الأرضية الصالحة لممارسة الديمقراطية وحرية الرأي، والعدل الاجتماعي، والسلم في العالم، هذا هو الواقع السياسي، الذي فرض نفسه من خلال الهيمنة الإمبريالية العالمية بقيادة أمريكا لإفساد العالم وترويضه بالتعامل المناسب مع نظامها الاقتصادي الجديد، وحاجتها الضرورية إلى تنظيم أرباحها وتثبيت شركاتها العملاقة في العالم بكل الوسائل، وفرض واقع جديد بواسطة القوة الاقتصادية والتفوق التكنولوجي، وأيضاً بقوة الحديد والنار، وتحت شعارات زائفة للحفاظ على المجتمع المدني والديمقراطي، وتثبيت السلم والعدل في العالم، وحماية الدول الساقطة في حضنها.
ركزت الإدارة الأمريكية جهودها على تعميم الثقافة الاستهلاكية (الإنسان الاقتصادي) ذي البعد الواحد غير المركب من ثنائيات مادية وقيمية، أخلاقية وروحية، وأن تفتح الحدود بين البلدان لمصلحة شركاتها العملاقة، وأن تختفي من الوجود تماماً القيم والخصوصيات من عادات وطنية وقومية، ومن موروثات حضارية وثقافية ودينية، ليصبح العالم آلة إنتاجية استهلاكية في النظام العالمي الجديد، ينتج بكفاءة وقدرة هائلة سلعاً ثم يستهلكها برضى كامل دون أية إعاقة قيمية أخلاقية، أو دينية، أو حتى نفسية داخلية، ودون أن يكون مهماً المضمون الأخلاقي لهذه السلع، وذلك يتطلب غزواً ثقافياً وحروباً ضارية على خصوصية شعوب العالم المختلفة وإفسادها وتدمير ثقافتها واجتياح قيمها الدينية والأخلاقية، وتعميم ظاهرة الإنسان المجرد من جميع القيم الأخلاقية والروحية، ومحاولة تغريب الشعوب بفرض القيم الاستهلاكية، ومصلحة أمريكا فوق كل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية، تلك هي قاعدة البناء التاريخي للحضارة الإمبريالية المتفوقة بطبعتها الأمريكية الخالصة، ولابد من تعميمها على البشرية في مختلف أنحاء المعمورة باعتبارها الشكل الأرقى حضارياً، وإعلان الحروب الضارية على خصوصية شعوب العالم.
يأتي العدوان على اليمن ضمن تلك السياسات لإخضاع الشعب اليمني وإرغامه على التخلي عن قيم ومبادئ الحق والعدالة والتفريط باستقلاله وحريته وكرامته، والموافقة على الابتذال الأخلاقي وتشويه القيم الإنسانية، ومسخ البشرية وتحويلهم إلى آلة مجردة من أي شعور إنساني، ورفض القيم الاستهلاكية التي توفر القوة والقدرة والرخاء لأمريكا وإسرائيل باعتمادها على تنفيذ مشروعها وهيمنتها، وغزوها الثقافي على الدوائر الفكرية والسياسية، ومراكز البحوث الثقافية والاقتصادية لدى هذه الشعوب، والنخب الثقافية التي تتبنى المشروع الأمريكي لتبديل وجهة نظر الناس والتلاعب بوعيهم وثقافتهم في قلب الحقائق وتزويرها.
رغم كل ذلك لم يعد بمقدور أمريكا تثبيت مشروعها وفرض قيمها وثقافتها الاستهلاكية وتمييع العالم نتيجة التفكك الاجتماعي في المجتمع الأمريكي، والانحدار الأخلاقي، والصراع الداخلي الحاد، والتآكل الكبير والمستمر للقيم، إضافة إلى وجود جبهة قوية لمقاومة الهيمنة الأمريكية والنظام العالمي الجديد في كل أنحاء العالم، كل ذلك يحد من قدرة أمريكا على لعب الدور القيادي على الصعيد العالمي إلا بإفساد العالم بأكمله.

أترك تعليقاً

التعليقات