الشرارة الأولى للثورة
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -

لم تستطع ثورة الشباب السلمية أن تحقق أهدافها في تغيير نظام الطغمة الأسرية الفاسدة بجميع رموزها، وأن تعيد لليمن السعيد ربيعه الدائم، ففي حياة الشعوب ونضالها وتجاربها انتصارات وإخفاقات، وإن استقلال الأوطان من ظلم الحكام وتبعيتهم للمخططات الاستعمارية، هو مصدر فخار واعتزاز للشعوب، وهذا الشعور يلازم كل يمني تتجسد في أعماقه روح الوطنية الحقة والانتماء إلى شعب له جذوره التاريخية وحضارته الإنسانية ومفطور على الحرية التي لا يرضى عنها بديلاً.
ثورة الشباب أسست لعمل ثوري متواصل لاقتلاع نظام أسري فاسد، وكانت النفير الثوري والشرارة الأولى لثورة 21 أيلول، رغم كل محاولات القوى الرجعية لإحباطها، والتي عملت على استلاب الثورة وإفراغها من مضامينها الثورية والاجتماعية، وإزاحة الشباب من المشهد السياسي، وإخضاع الثورة ومسيرتها للمخطط الأمريكي، بالمبادرة الخليجية المدعومة من بعض القوى السياسية التابعة لمملكة الشر السعودية (أحزاب اللقاء المشترك)، تلك المبادرة التي عطلت الدستور اليمني واعتبرت مرجعية دستورية لإدارة البلاد، وبموجبها منح "صالح" حصانة من الملاحقة القانونية.
 المبادرة حرصت على القفز على الثوابت وأهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية. ولم تظهر بتلك الفضاضة والمخطط الشنيع والمتضمن المشروع الأمريكي للمنطقة، وإنما ظهرت بلبوس "الحكمة" و"الاتزان" ورقابة صارمة أمريكية وسعودية تراقب هذا التحول في الميدان وفي أزقة مؤتمر الحوار الوطني، والذي تبدت فيه "شخصيات" ذات انتماءات يسارية ميلاً نحو "الإبداع" والتسابق في ميدان البحث عن الطريق المؤدي إلى طموحها والوصول إلى ملكوت) النظام الامبريالي، وإن على حساب مصداقيتها، مستلهمة في الوقت ذاته (ومن علم الأموات) الدروس المستفادة تاريخياً وسياسياً، كي لا يضلوا الطريق أو كي يتجنبوا التضاريس العقائدية وفجوات الحرية العميقة التي قد تطبق فكها على مصائرهم فتصيبها بالانتكاسة وبطمس ذكرى يساريتهم المزعومة خلال فترة تمتد إلى عقود من الزمن. كان خطابهم وأفكارهم وخطهم السياسي داعية إلى مناهضة الإمبريالية والوصاية السعودية، وضد جشع الإقطاع والعسكرتاريا الفاسدة، وانقلب إلى خطاب يثبت مفاهيم رجعية استعمارية، واتخاذ قرارات مصيرية واستراتيجية يصل تأثيرها إلى أجيال قادمة، قرارات تزيف الوعي والإرادة الشعبية وتعطي شرعية للخيانة والارتزاق، وتمارس أبشع أنواع الخلط والتزوير والتلفيق وفقدان الانتماء للوطن وأمركة الهوية، ولا تمانع أيضاً في إفساح الطريق أمام دعاة التكفير والتخلف. ومضوا على هذا الطريق ولم يكونوا وحيدين. إنه الانحراف الذي جرى تصويره على أنه عين "الحكمة" و"العقلانية". خيانة لا تعرف أية حدود، حتى وإن كانت الطاعة للسياسة الأمريكية والولاء للصهاينة.  
وفي الوقت الذي أُطلقت فيه المبادرة الخليجية والحوار تحت إشراف السفيرين الأمريكي والسعودي، كانت ماكنة القمع والاغتيالات نشطة جداً، مستهدفة مختلف القيادات والشخصيات الوطنية. وطورت تلك الماكنة الأداء، ولم يعد عملها مقتصراً على الاغتيالات وافتعال الأزمات وأعمال التخريب والسيطرة على مجريات الحوار، والابتزاز، والتفرقة، والإثارة الطائفية والقبلية، وما إلى ذلك، وإنما قامت أيضاً بجهود كبيرة على صعيد الأزمات الداخلية واستمرار تطوير التراث "الخميسي" الذي بدأ يعمل بمظاهر جديدة جعلت المتابعين للتطور السياسي والفكري والنفسي يدركون أن وتيرة العنف الداخلي والتمييز، والإرهاب الداخلي في اليمن، ازدادت بشكل يصعب تصوره.

أترك تعليقاً

التعليقات