عالم مجنون!!
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
عادت الحرب الباردة من جديد بانفجار الأزمة الأوكرانية بكل ما تحمله من مخاطر هائلة على أمن العالم ومستقبله، كمنعطف جنوني جديد ليس بوسع أحد أن يتنبأ بشكله ومضمونه، ربما حتى لفترة ما بعد الأزمة الأوكرانية. ولا مبالغة في القول بأن هذه الأزمة قد وضعت كل قضايا العالم الاقتصادية والسياسية والعسكرية على كف عفريت، على نارها المشتعلة، وأن ثمة تغييراً كبيراً في النظام العالمي سوف يحدث لا محالة، وأن هذا التغيير لا بد من أن يترتب عليه بالضرورة تغيير في الأمن العالمي المستباح من قبل أمريكا والغرب (الناتو)، الذين جعلوا بعض الدول تحت السيطرة، وفقدت القدرة على التحكم بثرواتها وأمنها، كما فقدت القدرة على رد العدوان، بحيث أصبحت الآمال معلقة بضمانات يعطيها الغير. وفي هذا الاتجاه مخاطر ماحقة تعزز النظام العالمي الجديد، وبذلك تواجه مشكلات استكمال الاستقلال السياسي والأمني والاقتصادي، حيث يصل الأمن إلى أسوأ لحظاته، وقد انعكست على نحو بالغ الخطورة في انفجار أزمة أوكرانيا.
ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه حرب كوريا في الخمسينيات بالأزمة الأوكرانية! حرب كوريا كانت الصفحة الأولى الدامية في كتاب النظام العالمي الجديد، تمخض عن الحرب العالمية الثانية. والأزمة الأوكرانية هي الصفحة الأولى الدامية في كتاب نظام دولي جديد أيضا، ترتسم ملامحه الآن بعد الحرب الثالثة، أو ما يسمى بالحرب الباردة بين الشرق والغرب، وسقوط الاتحاد السوفييتي كقوة صدام أيديولوجي بالأساس، وكقوة عظمى أو قطب دولي، وكانت الماركسية هي الأسطورة التي صنعت إمبراطورية الكرملين، ومدت دورها إلى جهات الدنيا الأربع.
وحين أسقطت بيريسترويكا غورباتشوف صراع الأيديولوجيات كانت بذلك تدق آخر مسمار في نعش الدور السوفييتي، فقد تراجع الهجوم الماركسي أيديولوجياً في وقت اشتد فيه الهجوم الرأسمالي وانتقل الغرب من مواقع الدفاع إلى الهجوم، وانتهت حرب الأيديولوجيا المعلنة بانسحاب الطرف السوفييتي، وانتهت معها الحرب الباردة بانسحاب السوفييت أيضاً، واستراتيجية الهجوم القديمة استبدلت بها استراتيجية “حماية الحدود”، فيما يستجمع التحالف الرأسمالي قواه تحت العلم الأمريكي وعلم الأمم المتحدة، ويتراجع الكرملين مكتفياً بـ”بجائزة نوبل” للسلام التي مُنحت لغورباتشوف، وينمو تناقض محتدم بين الشمال المتقدم والجنوب المتخلف الذي يمثل ثلاثة أرباع البشرية، ويكاد التناقض بينهما يحل محل التناقض القديم بين الشرق والغرب في نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.
والأسوأ أن منجزات الثورة العلمية، والتكنولوجيا المتسارعة بجنون تجاري، استخدمت لإفقار الجنوب وتهميشه وإضعاف أهميته الاستراتيجية، والعرب بين شعوب الجنوب وهم أول المستهدفين بالإخضاع الأمريكي، ليس بسبب ثرواتهم النفطية الهائلة فقط، بل ولأسباب أخرى كثيرة، منها البعد التجاري والبعد السكاني الثقافي والبعد الاستراتيجي، حيث يعد الوطن العربي أهم منطقة مصالح استراتيجية لأمريكا.
تلك هي ملامح العالم المجنون الذي يقودنا إليه الطاعون الأمريكي، ويتخذ من أزماتنا نقطة انطلاق، موهماً إيانا بأنه يفعل ما يفعل باسم الضمير العالمي وإجماع الأمم المتحدة؛ لكن ذلك الطاعون لن يستمر طويلاً، فهناك تحالفات قوية برزت ضد سيطرة غول المال والعنف الأمريكي على مقدرات البشرية.

أترك تعليقاً

التعليقات