المثقف والثورة (1)
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي

المثقف الوطني لا يمكن أن يكون سلبياً، وهامشياً تجاه الثورة ومنجزاتها، تجاه الأحداث الدرامية الدموية الأشد رعباً ومأساوية، تجاه قضايا المجتمع، وهمومه، ومعاناته ونكباته، تجاه التحولات والظواهر الكبرى التي يشهدها العالم، والتي تترك بصماتها العميقة على وعيه ووجدانه، وتشكل مواقفه واتجاهاته ودعمه لكل ما هو إيجابي ووطني وإنساني، ودعمه للثورة وانعطافاتها التاريخية وشراسة الصراعات على كافة الأصعدة سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، دعماً لا يقبل اللبس، ولا يحتاج إلى شفيع من الغموض، أو التردد، أو اللعب في المنطقة الرمادية بين الأبيض والأسود، أرضية الصراع وأدواته، ولغته، وعلاماته الفارقة بين تداخل الخطوط والوجوه واضحة، ولا تقبل الالتباس ولا الرهان على أولئك (النخبويين) المنتمين إلى شتى فوائض الطبقات، فمازالوا يشخصون مترددين، ومتلعثمين سلبيين وممزقين، فالرهان عليهم يماثل الرهان على أخلاق العقارب، الرهان لن يصح ولن يستقيم إلا على الكتل الوطنية المؤلفة قلوبهم، والمتضررة من كل المؤسسات والأنظمة الاستبدادية البائدة، والوصاية، والإقطاع، ونهب الثروات والموارد الطبيعية، والتراجع الوطني المستمر والدائم. الرهان على المثقلين بالمعاناة الصادقة، والمستعدين للتضحية بأرواحهم في سبيل انتصار الحق والسيادة الوطنية.
فالمثقف الوطني ليس مفصولاً عن تلك الكتل، عن محيطه، عن واقعه، عن الثورة وتوجهاتها وأهدافها، فهو بالضرورة منتمٍ إلى الثورة وتوجهاتها الوطنية، باعتبار الثورة مشروعاً تحررياً تنطوي على توجه وحدوي يخلق اللحمة الضرورية بين أبناء الشعب اليمني، وتكفل العدالة، والمساواة في الحقوق والواجبات، والوفاق بين الحداثة والتراث، بين المعاصرة والأصالة، بين الدولة والدين.
المثقف الوطني مرتبط بشكل وثيق بوظيفته الوطنية والاجتماعية والسياسية التي تحدد منحاه واتجاهاته العامة، لا بوصفه المثقف (المحايد) كما تدعي (النخبة)، بل بوصفه معبراً عن قوى وفئات اجتماعية مضطهدة ومظلومة، لم تجن من الأنظمة البائدة والفاسدة سوى مزيد من القهر والاستلاب والذل والمهانة، يناضل المثقف من أجل تحقيق استقلالها وتحررها من استغلال تلك الفئة الباغية.
فالسمة الأساسية المميزة للمثقف الوطني، والتي تميزه عن غيره من المثقفين (النخبويين) الذين أصيبت عقولهم بالضمور، المغرمين بنقل الصراع إلى أرضية وهمية ثانوية باسم وطنية زائفة، وتحرير وهمي، بعيداً عن الصراع الدائر الرئيسي ضد المشروع الأمريكي والوصاية، المصابين بعدوى الجفاف والتصحر الفكري والثقافي، حيث لا رؤية واضحة مستقيمة، ولا مشروع بديل وحلم (ثوري)، مومياءات محفوظة في جوف عفونة العدوان والابتذال، والاستلاب، والردة، والارتهان (للعدو التاريخي)، استهلكوا ثوريتهم وطاقاتهم (المادية) في معارك وهمية، ومخططات أجنبية أمريكية امبريالية، تهدف إلى الاحتلال، وتفكيك المجتمع وتمزيقه، والإيقاع بين فئاته وطوائفه لإشعال حروب عبثية لا تبقي ولا تذر، وتحطيم ما تبقى لدينا من الأحلام الجميلة بوطن موحد حر سيد وسعيد، مشروعهم توقيف التنمية وتدمير الحياة، وانهيار السلام والأمن الاجتماعيين، ليحل التعصب الفئوي، والطائفي، والجهوي، محل الثقافة، والتقدم، واستيعاب العصر.. المثقف الوطني يتميز عن غيره من المثقفين بأنه لا يفكر في ذاته إلا من خلال التفكير في قضايا مجتمعه، ووطنه، وناسه، والتزامه الواعي الهادف إلى تغيير المجتمع نحو الأفضل.

أترك تعليقاً

التعليقات