امبراطورية ساقطة
 

طاهر علوان

طاهر علوان / لا ميديا -

الإمبراطورية الأمريكية على شفا هاوية السقوط. كل المؤشرات الداخلية والخارجية تدل على ذلك، حيث تمر الإمبراطورية بأسوأ كارثة سياسية واقتصادية ودولية واتساع جبهة المعارضة في الداخل والاحتجاجات الدولية على سياسة إدارة ترامب العنصرية القمعية والدموية.
الإمبراطورية فقدت أغلب قواعدها الاستراتيجية، الاقتصادية منها والسياسية، وتخلى عنها أغلب الحلفاء والأصدقاء، ولم تعد تحتفظ بالكثير من تلك العلاقات الخارجية المجدية اقتصادياً وسياسياً، خصوصاً بعد رفع ترامب شعاره المفلس: «أمريكا أولاً» إضافة إلى جائحة كورونا. تلك العوامل مجتمعة جعلت الإمبراطورية مهددة بالسقوط، وباتت أشد ما تكون خطورة بعد الهبة الشعبية، حيث وجد ترامب نفسه فجأة بلا سلطة قوية أو بسلطة منقوصة، وهو الذي اشتهر حتى أشهر قليلة مضت بأنه أقوى رئيس أمريكي بلطجي عرفته الإمبراطورية الأمريكية في تاريخها القديم والحديث، ودينامو السياسية الأمريكية، حيث عقد صفقات مربحة بمليارات الدولارات مع الدول الكرتونية: السعودية ومشيخات الخليج، بالرغم من احتقاره وشتائمه المستمرة لهم، فجأة لاحقته الفضائح والاتهامات حتى من أقرب المقربين له (بولتون)؛ فعندما يختلف اللصوص تظهر السرقات، ليغرق في سلسلة من الأزمات الكارثية المتلاحقة، وليحمل صورة الأمريكي البشع بكل مفرداته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والأخلاقية، ويحاول أن يظهر نفسه على الشاشات الداخلية والدولية بأنه البطل الأسطوري الذي يتخلص من كل الأزمات والعقبات بطريقة وأسلوب «رامبو» و»الكابوي»، تلك الصناعة السينمائية الأمريكية التي تبرر أيديولوجية العنف والاضطهاد الاستعماري القديم والحديث والمذابح التي ارتكبت بحق الإنسانية وبحق الهنود الحمر، حيث جعلونا (نتعاطف) مع «رامبو» و»الكابوي»، نتعاطف مع الإبادة المنهجية للهنود الحمر، دون التنبه لعصر الاستعمار القادم الذي افتتح بالمذابح.
ترامب لن يكون أبداً ذلك البطل الأسطوري، لأنه فقد الكثير من الهيبة الشعبية في الداخل والخارج، فقد الكثير من الشعبية حتى في صفوف أنصاره الجمهوريين، الذين وجدوا فيه العقل المدمر الذي جر الإمبراطورية وسلطتهم إلى الرمال المتحركة. والكل يعلم أن الحركة في الرمال المتحركة تزيد الغرق فيها. مشكلة ترامب وصقوره وحزبه وأيديولوجية طبقته أنهم تجاوزوا حد ادعاء الحماقة إلى ممارستها بصورة فعلية، فهم ألغوا التاريخ عندما رفضوا الأخذ بدروسه وباتوا لا يعيرونه أي اهتمام، وبذلك سقطت عندهم كل نظرية الاستقراء التاريخي والاستنارة بالتجارب والسوابق التاريخية، مما أدى إلى امتداد الحماقة إلى بنية النظام الإمبراطوري نفسه وجعله يتهاوى تدريجياً في طريقه إلى السقوط، ولا يوجد البديل، فالحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي وجهان لعملة واحدة، وينهجان سياسة تكاد تكون واحدة في استراتيجيتها وأهدافها، ويصران على بقاء مصالح النظام الرأسمالي وليس تغييره. 
الجمهور الأمريكي لا يبالي بانتهاكاتها للقوانين الدولية والاعتداءات على حقوق الشعوب الأخرى واستغلال ثرواتها لمصلحته ورخائه، ولكنه غير مستعد للتضحية البشرية ودفع الثمن الذي تتطلبه حماقة ترامب وصقوره، ولن يسمح له بالجنون الداخلي والتلاعب بمكتسباته وتمزيق وحدته الداخلية. ترامب وما يمثله من أيديولوجية طبقته الرأسمالية المتوحشة ألحق أضراراً مميتة بالإمبراطورية الأمريكية تفوق كل ما ألحقته بها كل القوى الخارجية بما فيها الاتحاد السوفييتي السابق.
ترامب ليس لديه القدرة والتأهيل للتعامل مع القضايا الخارجية الدولية والأزمات الداخلية. ليس لديه استراتيجية، وإنما مجموعة أهداف ينفذها تحت شعار «أمريكا أولاً»، مما جعل واشنطن عاصمة مكروهة حتى من حلفائها ولدى العديد من الشعوب والدول. ترامب وإمبراطوريته الساقطة سوف يدفعون أثماناً باهظة من سلطتهم ونفوذهم، بمواقفهم المتبلدة وضربهم عرض الحائط بكل الاحتجاجات والاتهامات، ولن يستمر عنادهم وتبجحهم واستهتارهم طويلاً، فالهبة الشعبية والاحتجاجات الدولية وتخلي الحلفاء والأصدقاء عنهم سوف تضع ترامب وإمبراطوريته على الرف، وتضرب بهم عرض الحائط، بثورة شعبية منظمة تسقط تلك الإمبراطورية المتعجرفة.

أترك تعليقاً

التعليقات