الانتخابات الأمريكية ديمقراطية زائفة
 

طاهر علوان

الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي الوجه الأكثر اتساعاً وأهمية في العملية الانتخابية وفي النظام (الديمقراطي) الأمريكي ككل، تستغرق من حياة الأمريكيين وقتاً يفوق أي نشاط سياسي آخر، إن الحملة الانتخابية لاختيار الرئيس لا تكاد تنتهي بتنصيب رئيس جديد (في 20 يناير) حتى تبدأ الحملة الانتخابية التالية، إما لفترة رئاسية ثانية أو لاختيار رئيس جديد إذا كان قد أنهى فترتي رئاسة متعاقبتين، لهذا أصبح من المألوف أن يطلق على الحملة الانتخابية الرئاسية وصف (الحملة الدائمة). لعل من الأمور التي تدعو للدهشة حقاً أن الأمريكيين يشاركون بحماس في أنشطة الحملة الانتخابية، ويتابعون المرشحين في جولاتهم وخطاباتهم ومقابلاتهم التلفزيونية والصحفية، وعندما يأتي يوم الاقتراع فإن النسبة الأكبر منهم يحجم عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات 1988 التي أتت ببوش إلى الرئاسة لم تصل نسبة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم إلى 50%، امتناع الأمريكيين عن أداء الواجب الانتخابي هو الشعور بأن صوت الناخب لا يغير شيئاً، وحتى إذا غير فإن الخيار بين مرشح جمهوري، ومرشح ديمقراطي، أمر لا أهمية ولا معنى له، كلا المرشحين الجمهوري والديمقراطي لا يهتم بمصالح الناخب الفقير والفئات الشعبية المعدمة، اهتمامه بمصالح المؤسسات الكبرى ورجال الأعمال ذوي النفوذ، للحزبين سياسة واحدة في جميع مفاصل الحياة الاجتماعية، وأيضاً في السياسة الداخلية والخارجية، وليس لديهما أدنى اهتمام في القضايا الجوهرية التي تهم معظم الشعب الأمريكي بأغلبيته الساحقة، وحتى حينما تفرض مسألة الأوضاع الاقتصادية نفسها على برامج وأحاديث المرشحين، فإنهم لا يتناولونها كمسألة جوهرية، وإنما كمسألة خلاف بين اتجاهين في فهم طريقة معالجتها، وليس في الحملات الانتخابية التي ينظمها الحزبان خطوط وبرامج تميز سياسة حزب عن الآخر.
أمريكا بحاجة إلى كسر قضبان نظام الحزبين الذي هو بالأساس قطاع الحزب الواحد بشقيه الجمهوري والديمقراطي، ويمثل مصالح اللوبي الأمريكي.
إن الوقت قد حان لظهور حزب يخاطب أمريكا الحقيقية، أمريكا العمال والفلاحين وأغلبية الفئات المعدمة، لا بد من التغيير الحتمي والتاريخي لنظام يعجز عن إدراك الحاجة إلى التغيير، بينما العالم كله من حول أمريكا يتغير، فقدان الناخبين الأمريكيين الحافز إلى المشاركة في العمل السياسي، وتنازلهم عن حق الانتخاب الذي يتمثل في امتناع نحو نصف الناخبين عن الاقتراع، حتى هبطت أمريكا إلى المركز الأخير في نسبة الإقبال على الإدلاء بأصواتهم مقارنة بالديمقراطيات الغربية، في الماضي كان يقال إن (الحزب الثالث) لا يجذب سوى (المصالح الضيقة) مثل نقابات العمال واتحادات المزارعين، أما اليوم فإن الأمريكيين يريدون حزباً ثالثاً لكي يجدوا بديلاً عن نظام الحزبين الذي دام أكثر من 120 سنة، وأثبت عدم قدرته على مواجهة الواقع الجديد سواء على نطاق أمريكا أو على نطاق العالم، وعلى الرغم من أن الانتخابات الأخيرة كانت حملة المرشحين لها تحت التأثير الصاعق لحالة الركود الاقتصادي، مما جعل شعار (التغيير) يبدو شعاراً مغرياً للتبني من جانب ترامب في مواجهة المرشحة هيلاري كلينتون، واعتبار حزبها مسؤولاً عن هذا الركود الاقتصادي، إلا أن بقاء النتيجة معلقة إلى آخر لحظة إعلان النتائج يدل دلالة كافية على أن هناك إدراكاً بأن الغالبية الساحقة من الأمريكيين الذين تقع عليهم آثار هذا الركود الاقتصادي، لا تستطيع أو لا تريد أن تتخذ قراراً حاسماً بإسقاط مرشح الحزب الذي أتت رئاسته بهذا التراجع الاقتصادي الخطير، لا تستطيع أو لا تريد..؟! هذا هو السؤال.


أترك تعليقاً

التعليقات