صمٌّ بكمٌ وعُمْي
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
لم تعد الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها والجائعة والمضطهدة والمسحوقة والمكبلة بقيود الأنظمة القاسية والظالمة والمغرمة بسفك دماء الأبرياء، والتي تتكئ على جاذبية الشعارات الوهمية وجعلها متناغمة من الناحية المطلبية والمزاجية والنفسية مع ميول الرأي العام مما يجعل المستضعف الصادق والبسيط يتأثر قبل أن يفهم ويبدل رموزه قبل أن يبدل فهمه... لم تعد تلك الشعوب ترضى أن تقودهم وتحكمهم تلك الأنظمة صماً وبكماً وعمياناً إلى المجازر كي تذبحهم كالأغنام، ولم يعودوا يطيقون الحياة تحت الذل والجوع والمخافة وفساد تلك الأنظمة العابثة بمقدرات وخيرات الشعوب، لم يعودوا قادرين على الصبر والتحمل والمعاناة لخوض غمار تجارب أخرى يقادون فيها إلى المجهول أو إلى سياسة الحرمان من حقوقهم الشرعية. لقد أصبح معلوما لديهم الآن أن أي حزب أو منظمة ثورية أو جبهة وطنية أو حركة شعبية تريد التغيير نحو الأفضل وإصلاح ما أفسدته الأنظمة السابقة لا بد أن تحاورهم حوار الند للند دون ادعاء أو تبجح أو تسلط وفرض قوة السلاح فوق رؤوس ورقاب البسطاء والمستضعفين أو قمع واحتواء أو شعارات كاذبة أو إخضاع أو تهديدات سياسية، وهي دوماً مذهب واعتقاد كل طرف تمكنه قوته وضعف الآخرين من ممارستها بغض النظر عن دينه وعقيدته.
ولا بد أيضاً أن يكون لديها مشروع ورؤية وطنية وقومية ومنهج جديد ومدخل جديد وأدوات جديدة لحل المشاكل والأزمات والحصارات، ومهمة ثقافية بالدرجة الأولى، وأيضاً إيجاد مشاريع ثقافية جديدة وبدائل علمية وأدوات ومؤسسات مهمتها الأولى والأخيرة البحث عن طرق الخلاص والتغلب على الأزمات الاجتماعية والحصارات الاقتصادية والتطبيق العملي الفوري، وليس مجرد إعلان الرغبة أو رفع شعارات وهمية براقة ليس لها أثر أكثر من إلهاب مشاعر البسطاء الذين لا يلبثون أن يصطدموا بواقع هذه الشعارات وواقع الداعين إليها، وسرعان ما تتحول المشاعر الملتهبة إلى يأس وإحباط نتيجة تبسيط الأمور إلى درجة السذاجة السياسية واختصار الحلول في تلك الشعارات البراقة التي لا تلبي المتطلبات والاحتياجات الأساسية والضرورية لاستمرار الحياة الكريمة للجموع الجائعة الحافية العارية الباحثة عن العز والوطن العزيز الموحد الذي يحمي الجائعين ويطعم الجائعين ويرهب المعتدين وينصر المستضعفين.
تلك الجموع التي استطاعت أن تقاوم الظلم والفساد والمحتلين وتطردهم من أراضينا الحرة، إنها الجموع التي تقاوم الجوع والفساد والفقر والمرض، إنها الجموع التي تستمد منها كل الأنظمة شرعيتها، إنها الفيصل النهائي في تقرير أساس مشروعية الأنظمة القائمة أو مشروعية الدعوات الساعية إلى تغييرها، وعلى القوى والأنظمة أن تثبت جدارتها ومشروعيتها، وأن تعرض وجهات نظرها لا كقواعد ومسلمات، بل كفرضيات ومقترحات، وعلى الجموع الكادحة أن تعدلها وتغيرها، تقبلها أو ترفضها.
إن أي نظام يريد البقاء في السلطة عليه أن يحقق الحياة الأفضل والتطور والتقدم والنمو المطرد بعيداً عن التسلط والهيمنة، وذلك أن مصائر الشعوب لم تعد إقطاعيات تتقاسمها فئات أو تنفرد بها جماعات دون مجموع الشعب مصدر السلطة وصاحبها الشرعي. ولا سبيل إلى إنكار هذه الحقيقة. غاية مجموع الشعب هي البحث عن الخلاص والسلام والتقدم والرخاء ورفعة الوطن وعزه وتقدمه وسلطة القانون لا قانون السلطة. الشعب هو وحده صاحب القرار ولا وصاية عليه.

أترك تعليقاً

التعليقات