14 أكتوبر والعدو التاريخي
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا - 

بثورة 14 أكتوبر غابت شمس الإمبراطورية البريطانية عن ساحة جنوبنا الحبيب بعد استعمار دام طويلاً، وبرزت على الساحة اليمنية ثورة عملاقة بكل المقاييس الثورية والوطنية، بآفاقها المستقبلية الواعدة وتوجهاتها التقدمية وبمنطلقات وأهداف واضحة ضد النظام الإمبريالي العالمي وأدواته في المنطقة، وبناء دعائم الاشتراكية في قلب منطقة المصالح الاستعمارية والاستثمارات الكبرى وأصحاب الثراء الفاحش والعقل الرجعي المتخلف، وكان لها الدور الفاعل والمؤثر والمتميز في تصفية العلاقات الإقطاعية والمؤثرات القبلية والعشائرية وإحلال أشكال وعلاقات جديدة متطورة، وبصمات اجتماعية واضحة ومكانة مرموقة ضمن حركات التحرر العالمية والتاريخ المتصاعد عزة وكرامة وحرية، وانطلقت نحو التقدم والازدهار الحضاري والإنساني من عدل وأمن وأمان وديمقراطية واشتراكية.
ثورة 14 أكتوبر أحدثت تغييراً شاملاً في علاقات ووسائل الإنتاج وخلق مناخ عام يساعد على تكوين علاقات جديدة داخل المجتمع اليمني لمواجهة العلاقات والأنماط الاقتصادية والاجتماعية المتخلفة والمعيقة للتطور، وأصدرت قرارات ثورية بمصادرة أراضي وممتلكات الإقطاع، مصادرة الأساس الاقتصادي الذي يستند إليه الإقطاع في قوته السياسية وتمكنه من السيطرة وإخضاع الفلاحين المستضعفين والجماهير المغلوبة على أمرها والتي تنشد من يرفع الجور والظلم عنها ويزيل الغشاوة من عينها كي لا تقع مجدداً في متاهات الشعارات الزائفة، وداخل مستنقع المصالح الاستعمارية والفئوية والأسرية، واتخذت الثورة إجراءات التأميم لإخراج الوطن من غائلة أخطبوط الاستغلال الذي يلف عنق الثورة ويحاصرها ويحول دون انعتاق الأمة صوب تحقيق أمانيها وأهدافها الحضارية والإنسانية، وأيضاً يحول دون وضع خطط ومشاريع إنتاجية وطنية بديلة، ويشد المجتمع إلى عملية التطور والإبداع والابتكار والخروج من العلاقات الاحتكارية والعادات والتقاليد والأعراف والأخلاق الإقطاعية والاستثمار التجاري الجشع.
واستطاعت الثورة إنجاز الكثير من الإجراءات لمصلحة غالبية الجماهير في مرحلة الثورة الديمقراطية الوطنية بالرغم من المؤامرات الدنيئة الداخلية والخارجية وروح الاستكلاب المسعور ضد الثورة ورموزها المضيئة والمشرقة في تاريخنا النضالي، والتي لعبت دوراً مؤثراً في تشكيل وجدان شعبنا وضميره الوطني.
إن التصفية الجسدية لكوكبة من القيادات الرئيسية لثورة 14 أكتوبر، باسم التقدمية الثورية حيناً وأحياناً كثيرة باسم الرجعية، شكل انتكاسة حقيقية للثورة ومشروعها التقدمي واغتال الإجراءات الثورية عن سابق إصرار وتعمد من قبل العدو التاريخي السعودية وبعقد زواج وتحالف مع ممثلي العلاقات الإقطاعية وممثلي البرجوازية التجارية، وأيضاً مع تلك القوى الانتهازية التي تدعي التقدمية وتتمترس خلف سور من الشعارات الطفولية وتردد كمية هائلة من المفاهيم والمقولات والاصطلاحات بعد تجريدها من مضامينها وإسقاطها بعيداً عن دلالاتها الحقيقية وقوانين تطور العملية السياسية والاجتماعية. ومن سخرية الأحداث أن كان التآمر والخيانة والتكالب من قمة الهرم السياسي والحزبي بتخطيط وتوجيه العدو التاريخي السعودية، وبعد سلسلة طويلة من الصراعات غير المنتهية بشكل حاسم بين الفرقاء رفاق الكفاح المسلح والثورة. وأخذ العدو التاريخي على عاتقه توسيع فجوة الصراعات وتسريع الانهيار بالتآكل الداخلي مع بذل جهود شاملة للسيطرة على عملية التآكل الداخلي كي لا تمتد وتهدد مصالحه وتظل مرتدة نحو الداخل باستمرار.  

أترك تعليقاً

التعليقات