وجه ثلاثي..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / لا ميديا -

أعتقد أنني أعاني حالة نفسية مرضية لا أجد لها علاجاً، وإذا لم أستطع التخلص منها فسوف أكبر وأنا أرى مستقبلي ينهار أمام عينيَّ، لذلك سأروي لكم بعضاً من معاناتي عسى أن يكون الحل لديكم.
مثلاً، لا أستطيع المذاكرة قبل الامتحانات نهائياً مهما حاولت، فقط حين تصل ليلة الامتحان يستيقظ ضميري وأذهب للبحث عن كتاب المادة، وحين أجده في زاوية مهجورة أنظفه من الغبار والأتربة والحشرات التي اتخذته مسكناً لها، ثم أفتحه لمدة 10 دقائق بالكثير، بعدها أكون قد رميته أمامي والتقطت التلفون بدلاً عنه.
وعندما يتم إعلان النتائج وأكتشف أنني إما «مقبول» بأعجوبة أو «ضعيف»، ينتابني الحزن الشديد، وأشعر بكل أنواع الندامة والحسرة.
يتهمني الجميع جزافاً بالاستهتار واللامبالاة، وبالطبع من المستحيل إقناعهم بعكس ذلك، هم لا يعلمون أنني أبالي بدراستي كثيراً، لكنني لا أستطيع المذاكرة، كما أنني أحزن بعد الخروج من كل امتحان، لكنني لن أذاكر لامتحان اليوم التالي.. الأمر ليس بيدي.
هناك أمر آخر أيضاً، هو أنني كلما حصلت على «بقشتين» ذهبت مسرعاً إلى سوق القات، سواء كان المبلغ كبيراً أم صغيراً تراني أهبه كله للمقوت بكل سعادة وبمجرد الذهاب من عنده يبدأ الشعور بالذنب وتأنيب الضمير بمساورتي، فلا يحل منتصف الليل إلا وأنا أقول لنفسي: إذا استمررت بتبذير أموالك في سبيل القات فلن تتزوج مطلقاً.. مطلقاً.
فأضع لنفسي خطة مالية استراتيجية تقوم على مبدأ الادخار ونسيان طريق سوق القات، وفي اليوم التالي أكتشف أن تلك الخطة لم تكن سوى «خرطة»، وأنقاد تلقائياً نحو سوق القات لإنفاق كل ما أملك.
هكذا هو حالي كل يوم.. يؤنبني ضميري، وأعلم أن هذا خطأ، لكنني لا أستطيع أن أتوقف، وبالتأكيد لن أستطيع أن أتخلص من العزوبية، لهذا تحديداً أقول لكم إن مستقبلي في خطر، ولم أقصد الدراسة وترهاتها.
أظن أن هناك أشخاصاً غيري يعانون من نفس المرض، من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش.
فهذا الرجل الإنساني يشعر بالحزن كل يوم بسبب جرائم القتل والتجويع التي يرتكبها تحالف الشر بحق اليمن، وقبل 3 أيام صرح بأن اليمن يواجه الآن خطر التعرض لأسوأ مجاعة يشهدها العالم في عقود، وعبر عن خوفه الشديد من أننا سنفقد ملايين الأرواح.
إنه يشعر بالأسى تجاه مظلومية اليمنيين، لكنه لا يحرك ساكناً لمساعدتهم، فقط يعبر للعالم عن حزنه ورفضه لما يحدث.
تذكرون الأمين العام السابق بان كي مون، كان قلقاً طوال أيام السنة إزاء الجرائم الأمريكية السعودية، لكنه لا يفعل شيئاً لإيقافها.
الأمم المتحدة تعاني من تأنيب الضمير بشدة، لكنها لا تتخذ موقفاً واحداً لتغيير الواقع، ذلك أنها لو فعلت شيئاً حقيقياً سيتم قطع الرواتب الخيالية على موظفيها القلقين الحزينين طوال الوقت.
كل مواقف الأمم المتحدة من أجل اليمنيين تتلخص في كيس دقيق فاسد وعلبة زيت تشبه التونة المنتهية في رائحتها، بينما موظفوها يتجولون بالسيارات الحديثة ليحزنوا قليلاً ويكتبوا إحصائيات بعدد الأشياء المتعفنة التي سيوزعونها.
مازلت أتذكر وجه ليز غراندي، والدموع تنهال من عينيها المحمرتين عندما رأت جراح الأطفال الناجين من مجزرة حافلة ضحيان، أتذكر ملامحها المكتظة بكل مشاعر الحزن والألم والأسى، لكنني لا أتذكر أنها اتخذت موقفاً حقيقياً من أجلهم.
يبدو أن المرض قد وصل إلى أخطر مراحله في هؤلاء القوم، فحالتهم متطورة أكثر من حالتي، أرجوكم نريد علاجاً في أسرع وقت.

أترك تعليقاً

التعليقات