صديقي.. عميل لإسرائيل..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم الوشلي / لا ميديا -

التطور التدريجي للأمور يقلل من قيمتها ووقعها على الأذهان، فمثلاً لنفترض أن أحدهم وجد بالصدفة "آلة الزمن" تحت سريره في غرفة النوم، ومن فرط الحماس والتهور قام بالعودة إلى العام 1832م، وأخبر أهل ذلك الزمان بإمكانية تحقيق اتصال مرئي بالصوت والصورة بين شخص في "صنعاء" وآخر في "نيروبي"، لو قال لهم هذا لتلقى صفعات قد تكون كفيلة بإيصاله فعلياً إلى كينيا، ما هذا الجنون الذي تتحدث عنه؟
بالتأكيد سيتهمونه بالهرطقة أو خفة العقل في أحسن الحالات، ولن يمنحوه فرصة للدفاع عن نفسه وحلف الأيمان المغلظة بأن ذلك ممكن عبر "واتساب" أو "سكايب" وبأرخص الأثمان، وهذا في صالحه طبعاً، لأنه لو أخبرهم عن تطبيق "السكايب" لقتلوه ظناً منهم بأنه مشعوذ قادم من عالم السحر الأسود بتعاويذ شيطانية.
لا نستطيع أن نلوم هؤلاء، فكيف تحدث شخصاً عن تكنولوجيا اليوم وهو لم يعرف الهاتف الثابت أصلاً، نحن نرى هواتفنا عادية لأننا قد مررنا بمراحل عدة (بداية بالشاقي مروراً بالرنان والجريء والزلزال وبقية أبناء المرحومة نوكيا، وصولاً إلى أول هاتف ذكي يعمل باللمس)، ولهذا لم تبهرنا حتى الخدمات الصوتية الخارقة لشركة "جوجل"، بالمناسبة جرب أن تشغلها وتقول: غني لي، ستغني لك فتاة بصوتها الساحر دون تردد.
هذه كانت مقدمة طويلة عن الموضوع، فحديثي الأساسي عن التطور سياسي بحت ولا تربطه أية علاقة بالتكنولوجيا.
في نهاية العام 2014م، وتحديداً عقب نجاح ثورة 21 أيلول المجيدة، والتي تعتبر أيقونة الثورات، صرح رئيس وزراء الكيان الصهيوني أمام الكونغرس الأمريكي بأنه قلق جداً من هذه الثورة، وقال إن أنصار الله بتوليهم زمام الحكم باتوا يشكلون خطراً على مصلحة الكيان في باب المندب، وكان يعني خطراً تجارياً متعلقاً بالموقع الاستراتيجي للمضيق فقط.
مرت أشهر قليلة تآمرت خلالها الشياطين على بني آدم، لينطلق العدوان الأبشع والأقذر والأقبح على مر التاريخ، ورغم الدماء والجوع صمد اليمنيون، وصمد أنصار الله، وتمكنوا بتلك العبقرية الإيمانية من صنع الصواريخ والطائرات والمضادات والقناصات وأشياء لم تكن موجودة في عهد النظام البائد واللاعدوان.
ومع هذا التطور التدريجي، والفشل المخزي لأعظم ترسانة عسكرية في العالم، كانت تتنقل تصريحات "نتنياهو" من مرحلة إلى التالية.
في العامين 2017 و2018، كان يتحدث عن قلقه المتزايد من تطور قدرات رجال الله، ثم يغير الموضوع ويدعي سيادته على الجولان، ويعود بعدها للإشارة بكل غباء إلى أن الدعم الإيراني للحوثيين مصدر خطر على الأمن القومي العالمي، وعندما رأى الطائرات المسيرة عبَّر بصراحة تامة عن خوفه من هذه الصناعات التي باتت تؤرق "تل أبيب" وتسلبها نومها.
في عامنا هذا 2019، وقبل أيام قليلة، قال "النتن ياهو" إن إيران تصنع الصواريخ وتنقلها إلى اليمن لتستهدف بها إسرائيل لاحقاً، ويبدو أنه مصاب بالزهايمر، وقد نسي الحصار البشع الذي تعاني منه إيران، والحصار الأبشع الذي تعاني منه اليمن، بالله عليك يا نتنياهو كيف يتم نقل هذه الصواريخ؟
لا يوجد إلا حل واحد فقط، وهو أن يرتدي الصاروخ عباءة ضيقة وبنطلون فيزون (مغرياً) وكعباً عالياً، حينها سيتمكن من تجاوز مطبات التحالف والدخول إلى اليمن، توكل على الله أيها الصاروخ الإيراني، فهذه الطريقة مجربة ومضمونة، واسأل الجنرال "علي محسن" عن ذلك... (احم احم، أحرجنا الفندم).
هذه النكتة كانت الجانب العادي من التصريح، وهناك جانب آخر خطير ويعتبر نقلة نوعية في الصراحة الإسرائيلية، فقد قال "نتنياهو" إنهم سيقومون بالاستعانة بأدواتهم في اليمن، قالها "ابن الكلب" بكل صراحة، وهنا يجدر بنا التأمل قليلاً.
صحيح أن البخيتي والآنسي وأمثالهما موجودون اليوم، لكن قبل سنوات لم يكن أحد يتوقع وجود أدوات صهيونية في يمن الإيمان، كان هذا الأمر شيئاً مستبعداً عند كل الناس، ومجرد التفكير في أن جارك أو صديقك عميل لإسرائيل، يجلب القشعريرة والذهول والتبلد في آن.
اليوم لم يلتفت أحد إلى كلام نتنياهو، وهذا لأنه قام "بتسليك الناس" رويداً رويداً بمحطاته الوقحة في اليمن، حتى اعتادوا على تطورها كما هو الحال مع تطور التكنولوجيا.
ولهذا أرى أن الاعتياد أمر مخيف جداً، ويجعل الشخص أعمى بالمعنى الحرفي، يسلب الرؤية والشعور والقدرة على التفكير.
هم لا يشعرون اليوم بعظمة العقول اليمنية، التي خلقت أسلحة متقدمة من العدم، ولا يشعرون بخطورة التصريحات الصهيونية الخائفة من هذه العقول، وعندما تُطهر القدس من الدنس بسواعد أتباع السيد الحوثي.. سيكونون قد اعتادوا أيضاً.

أترك تعليقاً

التعليقات