بدون إيجار..!
 

ابراهيم الوشلي

إبراهيم يحيى / لا ميديا -
كنت طفلاً لا يتجاوز عمره العاشرة حين سمعت لأول مرة عن الشاعر الجاهلي «حاتم الطائي» ومدى كرمه وجوده، وقد علمت يومذاك أنه سمي «أكرم العرب» لشدة ما كان عليه من سخاء وعطاء وإحسان، إضافة إلى ذلك فقد صار مضرباً للمثل عند الحديث عن الكرم، وإذا أراد الناس مدح أحدهم فيقولون إن لديه «كرماً حاتمياً».
أما إذا أردنا تجاوز «الكرم الحاتمي» إلى ما هو أعظم منه بكثير، فقبلة حديثنا هم آل بيت النبوة عليهم السلام.
الإمام «علي» المرتضى وزوجه «فاطمة» الطهر البتول، اللذان استقيا من أخلاق النبي الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله، حتى قال الله عنهما: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا».
أي أنهم تعدوا مرحلة الإكرام ببعض الشيء الوافر، إلى الإيثار على أنفسهم بما لا يجدون سواه من قوت، ومما لا شك فيه أن «الإيثار» يعد أعلى مراتب الكرم.
المهم.. المشكلة أن كل الناس يرددون الحكايات عن هؤلاء بانبهار وإعجاب، والقليل القليل فقط من يوق شُحَّ نفسه، باختصار بات العثور على شخص يتحلى بهذه الروحية أمراً شبه مستحيل لكن العجيب أنني وجدت شخصاً بهذه الأخلاق، وفي فئة غير متوقعة أبداً، وهي فئة المؤجرين (أصحاب البيوت).
أحدثكم عن الإنسان «جميل سعد الرحومي»، وهو مواطن متواضع لديه 4 شقق صغيرة يسكن إحداها ويؤجر الأخريات.. وقد حكى لي صديق مستأجر عنده حكاية أخلاقه باختصار.
هذا الرجل تعود أن يتفقد خزانات المستأجرين عند الدخول والخروج، وفي حال وجد خزاناً فارغاً يملؤه بالماء خلال لحظات وعلى حسابه الخاص.
إذا لم تطبخ عائلة المستأجر طعاماً في يوم ما، فإنهم يتفاجؤون بأنبوبة غاز ممتلئة على باب بيتهم، ذلك أن المؤجر وعائلته يشعرون بحاجة غيرهم دون أن يطلب أو يتكلم.
يخرج مع بناته لشراء ملابس للعيد، ويأخذ ابنة المستأجر معهن.. وكل ما اشتراه لبناته يشتريه لها.
في بداية أزمة المرتبات التي صنعها العدوان الظالم، أراد المستأجر تفريغ البيت والعودة إلى قريته نظراً لعدم قدرته على دفع الإيجار، إلا أن المؤجر أقسم بالله على الفور إنه لن يخرج، مصراً عليه أن يبقى مجاناً وسيقسمون اللقمة إلى نصفين.. وفعلاً بقي عدة أشهر دون أن يدفع فلساً، بقي بدون إيجار.
ناهيكم عن أنه لم يرفع الإيجار ريالاً واحداً على صديقي منذ أن استأجر الشقة في 2011 وحتى اليوم.
يقول «جميل الرحومي» إنه لا أحد من المستأجرين يخرج من بيته لاستئجار بيت آخر، ومن خرج فإنما يخرج إلى بيته الخاص.
هذه نبذة مقتضبة فقط عن أخلاقه الكريمة وأسلوبه الراقي في التعامل مع المستأجرين، هناك أشياء لم نذكرها لأسباب يعلمها الله والراسخون في العلم.
المهم أن هذا الرجل يجسد أسمى صور الأخوة الإيمانية وحسن الجوار والتكافل الاجتماعي، لا تشعر أنك مستأجر بيته، بل تشعر أنه أخوك الذي يشد أزرك ويسند ظهرك.
يشعر بمعاناتك، يمد يد العون لك، يفعل من أجلك ما لن يفعله أخوك بالدم، لذلك كانت الروابط الإيمانية أقوى من الروابط الأسرية والعائلية.
لو كان جميع المؤجرين يحملون روحية «الرحومي» لكانت الدنيا بخير، ولما وجدت أزمة البيوت الخانقة التي وصلنا إليها.
يا أصحاب البيوت الذين غلبهم الجشع والطمع.. كونوا كالرحومي، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

أترك تعليقاً

التعليقات