الربيع العبري كيف أصبح خريفاً؟
- سرور عبدالله الجمعة , 10 يـولـيـو , 2020 الساعة 7:49:55 PM
- 0 تعليقات
سرور عبدالله / لا ميديا -
ترسم السطور أمامنا خطوطاً مستقيمة، لكن كلما أردتُ السير عليها وتأهبت لأخطو خطوة الحرف الأول، أبت كلماتي إلا أن تكون عابرة ساخرة غير راضية عما يحدث في جوف سنوات هذا الزمن، رافضة السير في ممر غير ممر التعبير عن التمرد والسخط، ملقية بحمل اللوم على كتف التخاذل، وموجهة أصابع الاتهام نحو مساعي الخيانة التي تعد أكبر جرائم العرب للقضية الحقيقية. قضية الفعل الذي لا بد أن يخرج ويتحرر عن قبضة السكون، فيتحرك ويُرفع في زمنه الحالي الحاضر صوب عدو الأمة الذي يرقص على إيقاع نغمات صمتنا ويغني مع موسيقى الحروب العربية الداخلية التي ابتكرها هو بإبداع وطبقها الخليج وجماعاته المتشددة بإتقان، فضاعت أصواتنا في صخبها المدمر لكل شيء.
ضعنا كشعوب محاصرة بحواجز الاستبداد، مستعمرة بقوانين التفكك، منهكة بقواعد الطغاة، ومسحوقة تحت عجلات الظلم والتآمر وعملائه من الحكام الخدام، وما إن جاء ذلك الخريف الذي خُيل لنا أن مروجه قد تفتحت وتصورناه ربيعا باهياً زاهيا ستنبت فيه الحياة وتتفتح من خلاله زهور التحرر، ذلك الربيع العبري لا العربي الذي كان أول فصول الانتعاش للاحتلال «الإسرائيلي» في قلب الأراضي العربية الإسلامية، ربيعاً جعل الصهاينة يتجولون كيفما يحلو لهم وكما تشتهي مخططاتهم في أرجاء شبه الجزيرة ومقدساتها.
ربيعاً مدروساُ بدقة، مكتوباً بعناية على مراحل متتالية تكالبت علينا من كل صوب، ربيعاً لم نر فيه بزوغ آمالنا وتطلعاتنا، بل بزغت جيوش صهيون الجديدة بنسختها المتأسلمة وبجرأة لم يسبق لها نظير، جيوش بُعِثت من رحم تلك الأساطير القديمة، وجماعات توالدت من عمق خرائط الفكر الأمريكية والصهيونية تحت مسميات دينية وبمظاهر عنيفة غريبة عجيبة تحمي جسد أمريكا وتداوي أوجاع «إسرائيل» وجراحها الدامية التي نزفت بفعل حزب الله وكافة فصائل المقاومة، بزغت جيوش ملتحية تدافع عن الباطل المحتل في كل معاركها مع المسلمين، فظهرت داعش وما يسمى التنظيم الإسلامي وجبهة النصرة ومسميات متنوعة، وقديما وقبل الربيع العبري بسنوات كان تنظيم القاعدة وحركة طالبان وجميعها تم إدراجها في خانة الإرهاب الوهمي المختلق.
وبهذا ووسط التخبطات العربية والنزاعات الفكرية التي أقحمتنا فيها دول الغزو للانصراف عن فلسطين القضية، تسنى للحثالة «إسرائيل» أن تتطاول وتتوعد وتهدد، بل تقصف العديد من المواقع منذ زمن في شمال الجزيرة، بل امتدت طائراتها اليوم إلى الجو اليمني بعباءة سعودية خليجية ممزقة مكشوفة، امتدت بأقنعة وعبر أنظمة عربية مجندة تحت رايتها تحمي وجودها، فتتلقى منها كل التدريبات العسكرية والدعم اللوجستي كمساعدات للنيل من الإسلام باعتباره عدواً أزلياً مشتركا، وشنت الكثير من المحاولات العبثية للقضاء على كل من يرهبها ويزعزع وجودها ويهاجم كل جماعة أنتجتها أمريكا و»إسرائيل» ويدحر كل جيش تسلح بالكفر والباطل ويقاوم محور الإسناد لكيان الشر.
أما بعد أن رأت «إسرائيل» وسمعت وفهمت أن الموت لها ولأمريكا أصبح واقعاً ملموساً يسافر نحوها على متن الإيمان الصادق وهدفاً للمقاومة لا رجعة عنه، وبعد أن فشلت في تحقيق مساعيها عبر خلق الصراعات والنزاعات الداخلية في اليمن وسوريا ولبنان وغيرها، وبعد أن وقفت كل الدويلات الحامية لها عاجزة مكتوفة الوسيلة بما لديها من صواريخ وتقنيات دمرها المجاهدون ونالوا من حشودها في كل جبهة، بل انتقلوا من مرحلة الدفاع إلى الهجوم والردع موجهين أحدث منجزاتهم الصاروخية الوطنية إلى قلب السعودية والإمارات من اليمن، وإلى قلب المستعمرات الفلسطينية من لبنان، فشلوا الحركات المتصهينة مرة تلو أخرى، كل هذا كلف «إسرائيل» أن تظهر من تحت الطاولة لتعلن موقفها بصراحة وتُعرب عن كل مخاوفها وتتحرك بأحدث أسلحتها وتتضامن تضامناً جهرياً إلى جانب دروعها الدولية الفاشلة حرصاً منها على ألا يحد المؤمنون الواثقون بنصر الله توسعها أو ينالوا مما توهمت أنها دولتها ووجودها وكيانها في فلسطين الحبيبة.
بوضوح إنه لولا التخاذل والعمالة الخليجية بشكل خاص والعربية بشكل عام وعقد الاتفاقيات والمعاهدات ومختلف أنواع الشراكات والتطبيع والتبادلات التجارية وترويج السلع الاستهلاكية الأمريكية و«الإسرائيلية»، وفوق هذا كله صناعة جيش ذي وحدة موحدة مع أكبر وأنجس وأحقر أعداء الأمة المحمدية والمقدسات الإسلامية، لما تمكنت ولا تجرأت دول مستحدثة النشأة أوجدت لها كيانا من اللاوجود فوق أنقاض الضحايا البشرية، من أن تصوب سلاحا نحو المقاومة، ولما تجرأت على أن تقتحم حدودنا الجوية وتحاصر البرية منها والبحرية.
ثم ماذا كان سيحدث على هذه الأرض لو كانت دول الخليج وغيرها تنتمي للإسلام انتماءً غير مزيف؟ كنا لن نسمع عن «إسرائيل» مجرد سماع، وكنا لن نعرف عن أمريكا سوى أنها هناك في الطرف الآخر من الأرض تمارس أعمالها التعسفية بعيداً عن حدود العرب والمسلمين أو ربما كانت لن تكون من الأساس لأن وحدة الصف المسلم لن تسمح لها بظلم الشعوب أو احتلالها.
وخلاصة الحديث هي حين تغدو قبورنا الشاهدة بموتنا تحت تأثير الهزيمة على يد الاستكبار الغربي والصهيونية مهداً لتنامي الأمل وخنادق لتحقيق النصر، ندرك أننا بالفعل حصلنا على تمام معرفة مكنتنا من التحرك بوعي لكشف الفوارق التي تجعلنا قادرين على الفصل بين خطين يتحركان في واقع أمة الإسلام.
أولهما الإسلام المتخذ من شكول وسمات الدين الخارجية صورته التسويقية لاستقطاب الجماهير وتكوين قاعدته، ويتخذ من الصهيونية قالباً يكون بموجبها كيانه الداخلي وعقيدته الفكرية وقيمه وعاداته ومسلماته، ويبني وفقه مواقفه، وهذا ما كان طوال زمن التراجع والتلاشي لأمتنا..
والثاني هو ما نتج عن الارتباط بالمنبع الصافي للإسلام بحيث صاغ جوهره ومظهره وبنى مواقفه على أساس القرآن الكريم، ولما كان اعتماده هذا الكتاب العزيز نهجاً استطاع الخروج بنا من مغبات الضياع وسراديب الجهل والخيبة وحالة فقدان الوزن والتأثير والوقوع في دوائر الفشل والإحباط نتيجة لسيطرة اليأس على نفوسنا بحيث تحرك هذا الخط باعثاً لمقامات حركة رسالات الله، إذ جعل من كتابه مورداً لمعرفته سبحانه، وبذلك كون عقيدته التي بما لها من شمولية تصنع جندي الله القوي ذا المهام الشاملة، فيتحرك إلى ساحة العمل وقد حاز القدر الذي يمكنه من إعادة كل شيء إلى نظامه. وهكذا جاء الربيع المحمدي المتشح بذي الفقار والمنطلق بـ»علي» الذي هو الإيمان كله لمواجهة الشرك كله.
المصدر سرور عبدالله
زيارة جميع مقالات: سرور عبدالله