سحرة الفكر
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في قصة نبي الله موسى (ع)، منهج جميل في طرح الأفكار الحقيقية المخالفة للمألوف والمشهور الذي فرضه فرعون، واتبعه الناس دون إعقال، ومكنته النخب بما تمتلكه من قدرات وعلم في زمانها.
فحينما جاء موسى (ع) بحقيقة التوحيد وصفه فرعون -الإله- بداية بالجنون (إسقاط اجتماعي)، لكن موسى استمر بطرح حقائقه مطالبا بإدراكها بالعقل (استخدام العقل ودوره في إدراك الحقائق)، ثم هدده فرعون بالسجن، لكن موسى (ع) رد عليه بأن لديه دليلا مبينا، ومبين هنا أنه قطعي يدركه العقل والقلب والوجدان والفطرة (دليل محيط راسخ).
هذا فضلا عن أن منهج موسى (ع) مع فرعون (الإله)، كان ”وقل لهم قولا لينا”، وهي الطريق الأولي الأساسي في تذليل العقبات أمام أعتى سلطة حتى تُطْرَح الحقائق في جو حواري هادئ غير متشنج يمكن للعقل فيه أن يركز على طبيعة ما يطرح.
أدلة موسى (ع) كانت حسية مناسبة للزمان والمكان، ولدور الحس في معارف العقل، ثم استمر فرعون باتهاماته لموسى وإسقاطه اجتماعيا.
ثم قام فرعون بحشد كل السحرة لمواجهة موسى، بدل أن يحشد العقول والبراهين، كان هدفه إسقاط موسى، ثم رسخ منهجا مع الناس في الاتباع على أساس الغلبة العددية لا الغلبة النوعية بالدليل العقلي.
السحرة طبقة اجتماعية لها وجودها الاجتماعي المؤثر، وطلبوا أجرا مقابل غلبتهم، فأجابهم بالرضا بل أغراهم بتقريبهم إليه، لكن أدلة موسى وبراهينه العقلية وحقيقته غلبت أوهامهم، وأول من آمن بموسى كانوا السحرة لإدراكهم حقيقته.. كونهم الأجدر بمعرفة أن ما لديهم وهم.
لو قمنا بمقاربة بين هذه القصة والواقع في كل تمظهراته السياسية والفكرية والدينية سنجد التالي:
على المستوى السياسي نجد المنهج الفرعوني قائما بكل تجلياته، حيث ترميز كثير من السياسيين وتصنيمهم، التفاف مثقفي السلطة حول أصنامهم مقابل المال والمنصب، لتكريس سلطتهم رغم فسادها، ومواجهة كل محاولات الإصلاح ومحاربة الفساد بالإسقاط بكافة أشكاله وبالسجن، وبمحاولة الاغتيال والقمع والإغراء المادي.
على المستوى الفكري، هناك حالة تضخيم تحول الأفكار إلى أصنام خارج دائرة النقد والتقييم، وتحول الأشخاص إلى آلهة، وتواجه الأفكار المخالفة للمشهور أو غير المألوف لعموم الناس، مواجهة شخصانية تسقط صاحب الفكرة دون أن تناقش أفكاره بالدليل والبرهان. ومن ثم يجتمع سحرة الفكر لمواجهة ذلك الشخص بكل ما يملكون من أدوات معرفية لكن ليس بمطارحة البرهان بمثله وإنما بإثبات فساد وجهل صاحب هذه الأفكار.
في المؤسسات الدينية تتجلى الحالة على أشدها، حيث فتاوى التضليل ومواجهة ما يخالف المشهور والمألوف، بالإسقاط الاجتماعي غالبا وبفتاوى تمنع قراءة تلك الكتب وبمواجهات بعيدة عن المنهج المعرفي القائم على ”قل هاتوا برهانكم” ولعلهم يعقلون.
لذلك تعتبر الفرعونية منهجا وليس فقط شخصا، تكرار هذه القصة مرارا يوجه العقل لمنهجها ويوضح آليات مواجهة الحالة الفرعونية.

أترك تعليقاً

التعليقات